تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (1)

    المستقبل للإسلام










    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فإن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والسنة الإلهية، وقصص الأنبياء، وسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتاريخ الإسلام، وشهادات المنصفين، وصرخات الحاقدين الخائفين، وأقوال المهتدين؛ كلها تصرخ بحقيقة واحدة، ونتيجة حتمية، وهي: "أن المستقبل للإسلام".

    فإلى مَن يعيش في حيرة وشك واضطراب أقول له: إن المستقبل للإسلام.

    وإلى الحاقدين المتخوفين أقول: إن المستقبل للإسلام، ولا نجاة إلا في الإسلام وبالإسلام، فالنجاة النجاة.

    وإلى المؤمنين الصادقين الموقنين بأن المستقبل للإسلام أقول: الثبات الثبات، فإن وعد الله حق، والمستقبل للإسلام.

    فمستقبل الإسلام موضوع يشغل الجميع، ويؤرق الجميع.

    يشغل أبناء الإسلام وأعداء الإسلام، ويشغل الخائفين على الإسلام، والخائفين من الإسلام.

    الجميع يترقب ويتساءل: هل المستقبل للإسلام أم لأعداء الإسلام؟

    وأنا أقول للجميع: إي والله، المستقبل للإسلام كما نطق القران وبشَّرت سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    المستقبل للإسلام... بحسب الشواهد والإحصاءات.

    المستقبل للإسلام ... بحسب الصحوة الإسلامية المباركة.

    المستقبل للإسلام؛ لأن شمس الحضارة الغربية توشك أن تغرب.

    المستقبل للإسلام؛ لأن الكوارث والطواعين مسلطة على أعداء الإسلام.

    فهذه رسالة لطيفة بعنوان: (المستقبل للإسلام)، ذكرتُ فيها الأدلة الكثيرة المتواترة المتضافرة على أن المستقبل للإسلام بين يدي المعارك الإسلامية الحاسمة في تاريخ الإسلام، قال الله -سبحانه وتعالى-: (*وَكَانَ *حَقًّا *عَلَيْنَا *نَصْرُ *الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:??)، وقال -تعالى-: (*وَإِنَّ *جُنْدَنَا *لَهُمُ *الْغَالِبُونَ) (الصافات:???).

    ومَن أصدق من الله قيلًا، ومَن اصدق من الله حديثًا؟!

    ومن كلام الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*إِنَّ *اللهَ *زَوَى *لِي *الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (*لَيَبْلُغَنَّ *هَذَا *الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    وهل بعد قول الله -تعالى- قول؟!

    وهل بعد حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- حكم؟!

    ومع ذلك ذكرتُ أدلة كثيرة على هذه الحقيقة التي يجب أن يثق بها كل مسلم، وهذا الأمل الذي ينبغي أن يعيشه ويعيش له كل مسلم (المستقبل للإسلام).

    المنصفون من الغرب يشهدون.


    والعلماء من الشرق يبشِّرون.

    والعالم مِن حولنا يشهد أن المستقبل للإسلام.

    فهذه رسالة بعنوان: (المستقبل للإسلام) عض عليها بالنواجذ، واعلم أن المستقبل للإسلام.

    والله المستعان، وعليه التكلان.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (2)

    مُبشِّرات من السُّنن الإلهية









    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فسنة الله هي: الطريقة المتبعة في معاملة الله -تعالى- للبشر، بناءً على سلوكهم وأفعالهم، وموقفهم من شرع الله وأنبيائه، وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة.

    وسنة الله -عز وجل- في خلقه ولا تتبدل، ولا تتغير، قال -تعالى-: (?*سُنَّةَ *اللَّهِ *فِي *الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الأحزاب:??)، وقال -تعالى-: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ *تَحْوِيلًا) (فاطر:??).

    فمن هذه السنن التي لا تتغير ولا تتبدل:

    سنة التغيير: قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا *مَا *بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:??)، فانتشار الزنا والفواحش، وزواج المثليين -الرجل يتزوج الرجل، والمرأة تتزوج المرأة-، والربا، والظلم، والاستهزاء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، والبغي في الحضارة الغربية، يؤذن بانهيار الغرب الكافر عن قريب، وقد شاهدنا في عصرنا تسليط الطواعين عليهم، والبراكين، والحرائق، والعواصف، قال -تعالى-: (*وَكَمْ *قَصَمْنَا *مِنْ *قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ) (الأنبياء:11-12).

    فهذه الحضارة الغربية المعاصرة التي يبهر بها مَن بخس حظه من العلم النافع والعمل الصالح، تحمل في داخلها عوامل هدمها وزوالها.

    قال العلامة محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "نعم الله -تعالى- على الأقوام والأمم منوطة ابتداءً ودوامًا بأخلاق وصفات، وعقائد وعوائد، وأعمال تقتضيها، فما دامت هذه الأشياء لاصقة بأنفسهم، متمكِّنة فيها، كانت النعم بثباتها حسب سنة الله -تعالى- في خلقه، فإذا هم غيَّروا ما بأنفسهم مِن تلك العقائد والأخلاق، وما يترتب عليها من محاسن الأعمال؛ غيَّر الله عندئذٍ ما بأنفسهم وسلب نعمته منهم، فصار الغني فقيرًا، والعزيز ذليلًا، والقوي ضعيفًا، وهذا هو الأصل المطرد في الأقوام والأمم، وهو كذلك في الأفراد، قال -تعالى-: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ . هَذَا *بَيَانٌ *لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:137-138).

    وقد شهد عقلاء الغرب بقرب سقوط حضارتهم، فها هو الكاتب (جيمس جي كليرتيك) يقول: "كثيرٌ مِن الفضائل القديمة -كما يسمونها-: كالطهارة، والعفة، والشفقة، وكبح النفس عن الشهوة الجنسية بخاصة، فقدت مكانها من الاحترام، والتي كانت تحتلها في الأخلاق الأمريكية، وفي مقابل هذه الفضائل أو القِيَم استبدل المجتمع الأمريكي قيمًا أخرى، أو أصبح بلا قيم".

    وختم الكاتب مقاله بقوله: "ليس واحد من هذه التغيرات الضرورية دليلًا على دنو شمس الإمبراطورية الأمريكية من الغروب، ولكنها بلغة القدماء أبطأ مما كنا نظن!".

