فَضَائِلُ الْأَعْمَال


الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر





إن من أعظم ما ينبغي أن تنهض همة المسلم للعناية به -ولاسيما مع كثرة الشواغل وتعدُّد الصوارف والملهيات- أن يقرأ في أحاديث فضائل الأعمال الثابتة عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، لأن قراءتها والتأمل في مضامينها يحرك النفس وينشِّطها لتنهض عاملةً عابدةً مطيعةً لله -جل وعلا- مقبلةً على الأعمال الصالحات والطاعات الزاكيات ؛ فتزداد بذلك درجاته، ويعظم ثوابه عند الله -جل وعلا-، ويكفَّر عنه بذلك ما عليه من خطايا وذنوب.

إن من أجمع الأحاديث عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - ذكرًا لفضائل الأعمال, ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالصَّلاَةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ»، هذا حديثٌ عظيمٌ جامع لفضائل الأعمال ولأمهات العبادات الدينية والطاعات المقربات إلى الله -جل في علاه-، وجديرٌ بنا -عباد الله- أن نحفظ هذا الحديث، وأن نجاهد أنفسنا على العمل بمضامينه العظيمة.

الطهور شطر الإيمان

الطهور وصفه نبينا -عليه الصلاة والسلام- بأنه شطر الإيمان، والمراد بالإيمان هنا: الصلاة، والطهور شطرها أي الوضوء؛ لأنه لا صلاة لمن لا وضوء له، فلا تستقيم الصلاة ولا تصح من العامل إلا إذا تطهر، وفي الطهارة للصلاة -عباد الله- أجور عظيمة وثواب جزيل وتكفيرٌ للذنوب والخطايا.

الحمد لله تملأ الميزان

والحمد لله تملأ الميزان؛ حيث إن الأعمال يوم القيامة ينصب لها ميزان توزن به أعمال العباد {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}(الزلزلة:7-8)، وهذا الحمد كما أخبر نبينا -عليه الصلاة والسلام- يملأ الميزان يوم القيامة ؛ فجدير بالعبد الناصح لنفسه أن يكثر من حمد مولاه -سبحانه وتعالى- ليرى ذلك يوم القيامة يملأ ميزانه يوم يقف بين يدي ربه -جل في علاه.

الأثر العظيم والامتداد للثواب

و«سبحان الله» و«الحمد لله» هاتان الكلمتان إحداهما تنزيه لله عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله، وتنزيه له عن مماثلة المخلوقات، و«الحمد لله» ثناء على الله بعظيم صفاته وكمال نعوته وجزيل مننه وعطاياه. هاتان الكلمتان «سبحان الله» و«الحمد لله» تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض, انظر هذا الأثر العظيم والامتداد للثواب والأجر لهاتين الكلمتين العظيمتين المشتملتين على التنزيه لله والثناء عليه -جل في علاه.

الصلاة نور

والصلاة نور يضيء له طريقه، نعم عباد الله , العبد دون الصلاة في ظلمة، وبالصلاة في نور وضياء. الصلاة تنير للعبد طريقه فتهديه إلى الطاعات، وتعينه على أنواع العبادات، وتكفُّه عن المعاصي والآثام والخطيئات، يقول الله -جل وعلا-: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} (البقرة:153)، ويقول -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت:45)، ثم هي -عباد الله- نور للعبد في قبره ويوم حشره ولقاء ربه، ذُكرت الصلاة عند النبي -[- يومًا فقال: «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ وَلاَ بُرْهَانٌ وَلاَ نَجَاةٌ».

الصدقة برهان

والصدقة برهان, أي حجة لصاحبها، ودليل على صحة إيمانه، وعظم ثقته بربه، وحسن توكله عليه -جل في علاه-، وهي أيضا برهان ساطع على وقايته من الشح وسلامته من البخل، {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:9).

الصبر ضياء

والصبر ضياء وهو أنواع ثلاثة: صبرٌ على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبرٌ على أقدار الله المؤلمة. والعبد المؤمن لا غنى له عن الصبر بأنواعه ؛ فالطاعات -عباد الله- لا قدرة للعبد على القيام بها إلا بالصبر، والمعاصي لا قدرة للعبد على الانكفاف عنها إلا بالصبر، وما يصيب المرء من أقدار مؤلمة في هذه الحياة لا يمكن أن يتخطى ذلك إلا بالتحلي بالصبر ؛ فالصبر يضيء للمرء طريقه في باب الطاعات، وباب الانكفاف عن المعاصي والخطيئات، وفي باب الأقدار المؤلمات.

القرآن حجة

والقرآن -جعلنا الله أجمعين من أهله- حجة لك أو عليك ؛ حجة لك أيها العبد المؤمن إن تلوته حق تلاوته متفهمًا معانيه عاملًا بهداياته، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء:9)، أما من يقرأ القرآن ويعرِض عن العمل بالقرآن فإن القرآن حينئذٍ حجة عليه لا له، وفي الحديث: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»، من قرأ القرآن متدبرًا هداياته عاملًا بإرشاداته كان من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، ومن أعرض عن العمل بالقرآن وهداياته كان القرآن حجة عليه.

إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى

والناس كلهم في سير وسعي كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} (الليل:4)، يقول -عليه الصلاة والسلام- في خاتمة هذا الحديث: «كل الناس يغدو» أي كلهم في سعي وكلهم في عمل لكنهم على اتجاهات وعلى وجهات مختلفة ؛ سعيهم شتى وطرائقهم في العمل مختلفة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: «كل الناس يغدو فبائع نفسه» أي بائعها لله -جل في علاه- طاعةً له وعبادةً وقيامًا بما يرضيه، «ومهلكها أو موبقها» أي ببيعها للهوى والشيطان في اتباعهما وارتكاب ما يدعوان إليه من المعاصي والذنوب.

كتابات عديدة


وفي باب فضائل الأعمال كتب أهل العلم كتابات عديدة ومؤلفات كثيرة، لكن أحسن هذه المؤلفات في نظري -والله تعالى أعلم- كتاب (كفاية المتعبِّد وتحفة المتزهِّد) للحافظ المنذري -رحمه الله-، جمع فيه تسعين حديثًا كلها صحاح ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أرى أن هذا الكتاب القيم النافع جديرٌ بأن نعتني به في بيوتنا وفي مساجدنا وفي مدارسنا؛ لما حواه من خير عظيم وجمعٍ نافع مفيد لأحاديث الفضائل الثابتة عن الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام-، مع إجادةٍ وإحسان في التبويب والترتيب. نسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا أجمعين لكل خير، وأن يصلح لنا شأننا كله، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.