التوحيد عند آل البيت عليهم السلام (1/2)


أبو عمر حاي الحاي








الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:



فقد كتبت مقالاً سابقاً بينت فيه -بحمد الله عز وجل- عدم جواز التمسح والطواف بالقبور، وبينت بطلان ما نسب إلى الإمام أحمد رحمه الله تعالى بجواز التمسح بقبر النبي [ وبطلان قصة الإمامين الشافعي وأحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى من شرب ماء غسل القميص تبركاً، وأن مذهب القرون الثلاثة الممدوحة «خير الناس قرني» وقوع الإجماع على عدم جواز التمسح ودعاء المقبور والتضرع عنده وسؤاله، وأن هذا من أعمال أهل الشرك، وأن الحجة في ذلك هو ما ورد في الصحيح من السنة بفهم سلف الأمة رضوان الله عليهم.









وقد بينت في مقالتي السابقة مقصود الإمام مالك رحمه الله من قوله: «كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر [»، وأن هذا دليل على عدم حجية فعل أحد الأئمة أو غيره من الصالحين بجواز التمسح أو التوسل عند القبور، وأن هذه المسألة قد حسمت عند أهل الحديث بأنها من أعمال أهل الشرك، وأنها لا تجوز مطلقاً، وإن قال بها بعض أهل السنة وإن كان من أئمتهم إلا أنه يعد هذا من خطئه، ويغفره الله له إن شاء رحمة منه وفضلا.



ونحن في هذا الصدد نبين بإذن الله تبارك وتعالى التوحيد وضوابطه عند أهل البيت وأئمة الشيعة الواردة في كتبهم، التي هي حجة عليهم، وأنه يجب على كل من ادعى محبة آل البيت رضوان الله عليهم أجمعين أن يسلك طريقهم وينتهج منهجهم، فأقول وبالله المستعان وعليه التكلان:

قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذريات:56) فإن الغاية العظمى الذي خلق الإنسان من أجلها هي عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ الشرك وكل ما يؤدي إليه فلقد ورد عن النبي [ أنه نهى عن زيارة القبور في أول الإسلام؛ وذلك لأنهم كانوا حديثي عهد بشرك وجاهلية، فلما استقر التوحيد في نفوسهم رضي الله عنهم أذن لهم [ بزيارة القبور؛ لأنها تذكر بالآخرة، فقد ورد عن أنس رضي الله عنه عن النبي [: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب و تدمع العين و تذكر الآخرة و لا تقولوا هجرا». رواه الحاكم، وهو صحيح.

فلقد كان الأنبياء جميعهم أحرص ما يكون على تعليم أمتهم التوحيد الخالص، وتحذيرهم من الشرك وأنواعه وكل ما يؤدي إليه فإن توحيد الله عز وجل هو أول الواجبات، وأن نبذ الشرك هو أعظم ما نهي عنه ولقد قسم العلماء -رحمهم الله- التوحيد إلى ثلاثة أقسام هي: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وقسموا الشرك إلى شرك أكبر، وهو مخرج من ملة الإسلام، وشرك أصغر وهو يبطل العمل الذي وقع فيه، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله [: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» رواه مسلم.

وأن أول من تعلم التوحيد وحرص عليهم هم آل بيت النبي والصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ولولا أنهم قد نقلوا إلينا ما تعلموه من النبي [ من توحيد ونبذ الشرك ما علمنا التوحيد الخالص ووقعنا في الشرك والعياذ بالله، وإليك -أخي القارئ الكريم- نصوص من كتب الشيعة تدل على التمسك بالتوحيد، وأنه هو الأصل وإن خالف فعلهم قولهم ولكن يبقى قولهم حجة عليهم، فلقد قال علماء الشيعة ومنهم أمين الدين الطبرسي: «كان أمة» كان وحده أمة من الأمم لكماله في صفات الخير، وقال مجاهد: كان مؤمناً وحده منفرداً دهره بالتوحيد والناس كفار، قال قتادة: كان إماماً، هدى، قدوة يؤتم به، قانتا مطيعاً لله دائماً على عبادته، حنيفاً مستقيماً في الطاعة، مائلاً إلى الإسلام غير زائل عنه، لم يك من المشركين تكذيب لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملّة إبراهيم» تفسير جامع الجوامع (2/312).

وقال : «وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أهل الجنة بأنهم لم يشركوا بربهم فقال: {والذين هم بربهم لا يشركون} «تفسير الصافي (3/402)، تفسير معين (2/908)، تفسير كنز الدقائق (9/195).

وقد وردت عن أئمة آل البيت عليهم السلام نصوص كثيرة في هذا المعنى ومنها:

عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: «ما من شيء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الله عز وجل لا يعدله شيء، ولا يشركه في الأمر أحد» بحار الأنوار (3/3)، التوحيد (19)، ثواب الأعمال (3).