    وقال جون ديوتي -الفيلسوف الأمريكي المشهور-: "إن الحضارة التي ستسمح للعلم بتحطيم القِيَم المتعارف عليها، ولا تثق بقوة هذا العلم في خلق قِيَم حديثة؛ لهي حضارة تدمِّر نفسها بنفسها".


    وقال الأستاذ (جود) الإنجليزي: "قال لي فيلسوف هندي -عن الحضارة والتطور الغربي- بانتقاده اللاذع لعجائب حضارتنا: نعم، إنكم تقدرون أن تطيروا في الهواء كالطيور، وتسبحوا في الماء كالسمك، ولكنكم إلى الآن لا تعرفون كيف تمشون على الأرض!".

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (3)

    مبشرات من قصص الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-









    كتبه/ أحمد فريد

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فإن الدارس لقصص الأنبياء، والقصص القرآني عمومًا، يقف على حقيقة ثابتة، وهي: أن العاقبة للمتقين؛ لما انهزم المسلمون في غزوة "أُحُد"؛ لأنهم خالفوا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عزاهم الله -عز وجل- بقوله: (*قَدْ *خَلَتْ *مِنْ *قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (آل عمران: 137)، أي: أن ما حدث بأحد لا يمكن أن يكون نهاية الصراع بين المؤمنين والمكذبين؛ لأن العاقبة للمتقين، ولما سأل هرقلُ أبا سفيان بن حرب عن حرب قريش لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "سجال ينتصر علينا وننتصر عليه، قال: كذلك الرسل، ثم تكون لهم العاقبة".

    فقصة الصراع بين الحق والباطل واحدة مع اختلاف الأزمنة والأمكنة، ولا يمكن أن يسلِّم اللهُ -عز وجل- أولياءه لأعدائه حتى يقضوا عليهم قضاءً نهائيًّا، فيزيلون عينهم وأثرهم، ولكن لا بد أن تبقى منهم بقيةٌ تكون لهم العاقبة؛ لأن الله -عز وجل- كتب على نفسه أن ينتصر هو ورسله، وأتباعهم من المؤمنين.

    فدارسة القصص القرآني تزيد المؤمنين إيمانًا واستبشارًا بوعد الله -عز وجل- وبنصر الله -عز وجل-، قال -تعالى-: (*وَكُلًّا *نَقُصُّ *عَلَيْكَ *مِنْ *أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود: 120)؛ لذا كان مما يميز القران المكي اشتماله على القصص قال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ *كَانَ *عَاقِبَةُ *الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ . ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ) (الروم: 9-10).

    فهذا نوح -عليه السلام- مَكَثَ في قومه يدعوهم الي الله -عز وجل- ألف سنة إلا خمسين عامًا؛ دعاهم سرًّا وجهارًا، ليلًا ونهارًا، وما دعا عليهم حتى أوحى الله -عز وجل- إليه أنه لن يؤمن مِن قومك إلا من قد آمن، فقال: (لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا . إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا *فَاجِرًا *كَفَّارًا) (نوح: 26-27)، ودعا ربه: (أَنِّي *مَغْلُوبٌ *فَانْتَصِرْ) (القمر: ??).

    ففتح الله -عز وجل- أبوابَ السماء بماء منهمر، وفجَّر الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قُدِر، وأنجى الله -عز وجل- نوحًا ومَن معه مِن المؤمنين، وأهلك الكافرين والمكذبين، وجعل ذريته، إكرامًا له هم الباقين، فصار نوحٌ أبا البشرية الثاني بعد أبيهم آدم، وأرسل الله -عز وجل- على ثمود -قوم صالح- الصيحة التي قطعت قلوبهم في أجوافهم، وزلزل الأرض مِن تحتهم، وأرسل على عاد -وكانوا عمالقة ينحتون من الجبال بيوتا- ريحًا صرصرًا عاتية شديدة الهبوب، ولها صوت يخلع القلوب، سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، فكانت الريح تحمل الواحد منهم إلى السماء، ثم تقذفه على الأرض، فينكسر رأسه، فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل تري لهم من باقية؟!

    وأرسل إلى قرى اللوطية جبريل -عليه السلام- فحمل قرى اللوطية على طرف جناحه، ورفعها إلى السماء، ثم جعل عاليها سافلها، وأمطرهم الله -عز وجل- بحجارة من سجيل، مسومة عند ربك للمسرفين، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد، وأغرق فرعون وجنوده، وأرسلت أرواحهم إلى النار، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق، وخسف بقارون وداره وماله.

    ويظهر في القصص القرآني صدق وعد الله -عز وجل- للمؤمنين، فمِن ذلك معية الله -عز وجل- قال -تعالى-: (إِنَّنِي مَعَكُمَا *أَسْمَعُ *وَأَرَى) (طه: ??)، وكذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر في الغار: ?*لَا *تَحْزَنْ *إِنَّ *اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة:??)، فمَن كان الله معه فممَّن يخاف، ومَن كان عليه فمَن يرجو!

    ومعية الله -عز وجل- ليست للأنبياء وحدهم، وإنما هي معية للمؤمنين في كلِّ زمان ومكان، فمَن كان مع الله -عز وجل- يرفع رايته، ويعلي كلمته، وينصر دينه، كان الله -عز وجل- معه، بالتسديد والتوفيق والنصرة، فهذه معية الأنس.

    كان أبو جهل قبل معركة بدر يأمل في النصر، وكان يدعو الله -عز وجل- فيقول: "اللهم مَن كان اقطعنا للرحم فأحنه الليلة"، أي: اهزمه، فكان يظن لأنه أبو جهل أنه أوصل للرحم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزل قوله -تعالى-: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ *وَلَنْ *تُغْنِيَ *عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: 19)، والاستفتاح هو: طلب الحكم بنصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنين ودحر المشركين، وما تغني كثرة المشركين، مع معية الله -عز وجل- للمؤمنين، قال -تعالى-: (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا *وَلَوْ *كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال: 19).


