غــزو أخــلاق الــدراما.. وتصـــــــــــا عد دراما الـ «لا أخـــــــــــــ ـــــــــــلاق»


مصطفى صلاح خلف






هناك الكثير من السموم الفكرية التي تحيط بمجتمعاتنا الإسلامية، وفي مقدمتها تلك الدراما الرخيصة التي انتشرت هذه الأيام انتشار النار في الهشيم، باحثة عن الفريسة التي تسعى إليها وهي عقول الشباب التي تأثرت ولا شك بالسفه والابتذال الذي تقدمه بعض المسلسلات والأفلام الهادفة إلى دحض القيم الرصينة المستقاة من وحي شريعتنا الغراء وتراثنا وأخلاقنا العربية والإسلامية الأصيلة.



وفي الشهور القليلة الماضية هبت رياح عاصفة بأخلاق الشباب تمثلت في بعض المسلسلات والأفلام التي أثرت تأثيراً ملحوظاً في سلوكياتنا وعاداتنا، محاولة تغيير ثقافتنا الإسلامية الأخلاقية.

فتارة نجد فيلماً يمحو كرامة المعلم ودوره، وتارة نجد آخر يرسخ فكرة الخيانة الزوجية لدى السواد الأعظم في المجتمع، وأن قليلا جداً من الأزواج هم الذين فروا من بئر الخيانة، وفيلماً آخر يعرض لأحكام الشريعة الإسلامية على أنها موروثات ثقافية قديمة عن الأجداد والآباء ويجب مناقشتها وتطويرها.

وإن كانت هذه الدراما الخبيثة من إنتاج ممثلين ومنتجين ومخرجين عرب يعيشون في مجتمعنا العربي الإسلامي، فهناك سيل أشد خطورة وأحط أهدافاً وأشد خسة وهي دراما الغرب أو دراما الشواذ والمثليين، إن جاز التعبير، وهو جائز لأنه واقع نراه بأعيننا.

ولن نتحدث الآن عن دراما الغرب، ولكن نريد إصلاح البيت وإعادة ترتيبه من الداخل أولاً، ولعل الشهور القليلة الماضية حملت من الابتذال الإعلامي ما يحملنا على المواجهة والتوعية التي أمرنا بها ديننا الحنيف، دون ذكر أسماء تلك الأعمال الدرامية المخجلة لا لشيء سوى أنني رأيت أنها لا ترقى إلى ذكر أسمائها في منبرنا الإعلامي الإسلامي الهادف الذي يضع على صدر أغلفته كتاب الله وسنة حبيبه[ .







أفننفقها ثم تكون



علينا حسرة؟!

ولعل ما يحزن ويدعو إلى التساؤل هو حجم الأموال التي ينفقها مجتمعنا العربي الإسلامي على هذه الأعمال سواء دراما التلفزيون أم السينما، وما يتكبده رواد دور السنيما من أموال تعدت الملايين لمشاهدة هذا الإسفاف، ونحن نريد أن نعرف هل هذه الأموال التي ننفقها كي يشاهد أولادنا هذه الأعمال المدمرة، أننفقها ثم تعود بالحسرة على مجتمعنا حين نرى تأثيرها السلبي على أبنائنا وبناتنا؟! ففي الشهر الماضي أشارت دراسة خاصة بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة إلى أن 71٪ من الشباب المدخنين دون العشرين عاما كان السبب الرئيس في تعلقهم بهذه العادة هو تأثرهم المباشر بأبطال المسلسلات والأفلام وولعهم وشغفهم بأن يكونوا مثل هؤلاء الأبطال المدخنين، كما تشير إحصائيات وزارة العدل والشؤون الاجتماعية بمختلف مسمياتها في دولنا العربية إلى أن 37٪ من حالات الطلاق بين الأزواج التي كثرت لتصبح ظاهرة في الآونة الأخيرة ترجع، سواء بالتأثر المباشر أم بالتأثر غير المباشر، إلى مشاهدة الأفلام والمسلسلات التي أضعفت حدة موضوع الطلاق وجعلته كلمه عادية يكاد لا يخلو مسلسل أو فيلم من حالة أو حالتين طلاق، وبأسباب تكون تافهة في كثير من تلك الأعمال؛ مما رسخ في «اللاشعور» لدى الأفراد ثقافة الانفصال عند الاختلاف حتى ولو كانت أشياء وخلافات بسيطة للغاية.

ونعود إلى سؤالنا سابقاً: أفننفق أموالنا ثم تعود علينا حسرة؟!







هل هي حملة منظمة؟



ما من شك أن معظم الأعمال التي تفت في عضد أخلاقنا وتعبث بسلوكياتنا هي أعمال منظمة وأهداف طويلة المدى من بعض الملحدين والعلمانيين الذين يدعون أنهم مجددون على اختلاف توجهاتهم، ولا يمكن أن نلقي باللوم كله على الغرب؛ لأن صناع هذا الإسفاف كلهم من داخل مجتمعنا العربي الإسلامي، لكنهم خانوا أماناتهم وهموا بإخراج الأمة من لباس القيم والأخلاق.