وهذا الإمام جعفر الصادق يعلنها صراحة، أمام الناس جميعاً، من شاهده وصحبه، ومن سمع به ولم يره، يقول بكل وضوح: «والله ما نحن إلا عبيد ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون ومقبورون ومنشورون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون. أشهدكم أني امرؤٌ ولدني رسول الله وما معي براءة من الله، إن أطعت رحمني وإن عصيت عذبني عذاباً شديدا» (بحار الأنوار (25/289).

وقد كان حفيده الإمام الرضا يقول في دعائه: «اللهم إني أبرأ إليك من الحول والقوة، فلا حول ولا قوة إلا بك، اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادَّعوا لنا ما ليس لنا بحق، اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا، اللهم لك الخلق ومنك الأمر، وإياك نعبد وإياك نستعين، اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين، اللهم لا تليق الربوبية إلا بك، ولا تصلح الإلهية إلا لك، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك، والعن المضاهين لقولهم من بريتك.

اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، اللهم من زعم أننا أرباب فنحن إليك منه براء، ومن زعم أنّ إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن إليك منه براء كبراءة عيسى – عليه السلام – من النصارى، اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذنا بما يقولون واغفر لنا ما يزعمون» (الاعتقادات لابن بابويه القمي ص99).

قال الشيخ محمد السبزواري النجفي في تفسير آية {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48) قال: «أي أنه تعالى غفار للذنوب، ولكن الشرك به لا يغفره مطلقاً، وقد حكم على المشرك به بالخلود في عذاب النار؛ لأن أثر هذا الذنب لا ينمحي ولا يشمله العفو إلا أن يتوب المشرك ويرجع إلى الإسلام والتسليم لله تعالى بالوحدانية والربوبية، فتجبُّ توبته ما قبلها من الشرك {ويغفر ما دون ذلك} أي: ما سوى الشرك، من المعاصي وصغار الذنوب فإنه يغفرها بلا توبة {لمن يشاء} للذين يريد لهم المغفرة والتجاوز تفضلاً منه وكرماً، لأن مقتضى هذه الحالة هو الوقوف بين الخوف والرجاء، فلا إغراء فيه بعدم التوبة». تفسير الجديد (2/972)، وانظر تفسير جامع الجوامع (1/261)، تفسير الوجيز (1/318).

قال تعالى مخاطباً نبيه محمداً [: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر: 65).

قال السيد محمد الحسيني الشيرازي: «أكد الله سبحانه شأن التوحيد حتى إن كل أحد أشرك حبط عمله، ولو كان نبياً، ولقد أوحي إليك يا رسول الله وإلى الذين من قبلك من الأنبياء والرسل لئن أشركت بالله ودعوت معه غيره ليحبطن عملك، وحبط العمل بطلانه، بأن لا يكون له ثواب أي لم يكن لك أجرُ على أعمالك الحسنة ولتكونن حيث أشركت من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم، ودنياهم، وآخرتهم، وتوجه الخطاب إلى الرسول وسائر الرسل لتنبيه الناس بأن الأمر هكذا حتى بالنسبة إلى أعظم الناس» تفسير تقريب القرآن (24/30).

وقد قال أبو جعفر محمد الطوسي عند تفسير: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} (الأنبياء: 25)، قال: «بأنه لا معبود على الحقيقة سواه {فاعبدون} أي: وجهوا العبادة إليه من دون غيره» تفسير التبيان (7/240).

وقال الحاج سلطان الجنابذي: «بالتوحيد وخلع الأنداد لا بالإشراك واتخاذ الأنداد» تفسير بيان السعادة (3/47).

روى ابن بابويه القمي في كتابه: (علل الشرائع 1/3) عن الإمام جعفر الصادق، في قول الله عز وجل: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا} (نوح: 23)، قال: «كانوا يعبدون الله عز وجل فماتوا، فضجَّ قومهم وشق ذلك عليهم فجاءهم إبليس لعنه الله فقال لهم: أتخذ لكم أصناماً على صورهم فتنظرون إليهم وتأنسون بهم وتعبدون الله، فأعد لهم أصناماً على مثالهم فكانوا يعبدون الله عز وجل وينظرون إلى تلك الأصنام، فلما جاءهم الشتاء والأمطار أدخلوا الأصنام البيوت فلم يزالوا يعبدون الله عز وجل حتى هلك ذلك القرن ونشأ أولادهم فقالوا: إنّ آباءنا كانوا يعبدون هؤلاء، فعبدوهم من دون الله عز وجل فذلك قول الله تبارك وتعالى: {ولا تذرن ودا ولا سواعا} الآية.


وحث الله تعالى المؤمنين على تقواه والتقرب إليه بالطاعات فقال: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون} (المائدة: 35).

يقول الطوسي في تفسير الآية: خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه، ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها، ويبتغوا إليه الوسيلة» معناه يطلبون إليه الوسيلة وهي (القربة) . (التبيان 3/509).