    ويظهر كذلك بدراسة القصص القرآني: دفاع الله -عز وجل- عن المؤمنين، كما قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ *يُدَافِعُ *عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج: 38)، وقال في الحديث القدسي: (*مَنْ *عَادَى *لِي *وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) (رواه البخاري).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (4)

    مبشِّرات من سيرة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام-









    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فالدارس لسيرة نبينا -صلى الله عليه وسلم- يزداد يقينًا بنصر الله -عز وجل-، وثقة بوعده، ففي غزوة "بدر الكبرى"، كان عدد المسلمين ثلاثمائة وسبعة عشر رجلًا، ولم يكن معهم إلا فَرَسَان، وسبعون بعيرًا، وكان عدد المشركين يفوق الألف، ومعهم مائتي فرس، وعدد من الجمال، فكانوا ينحرون في اليوم الواحد من تسعة إلى عشرة، ومع ذلك نصر الله -عز وجل- المؤمنين نصرًا مؤزرًا، كما قال -تعالى-: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ *بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران:123).

    فنصرهم الله -عز وجل- بأسباب لم تخطر على بالهم، رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- المشركين في منامه قليلًا، كما قال -تعالى-: (*إِذْ *يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُ مْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الأنفال:??).

    ولما التقى الجمعان رأى المسلمون المشركين قليلًا، ورأى المشركون المسلمين قليلًا، حتى يغري كل طائفة الأخرى، كما قال -تعالى-: (وَإِذْ *يُرِيكُمُوهُمْ *إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (الأنفال:??).

    ولما أغرى الله -عز وجل- كل طائفة بالأخرى، صار المشركون وهم ثلاثة أضعاف المسلمين يرون المسلمين ضعفهم، كما قال -تعالى-: (*قَدْ *كَانَ *لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) (آل عمران:??).

    وليلة المعركة أرسل على المشركين مطرًا شديدًا جعلهم لا يستطيعون التحرك من أماكنهم، وأرسل على المسلمين مطرًا خفيفًا طهَّرهم به، وأنعش جوارحهم، وثبَّت الأرض من تحتهم، كما قال -تعالى-: (*إِذْ *يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (الأنفال:??).

    ومن ذلك: أن الله -عز وجل- أوحى إلى ملائكته أن يثبتوا الذين آمنوا، وألقى الله -عز وجل- الرعبَ في قلوب الكافرين، كما قال -تعالى-: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ *بَنَانٍ) (الأنفال:??).

    ومن ذلك: نزول الملائكة تقاتل مع المسلمين، كما قال -تعالى-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ *مُرْدِفِينَ) (الأنفال: 9).

    فإذا أخذ المسلمون بأسباب النصر، كما قال -تعالى-: (*وَأَعِدُّوا *لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال:??)، وإن كانت هذه القوة غير كافية، وتوكلوا على الله -عز وجل-، وكفي بالله وكيلًا، أمدهم الله -عز وجل- بأسباب لم تخطر على بالهم، (*وَمَا *النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: ??).

    وفي غزوة الأحزاب: لما اجتمع عشرة آلاف من الأحزاب الكافرة، وحاصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانوا بين جبل احد وبين الخندق، وغدرت يهود بني قريظة، وكان فيهم سبعمائة مقاتل، وكان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة آلاف، وكانوا بين الخندق وجبل سلع إلى المدينة، وكان الأمر كما وصفه الله -عز وجل- أبلغ وصف في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا *عَلَيْهِمْ *رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا . إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (الأحزاب: 9-11).

    وذهبت الظنونُ الكاذبة بالمنافقين، والذين في قلوبهم مرض كل مذهب، وقالوا: (*مَا *وَعَدَنَا *اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب:??)، وقالوا: "محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يعدنا بكنوز كسري قيصر، وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته!".

    ولكنَّ المؤمنين الصادقين كان لهم مقالة غير مقالة المنافقين، سجَّلها الله -عز وجل- لهم في نفس السورة، فقال -تعالى-: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ *وَصَدَقَ *اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب:??).

    وبشَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بقصور كسرى، وقيصر، واليمن، والشام، وصدق الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد فتح المسلمون هذه البلاد.

    ولما اشتد الأمر على المسلمين، واجتمعت عليهم شدة الخوف، مع شدة الجوع، مع شدة البرد، لجأ النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ربه وقال: (اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، *وَمُجْرِيَ *السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ) (متفق عليه)، فأرسل الله -عز وجل- ملائكة تزلزل قلوبهم، وريحًا يخلع خيامهم، وتكفأ قدورهم، وأزاحهم الله -عز وجل- عن مدينة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

    ومن أعلام النبوة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بعد أن أجلاهم الله -عز وجل- عن مدينته: (الْآنَ *نَغْزُوهُمْ *وَلَا يَغْزُونَنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ) (رواه البخاري).

    فكيف نصر الله -عز وجل- المسلمين في بدر والأحزاب مع قلة الأسباب، وكيف أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- دولة المدينة المنورة بعد ثلاثة عشر عاما من البعثة النبوية، وهذه المدة كأنها كاللحظات من عمر الأمم والشعوب؟!

    ثم فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة المكرمة بعد ثماني سنوات من الهجرة، وفتح الخلفاء الراشدون، وملوك بني أمية، وبنو العباس البلاد حتى دقَّ المسلمون أبواب فيينا، وأوروبا، ووصلوا إلى حدود الصين، وقضوا على أعظم الإمبراطوريات في زمانهم: الإمبراطورية الفارسية، والرومانية.


    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معارك حاسمة في تاريخ الإسلام (5)

    مبشِّرات من سيرة نبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام

    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربي أصحابه من أول يوم على التفاؤل، وحسن الظن؛ فقد كانوا يعذبون في ربوع مكة قبل الهجرة، ومع ذلك يعتقدون أن الإسلام لا بد أن ينتصر، وترتفع رايته، ويصير المسلمون ملوك الدنيا وحكام العالم، حتى كان المنافقون والذين في قلوبهم مرض يتهمون الصحابة بالغرو، قال -تعالى-: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ *غَرَّ *هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال:??).

    عن خباب ابن الأرت -رضي الله عنه- قال: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلَا تَدْعُو اللهَ لَنَا؟ قَالَ: (كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ *وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).

    قال الشيخ الغزالي -رحمه الله-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبث عناصر الثقة في قلوب رجاله، ويفيض عليهم مما أفاضه الله على فؤاده من أمل رحيب في انتصار الإسلام، وانتشار مبادئه، وزواله سلطان الطغاة أمام طلائعه المظفرة في المشارق والمغارب، وقد اتخذ المستهزئون من هذه الثقة عادة لسخريتهم وضحكهم، كان الأسود بن عبد المطلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغامزون بهم ويقولون: قد جاءكم ملوك الأرض الذين سيغلبون غدًا ملوك كسري وقيصر ثم يصفرون ويصفقون!".

