صلة الأرحام






مريم العتيبي


الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك، وهم المعنيون بقوله سبحانه وتعالى في سورتي الأنفال والأحزاب: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}، وأقربهم الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا ثم الأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم، وقد صح عن النبي[ أنه لما سأله سائل: «من أبر يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك. ثم الأقرب» خرّجه الإمام مسلم في صحيحه والأحاديث في ذلك كثيرة.. أما أقارب الزوجة فليسوا أرحاماً لزوجها إذا لم يكونوا من قرابته ولكنهم أرحام لأولاده منها.
فالقريب الذي يتصل بك في القرابة كالأخ والعم والخال وأولادهم وكل من ينتمي إليك بصلة له حق هذه القرابة بحسب قربه، قال تعالى: {وآت ذا القربى حقه} (الإسراء: 26)، وقال: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى} (النساء: 36)، فيجب على كل قريب أن يصل قريبه بالمعروف، ببذل الجاه، والنفع البدني والنفع المالي بحسب ما تتطلبه قوة القرابة والحاجة، وهذا ما يقتضيه الشرع والعقل والفطرة.
وكثير من الناس مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه، تجد الواحد منهم لا يعرف قرابته بصلة لا بالمال ولا بالجاه ولا بالخلق، تمضي الأيام والشهور ما رآهم ولا قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بهدية ولا دفع عنهم ضرورة أو حاجة، بل ربما أساء إليهم بالقول أو بالفعل، أو بالقول والفعل جميعاً، يصل البعيد ويقطع القريب.
ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه ويقطعهم إذا قطعوه، وهذا ليس بواصل في الحقيقة وإنما مكافئ للمعروف بمثله، وهو حاصل للقريب وغيره؛ فإن المكافأة لا تختص بالقريب، والواصل حقيقة: هو الذي يصل قرابته لله، ولا يبالي وصلوه أم لم يصلوه، كما في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي[ قال: «ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل إذا قطعت رحمه وصلها» وسأله رجل: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون عليّ؟ فقال النبي[: «لئن كنت كما قلت فكأنما تسفّهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك» رواه مسلم.
ومن ثمرات صلة الرحم أن الله يصل الواصل في الدنيا والآخرة، فيمده بالرحمة، وييسر له الأمور، ويفرج عنه الكربات، مع ما في صلة الرحم من تقارب الأسرة، وتوادهم، وحنو بعضهم على بعض، ومعاونة بعضهم بعضاًً في الشدائد، والسرور والبهجة الحاصلة بذلك كما هو مجرب معلوم، وكل هذه الفوائد تنعكس حينما تحل القطيعة ويحصل التباعد.