أدواء في جســـــــد الدعـــــوة




للكاتب: ذكريات







بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه من والاه، أما بعد:



فقد ذكرت في المقال السابق الذي عنونته «بعد الانتخابات... فهل نعي الدرس؟» أن أعظم داء ينهش في هذه الصحوة والجيل الجديد من أبناء هذه الدعوة المباركة، دعوة الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، هو وبإيجاز: "إعجاب كل ذي رأي برأيه"، فقد حذرنا رسولنا[ من هذا الداء العضال الذي إن دخل في جسد نخر فيه، وتحسبه جبلا فإذا أتت الفتن تصدع وتطاير كالعهن .

فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وقد كشفت لنا الأحداث أن صحوتنا تحتاج لصحوة بل إلى انتفاضة تربي جيل الصحوة لتقتلع شجرة العجب من جذورها، ولنضع أيدينا على سبب الداء حتى نستطيع أن نصف الدواء، فالمتتبع للنصوص الشرعية والسنن الإلهية والناظر لواقع الدعوة السلفية يلاحظ وبوضوح أسباب الداء، وسوف ألخصه في نقطتين:

1- فقد المرجعيات العلمية والقدوة المربين، لا لعدم وجودهم في مجتمعنا بل لعدم وجودهم بين الشباب، والاكتفاء بالتوجيه من خلال الكتب والمؤلفات أو الدروس والدورات القليلة المتفرقة، وهذا وإن كان فيه خير كثير إلا أنه لا يكفي ، فبسبب عدم وجود التواصل المستمر واللقاء الدائم والبرامج المنظمة بين المشايخ المربين وطلاب العلم وبين الشباب أدى هذا إلى النقطة الثانية.

2- ضعف العلم الشرعي عند شباب الدعوة وبعض المتصدرين فيها، مع العلم أن هذه الدعوة المباركة قائمة على تعلم العلم أولا وقبل كل شيء؛ فليست الخطورة بأن يكون المرء جاهلا بأخطر من «أبي شبر» كما وصفه الشيخ بكر أبو زيد في حليته، فقد قال - رحمه الله: «لا تكن أبا شبر، قيل: إن العلم ثلاثة أشبار:

< إذا تعلم الإنسان الشبر الأول تكبّر.

< ثم إذا تعلم الإنسان الشبر الثاني تواضع.

< ثم إذا تعلم الإنسان الشبر الثالث علم أنه لا يعلم شيئاً».


وما أكثر من يمثلون هذا الوصف ممن دخلوا في الشبر الأول من العلم ثم أسرعوا في التصدر بالمجالس ظنا منهم أنهم قد بلغوا من العلم مبلغ العلماء المجتهدين، فيجادلون ويناقشون ويتهمون ويخطئون، وهم لتوهم خارجون من شبر العلم!! بل انفصلوا عن دروس المشايخ فلا تجاوزوا الشبر ولا سكتوا حيث لم يعلموا!!

بل إن بعضهم تجاوز هذه الحالة لما هو أسوأ منها، فعند إرجاعه إلى فتاوى كبار العلماء يقول بلسان حاله: «هم رجال ونحن رجال»، فهو يرى نفسه سبّاحاً ماهراً، وما علم المسكين أنه قد غرق في هذا الشبر من العلم، فالطامة أنه لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فلو درى لنجا. فإذا كنت تريد أن تعرف هل أنت منهم فانظر إلى حرصك على المرابطة عند المشايخ في حلق العلم، ثم انظر ما هو موقفك من فتوى كبار علماء عصرك، تعرف نفسك بوضوح.

اللهم هل بلغت .. اللهم فاشهد.