    وقال صفي الدين المبار كفوري: "كان المسلمون يعرفون من أول يوم لاقوا فيه الشدة والاضطهاد -بل ومن قبله-: أن الدخول في الإسلام ليس معناه جر المصائب والحتوف، بل إن الدعوة الإسلامية تهدف منذ أول يومها إلى القضاء على الجاهلية والجهلاء، ونظامهم الغاشم، وأن أهدافها بسط النفوذ على الأرض، والسيطرة على الموقف السياسي في العالم؛ لتقوده الأمة الإسلامية إلى مرضاه الله، وإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله -عز وجل-، وكان القرآن ينزل بهذه البشارات مرة بالتضرع، وأخرى بالكناية، ففي تلك الفترات القاسية التي ضاقت الأرض على المسلمين وكادت تخنقهم وتقضي على حياتهم، كانت تنزل الآيات بما جَرَى بين الأنبياء السابقين وبين أقوامهم الذين قاموا بتكذيبهم والكفر بهم، وكانت تشتمل الآيات على ذكر الأحوال التي تطابق تمامًا أحوال مسلمي مكة وكفارهم، ثم تذكر هذه الآيات بما تحقق عنه تلك الأحوال من إهلاك الكفرة والظالمين، وإيراث عباد الله الصالحين الأرض والديار، فكانت هذه القصص إشارات واضحة إلى فشل أهل مكة في المستقبل مع نجاح الدعوة الإسلامية".

    وفي هذه الفترات نزلت آيات تصرِّح ببشارة غلبة المؤمنين: قال الله -تعالى-: (*وَلَقَدْ *سَبَقَتْ *كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ . فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ . وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ .) أَفَبِعَذَابِنَ ا يَسْتَعْجِلُونَ . فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) (الصافات:171-177).

    وقال: (*سَيُهْزَمُ *الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر:??)، وقال -تعالى-: (*جُنْدٌ *مَا *هُنَالِكَ *مَهْزُومٌ *مِنَ *الْأَحْزَابِ) (ص:??).

    ونزلت في الذين هاجروا إلى الحبشة: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ *بَعْدِ *مَا *ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّه ُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (النحل:??).

    وحينما كانت الحرب مشتعلة بين الفرس والرومان، وكان الكفار يحبون غلبة الفرس بصفتهم مشركين، والمسلمون يحبون غلبة الرومان بصفتهم مؤمنين بالله والرسل والوحي والكتب، واليوم الآخر، وكانت الغلبة للفرس، أنزل الله بشارة غلبة الروم في بضع سنين، ولكنه لم يقتصر على هذه البشارة الواحدة، بل صرَّح بإشارة أخرى، وهي نصر المؤمنين، حيث قال: (وَيَوْمَئِذٍ *يَفْرَحُ *الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:4-5).


    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معارك حاسمة (6)

    مبشِّرات من الواقع والإحصائيات









    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    قال بعض الدُّعَاة:

    إن قضيةَ العالم الكبري اليوم هي الإسلام، وهذا مِن أوضح الأدلة على عظم شأن الإسلام، فقبل أربعين سنة لم يكن بالإمكان أن يجتمع رئيسا دولتين في العالم دون أن يناقشا موضوع الشيوعية، واليوم لا يجتمع رئيسا دولتين إلا ويكون الحديث بينهما عن الإسلام؛ سموه الإرهاب، أو سموه باسمه.

    وهذه قضية رغم ما يكتنفها تدعو إلى التفاؤل؛ فلو لم يكن لهذه الدِّين شأن لما تحدَّثوا عنه، ونحن نتفاءل؛ لأن القضية الكبري في حياه العالم اليوم هي قضية الإسلام، والبحث يقود الناس للدخول فيه أفواجًا.

    ففي أمريكا دخل في الإسلام في سنة واحدة، بعد أن شنوا حملتهم، عدد ما دخلوا خلال عشرة أعوام، بل نفدت جميع المطبوعات في أمريكا التي تتحدث عن الإسلام حديثًا، بالحق أو الباطل.

    وقبل ثلاث سنوات كان يشق على المسلمين في أمريكا -كما حدثني بعض قادة العمل الإسلامي- أن يستأجروا ربع ساعة في بعض القنوات الضخمة، أما اليوم فالقنوات الأمريكية، وكبرى الصحف الأمريكية تتحدث عن الإسلام، وإن كان حديثهم يصب في الحملة الشرسة ضد الإسلام، ولكن العقلاء يبحثون، وبسبب البحث يُسلِم المئات، فالمستقبل بإذن الله للإسلام.

    وإليكم هذه القصة العجيبة:

    ذهب بعض الإخوان في إفريقيا في حملة دعوية، فقيل لهم: لا يمكن أن تتجولوا في هذه البلد إلا بإذنٍ مِن أحد المسئولين، فذهبوا إليه، فإذا هو نصراني وكان مسئولًا كبيرًا في تلك الدولة، فقدَّموا إليه خطابًا يطلبون منه أن يتيح لهم المجال للدعوة، فقال ذلك المسئول: ائتوني غدًا، فلما جاءوا في الغد، أعطاهم خطابًا بالموافقة، ومعه شيك بمبلغ من الدولارات، فقالوا له: فهمنا الموافقة؛ لأننا طلبناها منك، لكن ما سر هذا الشيك؟!

    قال: إعانة لكم؛ لأنني على يقين أن المستقبل للإسلام، فأردتُ أن يكون لي عندكم يدًا بهذا.

    وهذه جملة من الإحصائيات تشير إلى انتشار الإسلام في العالم:

    1- تقول الإحصائيات الرسمية في ألمانيا: أنه خلال (2006-2008) يدخل مسلم جديد إلى الإسلام في كلِّ ساعتين، وهذه إحصائية الحكومة الرسمية، أما إحصائيات المراكز الإسلامية، فالعدد يفوق ذلك بكثير.

    2- يقول أستاذ الجغرافيا الاجتماعية بجامعة أكسفورد (سيرتي بيتش): يتضاعف عدد المسلمين بحلول (2015)، بينما سينخفض عدد غير المسلمين بنسبة 3.5%، وهو ما دفع بعض المراقبين لحركة الإسلام في أوروبا أن يقول: "عدد المسلمين فاق عدد الكاثوليك، ليصير أتباع الإسلام الأكثر في العالم، للمرة الأولى في التاريخ لم نعد في القمة!".

