رثاء طفلي يمان


مصطفى قاسم عباس


مَا عادَ بَيْنَ صِبْيَتِي يَمَانْ!
ما عُدتُّ أَرْنُو نَحْوَهُ، وَمَهْدُهُ يَضُمُّهُ، وَيَبْسِمُ الزَّمانْ!
ما عُدتُّ أرْنُو نَحْوَهُ في نَظْرَةٍ مَمْلُوءةٍ بالعَطفِ وَالحَنانْ!
.. وَصِبْيَتِي أَخَاهُمُ يَبْكُونْ
وَتَدْمَعُ العُيونْ
بِالأمْسِ كانُوا عُصْبَةً في البَيتِ يَلْعَبُونْ
.. حَاوَلْتُ حَبْسَ أَدْمُعِي في مُقْلَتِي
أَغْلَقْتُ دُونَ أَدمُعِي سَدًّا مِنَ الجُفونْ
لكِنْ.. لَها قدْ أُطلِقَ العِنَانْ
فَأَصْبَحتْ تَخُونْ!
وَهَا هُمَا عَيْنَايَ تَجْرِيانْ

.. وَعُمْرُهُ شَهْرَانْ
قَضَاهُما، وَما أَرَى في وَجْهِهِ ابْتِسامَهْ
بَرَاءةُ الأطفَالِ في عُيُونِهِ كَرِقَّةِ الحَمَامَهْ
وَدَّعتُهُ بِقُبْلَةٍ مِن خَدِّهِ قَبْلَ السَّفَرْ
وَبَعْدَ يَوْمٍ وَاحدٍ قدْ جَاءنِي الخَبَرْ
وَغابَ في الثَّرَى ومَا رأَيْتُ فِلْقَةَ القَمَرْ
.. فَهكَذَا أَرادَ رَبِّي خَالِقُ البَشَرْ
مَا كُنْتُ حِينَ دَفْنِهِ مُلَوِّحاً لَهُ:
مَن فَارَقَتْنَا - يا صَغِيرِي - في الصِّغَرْ
فَإنَّها في جَنَّةِ النَّعِيمْ
كأَنَّنِي أَرْنُو لَهَا
قَدْ جَمَّعَتْ أَتْرَابَها
وَيَنْطِقُ اللِّسَانْ:
يَا رُفْقَتِي، لَقَدْ أَتَى لِرَوْضِنَا يَمَانْ
.. يا زَوجَتِي، لا تَحْزَنِي
وَكَفْكِفِي الدُّمُوعْ
فَمَا إلى دُنْياهُ بَعْدَ المَوْتِ مِن رُجُوعْ
هيَّا ارْشُفِي بِنَشْوَةِ السُّلْوَانِ وَالإيمَانْ
كَأْساً مِنَ اليَقِينْ
وَلِلْقَضَاءِ سَلِّمِي
إيَّاكِ أنْ تَسْتَسْلِمِي لِغَمْرَةِ الأَحْزَانْ
هيَّا ارسُمِي على الشِّفَاهِ بَسْمَةَ الرِّضَا
فهكَذا إلَهُنا قَضَى
وَمَا قَضَاهُ كَانْ
ومَا قَضاهُ كانْ