فنجد الكثير من الذين اتهموا بالإلحاد والتعدي على الأديان اتجهوا في الآونة الأخيرة إلى اقتحام عالم الدراما بكافة أنواعها، يريدون بذلك توسيع دائرة البث الخبيث لأفكارهم اللعينة، مستغلين ضعف الثقافة الجماهيرية ولاسيما لدى العامة الذين لا يعرفون حقيقتهم ولا أهدافهم الحقيقية.

والناظر بعين التحليل والتقييم لأعمال هؤلاء يشم في ثناياها روائح أفكارهم الخبيثة ذات التأثير على المدى البعيد، حتى وإن وضعوها في ثوب أعمال كوميدية أو اجتماعية لجذب الجمهور إليها.

الإسلام يحرم السفه

وليس هناك شك في أن ديننا الحنيف وشريعتنا الإسلامية الغراء وجميع العلماء المسلمين العاملين قد حرموا ما لا غاية منه إلا الضرر، بل حرم ما يضيع الوقت والجهد ويلهي عن ذكر الله.

وإذا كان الإسلام قد حرم كل سفه وإسفاف فما بالنا بما يغير شريعة الإسلام ويطعنها طعناً غير مباشر، ويحاول تغيير سلوك المسلم وزرع القيم الدخيلة التي لا تهدف إلا لهلاك المجتمع ووصوله إلى مرحلة الانحلال الفكري والأخلاقي وإبعاده عن دينه؟!

هنا ليس علينا فحسب الابتعاد والنفور من تلك الأعمال التي تصاعدت في الشهور القليلة الماضية تصاعداً ملحوظاً حتى سقطت في مستنقع العصيان لله ورسوله[، ولكن علينا أيضاً المواجهة والتوعية.

وإذا كان أهل الغرب قد تصاعدت صيحات تحذيرهم هذه الأيام من التأثير السلبي للدراما من مسلسلات وأفلام على شبابهم، وهم الذين اختلط عندهم الحلال بالحرام، فإذا كان الغرب يحذرون شبابهم، فماذا نحن فاعلون وقد بلغ السيل الزُّبَى؟!







الموجهة الفكرية والتوعية الإسلامية



ولا نرى مناصا من ذلك الغزو الدرامي الذي يخترق بيوت المسلمين إلا بمواجهة، فبعضهم يفتح ذراعيه لتلك الأعمال ولسان حاله: هل من مزيد؟ وهو لا يعلم أن عقله هو الهدف المراد العبث به، نعم ليس هناك من مناص إلا المواجهة الفكرية وإيضاح حقيقة الأعمال الطاعنة في قيم الإسلام سواء بشكل مباشر أم بشكل ملتوٍ كعادة هؤلاء الضالين المضلين، وتحذير شبابنا من الانزلاق الذي وصل إلى حد الإعجاب بهذه الأعمال ومحاكاتها وتقليد أبطالها وهم لا يفرقون بين البطل والباطل.

كذلك هناك دور كبير يقع على عاتق الدعاة الحقيقيين والعلماء الربانيين العاملين السائرين على نهج سلفنا الصالح، الذين يشعرون بمشكلات مجتمعهم ولا ينعزلون عن بيئتهم، أولئك عليهم دور كبير في توعية الناس ولاسيما شبابنا، وجذبهم بعيداً عن مستنقع الأفكار الهدامة التي تداعت على أمتنا هذه الأيام.


وعلى كل مسلم القيام بدوره في توعية إخوانه كلٌّ على قدره وكلٌّ في مجاله؛ فنحن أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال حبيبنا[: «لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حُمْر النعم»، ولأن التعريف بالهدف يولد الحذر؛ فلو عرف شبابنا أهداف القائمين على الأعمال الدرامية القبيحة لأخذوا حذرهم ونظروا إليها بعين الاحتقار والازدراء.

وإذا كانت حدة سفه الأعمال الدرامية العابثة بالأخلاق قد اشتدت في الشهور الأخيرة وستزيد مستهدفة مجتمعاتنا الإسلامية، فإننا نؤكد أن صناعها هم الخاسرون، وأن المسلمين منذ بعثة الحبيب - عليه أفضل الصلاة والتسليم وآله وصحبه أجمعين - كثيراً ما تعرض للغزو الفكري وإن اختلفت أشكاله، ولكن العقيدة تهزم البدعة، وعلينا بأنفسنا لا يضرنا من ضل إذا اهتدينا، ولا سبيل لأحد علينا إذا اعتصمنا بكتاب الله وسنة رسوله[ وطريق سلفنا الصالح.