    3- وفي دراسة أعدَّتها وزارة الداخلية الفرنسية، تقول: إن أكثر من 3600 فرنسي يعتنقون الإسلام سنويًّا.

    وأكدت الدراسة: أن المسلمين الفرنسيين أكثر التزامًا، وتندر الجريمة في أوساطهم، ولقد أصبح الإسلام الدين الثاني بعد المسيحية في فرنسا، وهناك توقعات بأن يمثِّل المسلمون ربع سكان فرنسا.

    4- أكَّدت دراسة لصحيفة (لا ليبر بلجيك) أن ثُلُثَ سكان بروكسل الآن مسلمون.

    5- أكدت صحيفة (البوليتيكن الدنماركية): أن عدد الدنماركيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي يتزايد يومًا بعد آخر، وأن مواطنًا دنماركيًّا واحدًا -على الأقل- يختار اعتناق الدين الإسلامي يوميًّا، كما أن عدد الذين تحولوا إلى الإسلام، منذ نشر الرسوم المسيئة للنبي -صلى الله عليه وسلم- تجاوز (5000) دنماركي.

    6- ألغت بريطانيا مصطلح الإرهاب الإسلامي، والإشارة إليه كإرهاب عنيف، وعدلت قوانين الإرث بناءً على اعترافها بتعدد الزوجات، ويبدو أن الشريعة الإسلامية قد جذبت الكثيرين في بريطانيا؛ الأمر الذي تؤكده دعوة (روان ويليامز) كبير أساقفة كانتري بري إلى تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية في بريطانيا، معتبرًا أن الأمر لا يمكن تجنبه قائلًا في حديث له مع إذاعة الـ b. B cفي فبراير (2008): إن تطبيق الشريعة الإسلامية أمر لا مفر منه، لتماسك المجتمع البريطاني.

    يبلغ عدد المسلمين في روسيا (33 مليون) مسلم، أي: ما يمِّثل 20% من عدد السكان.

    وتتوقع مجلة (أكونوميست)البري طانية أن يمثِّل المسلمون غالبية أفراد القوات المسلحة الروسية بعد ستة أعوام.

    وفي شهر يوليو عام (2008) نشرت جريدة (برافدا) الروسية مقالًا بعنوان: الإسلام سيكون دين روسيا الأول مع حلول عام (2050)!


    وهكذا نجد أن هذا الدِّين الذي ما زال أعداؤه يكيدون له المكائد، ويدبِّرون من أجل القضاء عليه المؤامرات، فيجيشون الجيوش، وينفقون الملايين، بل والمليارات - هذا الدين نفسه يغزوهم في عقر دارهم، دون دعوةٍ أو جهدٍ يُبذل؛ لوضوحه وقوته، وموافقته الحق الذي أودعه الله -تعالى- في الفطرة السليمة.

    وهذه الإحصائيات الصادرة من جهات رسمية تمثِّل حكومات دولها، إنما تدل على إظهار دين الله -تعالى- كله كما وعد الله -سبحانه-، وهو -عز وجل- ناجز وعده لا محالة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام

    معارك حاسمة (7)

    معركة القادسية (١)



    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    بين يدي معركة القادسية:

    التاريخ سجل الشعوب.

    التاريخ يصنعه العظماء.

    التاريخ دروس وعبر للأجيال.

    التاريخ ليس مجرد أحداث عبرت، ومعارك أدبرت، وجيوش منتصرة وأخرى منهزمة وممالك تقام، وأخرى تهدم، وحضارات تُبنى وأخرى تباد.

    التاريخ روح، ومن أدرك كنهها، وعاش خصائصها، وفك رموزها وحذق أسرارها وأبعادها، يكون مهيأ لدخول عالمها؛ ليصبح جزءًا منها.

    التاريخ صور ... تستجلى من خلالها تلك الروح الكامنة فيه، التاريخ نهرنا العذب، مياهه لا تبدل، ولا تكل عند المسير إلى المصب، نعود إليه كلما اشتد علينا العطش.

    حرصا على إحياء روح الأمل والتفاؤل لهذه الأمة، وبعد أن بينتُ ذلك في رسالتي: "المستقبل للإسلام"، أحببت أن أشارك بقلمي، وأدلي بهذه الرسالة في بيان تاريخ الأمة المشرق التي نتشرف بالنسبة إليها، أردت بهذه الرسالة (معركة القادسية) وما يتبعها -إن شاء الله تعالى- أن نعرف نفوسنا حتى نرفع رؤوسنا.

    في حرب أمريكا للعراق استعانت أمريكا بخمسين دولة تقريبًا للتحالف معها لضرب العراق، وكذا التحالف للقضاء على فكر الخوارج المنحرف، ولكن دولة الإسلام كانت تقاتل الفرس والروم في آنٍ واحدٍ، وتحقق أعظم الانتصارات بقليلٍ مِن العدد، والعدد بقوة إيمانهم وصبرهم، بحبهم لدينهم ولآخرتهم.

    ففي القادسية قاتل 40.000 من المسلمين 120.000 من الفرس، وفي اليرموك وهي قريبة منها في الزمن قاتل 24.000 من المسلمين 200.000 من الروم، وقيل لخالد بن الوليد في معركة اليرموك: "ما أكثر الروم! فقال: ما أقلهم! إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان، لا بعدد الرجال".

    أما المعدات: فكانت الفرس والروم تستخدم أحدث المعدات، فكانت الفرس تستعين بالفيلة المدربة على المعارك، وكانت الخيل تخاف وتنفر منها، ففي القادسية شارك (33) فيلًا ضخمًا في المعركة، ولكن المسلمين بتوفيق الله -عز وجل- لهم، استطاعوا الانتصار عليهم (*وَمَا *النَّصْرُ *إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (آل عمران:126)، وكان خالد بن الوليد يقول: "أتيتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة!".

    كان الخليفة الأول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يقول: "لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد".

    وكان يقول: "لا يُهزَم جيش فيه القعقاع بن عمرو".

    وكما أجلى الله -عز وجل- الأحزاب عن مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالريح التي تخلع خيامهم وتكفأ قدورهم، هبَّت ريح شديدة فرفعت خيام الفرس عن أماكنها، وألقت سرير رستم، فركب بغلته وهرب؛ فأدركه المسلمون فقتلوه، وقتلوا الجالينوس مقدِّم طلائع القادسية، ووصل المسلمون إلى المدائن وإلى قصرها الأبيض الذي بشَّر بفتحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب، وفرَّ ملكهم يزدجرد إلى حلوان.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام

    معارك حاسمة (8)

    بين يدي معركة القادسية






    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فدولة الفرس كانت من الإمبراطوريات العظمى، وكان الإسكندر المقدوني فَرَّق شمل دولتهم، لكنهم أعادوا مجدهم على يد ملكهم أردشير بن بابك، فأقام دولة المدائن أو كما يطلق عليها العرب: (دولة الأكاسرة).

    وكان الصراع بين الإمبراطوريتين: الفارسية والرومانية سجالًا، وقد عرض القرآن الكريم هذا الصراع وبشَّر بنهايته، واستبق نتائجه بهدف حثِّ الناس على الإيمان والتصديق بما أنزل من السماء، قال -تعالى-: "الم . غلبت الروم . في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون" (الروم).

    وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بَعَث إلى كسرى أبرويز ملك الفرس يدعوه إلى الإسلام، فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-، إلى كسرى عظيم فارس، سلام على مَن اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أدعوك بدعوة الإسلام، فإني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيًّا، ويحق القول على الكافرين، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس".

    وكان جواب كسرى الغضب الشديد، وتمزيق الرسالة؛ لأنه لم يعتد على هذه اللهجة، وخاصة من العرب، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه أن يُمزَّق ملكه.

    وقبل معركة القادسية أرسل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- رسالة إلى يزدجرد ملك الفرس بأمر الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: "أيها الملك إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولًا يدلنا على الخير، ويأمرنا به، ثم أمرنا أن نبدأ بمَن يلينا مِن الأمم فندعوهم إلى الإنصاف، ونحن ندعوكم إلى ديننا، فإن أبيتم فالجزية، فإن أبيتم فالقتال بيننا وبينكم، فقال يزدجرد: إني والله لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددًا منكم، فقد كنا نوكل بكم قرى الضواحي فيكفوننا غاراتكم، فإن كان غرور لحقكم فلا يغرنكم ذلك منا، وإن كان الفقر والجوع دعاكم، فرضنا لكم قوتًا يكفيكم، وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم، وملكنا عليكم ملكًا يترفق بكم".

    وكان مِن أحداث معركة القادسية ما كتبه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ومَن معه من الأجناد: "فإني آمرك ومَن معك مِن الأجناد بتقوى الله على كلِّ حال، فإن تقوى الله أفضل العدة، وأقوى المكيدة في الحرب.

    وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم مِن عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، فإن عددنا ليس كعددهم، وإلا ننصر عليهم لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله، ولا تقولوا: إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولًا. اسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم.

    وترفَّق بالمسلمين في سيرهم، ولا تجشمهم سيرًا يتعبهم، ولا نقصر بهم عن منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوهم، والسفر لم ينقص قوتهم، فانهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع، وأقم بمَن معك في كل جمعة يومًا وليلة حتى تكون لهم راحة يجمون فيها أنفسهم، ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم، ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها مِن أصحابك إلا مَن تثق بدينه، ولا يرزأ أحدًا من أهلها شيئًا، فإن لهم حرمة وذمة، ابتليتم بالوفاء بها كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم فنولوهم خيرًا، ولا تستنصروا على أهل الحرب بظلم أهل الصلح.

    وإذا وطأت أرض العدو فأذك العيون بينك وبينهم، ولا يخفى عليك أمرهم، وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر الطلائع، وتبث السرايا بينك وبينهم، فتقطع السرايا أمدادهم ومرافقهم، وتتبع الطلائع عوراتهم.

    وانتقِ الطلائع أهل الرأي والبأس من أصحابك، وتخير لهم سوابق الخيل، فإن لقوا كان أول مَن تلقاهم القوة من رأيك، واجعل أمر السرايا إلى أهل الجهاد والصبر على الجلاد، ولا تخص بها أحدًا بهوى، فتضيع مِن رأيك وأمرك أكثر مما حابيت به أهل خاصتك.

    ولا تبعث طليعة ولا سرية في وجهٍ تتخوف فيه غيلة أو صنيعة ونكاية، فإذا عاينت العدو فاضمم إليك أقاصيك وطلائعك وسراياك، وأجمع إليك مكيدتك وقوتك، وتعرف الأرض كلها كمعرفتك أهلها، فتصنع بعدوك كصنعه بك، ثم أذك أحراسك على عسكرك، وتيقظ من البيات جهدك، ولا تمر بأسير ليس له عهد إلا ضربت عنقه لترهب به عدو الله وعدوك.


    والله ولي أمرك ومَن معك، وولي النصر لكم على عدوكم، والله المستعان".

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معارك حاسمة (9)

    أحداث معركة القادسية









    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد وصل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أرض العراق، وعسكر بالقرب من القادسية جنوب العراق، وانتظر طويلًا قدوم جيش الفرس، ولكن العجيب في الأمر أن أحدًا من الفرس لم يتقدم لقتاله! بل إن الأعجب من ذلك أنه لم يرَ فارسيًّا واحدًا في تلك المنطقة!

    وفي هذه الأثناء كان إمبراطور الفرس يزدجرد الثالث قد جَمَع جيشًا عرمرمًا تجاوز المائتي ألف مقاتل لقتال المسلمين، وأمد هذا الجيش بثلاثة وثلاثين فيلًا، وقرر يزدجرد أن يستدعي أعظم قائد عرفته الإمبراطورية الفارسية على الإطلاق لكي يتولى قيادة هذا الجيش بنفسه، وكان اسم هذا القائد هو: "رستم فرخ زاده"، وقد كان كبير أمراء الحرب لدى الفرس، وكان ذِكْر اسمه فقط يرعب قادة الروم، أعداء الفرس التاريخيين؛ إلا أن رستم فرخ زاده هذا تحوَّل كالفرخ المرعوب حينما علم بأمر اختيار يزدجرد له لقتال جيش العرب المسلمين، وحاول أن يعتذر بحجج واهية.

    وأشار على يزدجرد أن يكلِّف مكانه قائدًا آخر اسمه جالينوس على أن يبقى هو في المدائن عاصمة الفرس لحمايتها؛ إلا أن يزدجرد أصرَّ أن يقود رستم الجيش بنفسه، فما كان من رستم في نهاية الأمر إلا الإذعان، ولكنه حاول أن يلتف على أمر كسرى بأن يتجنب قتال المسلمين بطريقة خبيثة، فتعمد أن يطيل أمد إعداد جيشه لفترة طويلة أملًا برجوع المسلمين عن قتاله، فطاول رستم سعدًا في اللقاء حتى كان بين خروجه من المدائن وملتقاه بسعد بالقادسية أربعة أشهر.

    كل ذلك لعله يضجر ومَن معه ليرجعوا، ولولا أن الملك استعجله ما التقاه، والحقيقة: إن سبب خوف رستم كان أنه كرجل عسكري يدرك تمام الإدراك أنه لم يكن يحارب مقاتلين عاديين، فلا عساكر إمبراطورية بيزنطة العظيمة، ولا فرسان الإغريق الأشداء، ولا أيًّا مِن الجنود الذين خبرهم في القتال يشبهون أولئك العرب المسلمين! فهو كقائد عسكري محنك يعرف مدى صلابة العرب المسلمين الذين أذاقوهم ويلات الهزائم المتتابعة في الأشهر القليلة الماضية على أيدي جيوش خالد بن الوليد، والمثنى بن حارثة الشيباني رضي الله عنهما.

    وقد زاد من رعب رستم رؤيا عجيبة رآها، وهو يعسكر بالقرب من جيش سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام

    معارك حاسمة (10)

    أحداث معركة القادسية






    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد رأى رستم في منامه أنه ينزل عليه مَلَك من السماء، ثم يدخل المعسكر ويأخذ أسلحة الجيش، ويختم عليها ختمًا، ويعطيها لرجل لا يعرفه، ليسأل بعدها رستم: مَن هذا الرجل؟ فيقال له: إنه محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذ هذا الرجل بدوره السلاح ويعطيه لرجل آخر، فيقول رستم: "مَن هذا الرجل؟ فيقال لرستم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيأخذ هذا الرجل السلاح فيعطيه لرجل ثالث. فيقول رستم: من هذا الرجل؟ فيقال: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه!


    فما إن استيقظ رستم عن نومه حتى تمكّن الرعب من قلبه المرعوب أصلًا، فاخذ على نفسه عهدًا أن يبذل أقصى ما لديه لكي يتجنب قتال العرب المسلمين، ولذلك طلب من جيش العرب المسلمين أن يبعثوا إليه بأناسٍ يفاوضونه، عله يستطيع أن يردهم عن طريق المفاوضات، لكي يتجنب الهزيمة التي كان هو بالذات يدرك أنها محققة!

    بعد أن طلب رستم مفاوضة المسلمين اختار سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه نفرًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفاوضوا مع رستم، وأصحابه هم أدرى الناس بطريقة التعامل مع علوج الفرس، ولعل حقد الروافض الشيعة من الفرس وأذنابهم على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا، إنما هو نابع في الأساس من الضربات الموجعة التي وجهها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لشرف الأمة المجوسية، وسيظهر ذلك جليًّا في أسلوب اللغة التي استخدمها رسل المسلمين العرب أمام رمز الإمبراطورية الفارسية رستم فرخ زاد.

    وقرر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يرسل وفدًا من عدة رجال للتفاوض مع رستم؛ إلا أن صحابيًّا جليلًا كان له رأي آخر، فقد رأى ذلك الصحابي أنه إذا بَعَث المسلمون بوفدٍ كبيرٍ للفرس المجوس، فإن هذا سيبدو كأن شيئًا من التعظيم لهم، وأولئك القوم لا ينفع معهم إلا إهانة كرامتهم وإذلال شرفهم، وطلب من سعد رضي الله عنه أن يرسله وحده للتفاوض مع رستم، فوافق سعد رضي الله عنه على طلب هذا الصحابي الجليل ليسطر اسمه بحروف من ذهب في سجل الغرة والكرامة بتلك المقابلة التاريخية التي لقيَ فيها الفرسُ المجوس درسًا قاسيًا من دروس أصحاب محمدٍ صلى آلله عليه وسلم في فنِّ التعامل مع الكفرة الفجرة؛ لقد كان اسم ذلك الصحابي الجليل هو ربعي عامر رضي الله عنه، وهو من كبار قبيلة تميم العربية، وما أدراك مَن تميم!

    فركب هذا الصحابي الجليل على فرسه الصغير ذي الذيل الصغير، وذهب به لمقابلة رستم، وقد ربط سيفه في وسطه بشيء غنمه من الفرس في إحدى معاركه؛ إمعانًا باحتقارهم.

    وعبر القنطرة التي كانت تفصل بين المعسكرين، ووصل بفرسه إلى خيمه رستم، فطلب منه الفرس أن ينزل سلاحه ليقابل قائدهم، فقال ربعي رضي الله عنه بكل عزة وكرامة وهو راكب على فرسه لم ينزل منها بعد: "لن أنزع سلاحي، وأنتم الذين دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أحب وإلا رجعتُ"، فأخبروا رستم بذلك فقال لهم والغيظ يملأ قلبه: "اسمحوا له بالدخول"، فدخل ربعي بن عامر رضي الله عنه بفرسه على البسط الفارسية الممتدة أمامه، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد الموشاة بالذهب، وقد ظن الفرس أن باستطاعتهم إبهار أولئك العرب البدو بزيف حضارتهم الواهية، فما كان من ربعي إلا أن تناول إحدى تلك الوسائد الذهبية ليقطعها أمام جند فارس ويحولها إلى مربط يربط به لجام فرسه الهزيلة!


    وللحديث بقية إن شاء الله.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام

    معارك حاسمة (11)

    كتبه/ أحمد فريد

    أحداث معركة القادسية



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    لم يكتفِ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القَدْر من إذلال مرازبة فارس، بل تناول رمحه واتجه صوب أسطورة الفرس العسكرية رستم، وهو يتكئ على رمحه، والرمح يدب في البسط الفارسية المزخرفة فيقطعها من خلفه، فلم يترك بساطًا في طريقه إلا قطعه!

    ووقف أهل فارس في صمت عجبًا من ثقة هذا العربي الذي يحتقرهم في عقر دارهم، وكأنه يريد أن يوجِّه رسالة عابره للتاريخ للمسلمين من بعده: لا تجعلوا زخارف الحضارة الدنيوية المزيفة تنال من ذرة كرامة في ثقتكم بأنفسكم كمسلمين، فالله أعزكم بأعظم نعمة في الوجود، نعمة الإسلام، فأنتم الأعزة، ومن دونكم هم الأذلة، نظر رستم إلى هذا العربي بتعجب، وقال له: ما جاءكم؟ فأجابه ربعي بن عامر رضي الله عنه بكلمات صارت تتناقل من جيل لآخر: لقد ابتعثنا الله لنخرج مَن شاء مِن العباد مِن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قبل ذلك منا قبلنا منه، ومَن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر، فقال له رستم محاولًا النيل من ثقة ربعي رضي الله عنه: قد تموتون قبل ذلك، فأجابه ربعي بكل ثقة: وعدنا الله عز وجل الجنة لمَن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا، فقال له رستم محاولًا استعطافه: فهل لك حتى نأخذ الرأي من قادتنا وأهلنا؟

    فقال له ربعي بكل استخفاف: نعم أعطيك، كم تحب: يومًا أو يومين؟

    قال رستم مستعطفًا ربعي بن عامر: أعطني أكثر.

    فقال له صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنَّ لنا ألا نمكن أذاننا من الأعداء، وألا نؤخرهم عند اللقاء أكثر من ثلاث، وإلا حاربناك في اليوم الرابع.

    ثم انطلق ربعي بن عامر رضي الله عنه إلى فرسه الهزيلة، وجموع الفرس تنظر إليه ليعبر بفرسه تلك القنطرة راجعًا لمعسكر المسلمين، لينظر رستم إلى مستشاريه ويقول لهم.: هل رأيتم قط أعز وأرجح من كلام هذا الرجل؟!

    فقالوا له: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا، تدع دينك إلى هذا الكلب! فنظر إليهم رستم مستهجنًا عليهم تلك النظرة السطحية للأمور، فتعالت أصوات مَن حوله مِن الفرس يتهمونه بالجبن والضعف، فما كان من رستم إلا أن سكت عن الكلام، وأظهر لهم نيته للقتال، ولكنه في قرارة نفسه كان يخفي أمرًا آخر؛ ألا وهو: مفاوضة المسلمين مرة أخرئ، وتقديم المزيد من التنازلات علهم يرجعون إلى صحرائهم؛ لذلك بعث إلى سعد مرة أخرى يريد التفاوض من جديد.

    فبعث له سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هذه المرة بصحابي آخر رسولًا لرستم هو حذيفة بن محصن البارقي الأزدي رضي الله عنه، ولم يكن الرسول هذه المرة كمَن سبقه من قبيلة تميم العدنانية، بل كان من قبيلة الأزد القحطانية الفرع الآخر للعرب، وكان الله عز وجل أراد أن يشترك العرب جميعًا لإذلال الفرس المجوس، ولعل ذلك يكون سببًا رئيسيًّا يفسِّر كره الشيعة الروافض من الفرس وأذنابهم لكل ما هو عربي، فالشيعة في كتبهم يومنون بأن أول شيء سيقوم به مهديهم المزعوم هو إبادة العرب عن بكرة أبيهم، وسيبدأ أول ما يبدأ بقريش قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم! بل إن إمام الشيعة يذكر في كتابه: "بحار الأنوار" بان مهديهم المزعوم سيقتل حين خروجه سبعين قبيلة عربية!

    ولا شك أن حذيفة بن محصن رضي الله عنه أراد أن يحطِّم الرقم القياسي في إهانة الفرس المجوس، وسحق شرف مرازبة فارس، فلم يكتفِ حذيفة بالدخول على معسكر الفرس راكبًا فرسه التي داست فوق البسط المزخرفة، بل ظل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبًا حتى وصل إلى رستم؛ ليس ذلك فحسب، بل اختار هذا الفارس العربي بأن يخاطب قائد إمبراطورية ساسان من فوق فرسه، فقال له رستم: انزل يا عربي، فقال له حذيفة: لا أنزل، أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أحب وإلا رجعت.

    فلم يكن أمام رستم إلا أن يقبل على مضض بهذه الطريقة المهينة التي يعامله بها صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، طريقة ذلك العربي عندما قال له رستم: ما جاء بكم؟ فقال حذيفة: إن الله عز وجل مَنَّ علينا بدينه وأرانا آياته، فعرفناه وكنا له منكرين! ثم أمرنا بدعاء الناس إلى ثلاث، فأيها أجابوا قبلناه: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء (أي: الجزية)، أو المنابذة (أي: الحرب)، فقال له رستم: هل من الممكن أن تعطينا فرصة؟


    فقال له رستم: إذًا تقاتلونا في اليوم الرابع؟

    فقال الأسد العربي حذيفة بن محصن رضي الله عنه بكل عزة وثقة: ثلاثة أيام ليس من اليوم، بل من أمس.

    وللحديث بقية إن شاء الله.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام

    معارك حاسمة (12)



    أحداث معركة القادسية (12)









    كتبه/ أحمد فريد

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    ففي اليوم الثالث طلب رستم التفاوض من جديد؛ مما يدل على خوف رستم واستماتته في محاولة ثني جيش العرب المسلمين عن قتاله، فدخل عليه المغيرة رضي الله عنه لكي يهين الفرس قليلًا بطريقته الخاصة، وعلى الرغم من أن المغيرة رضي الله عنه يتقن الفارسية؛ إلا أنه لم يتكلم معهم إلا بلغته العربية "لغة القرآن"، فدخل عليه المغيرة بن شعبة وقد ترك فرسه بالخارج، ففرح رستم وظن أنه سيحظى بقليل من الاحترام هذه المرة، ولن يكون هذا الرسول كسابقيه من الرسل!


    إلا أن ظن رستم سرعان ما خاب، فقد ظلَّ المغيرة يمشي في مجلس الفرس حتى وصل إلى مكان جلوس رستم، فما كان من المغيرة إلا أن جلس على السرير المذهب الخاص برستم، فتعجب الفرس من صنيعه وحاولوا أن يسحبوه من مكانه؛ إذ إن عنجهية الفرس وعنصريتهم تقصي بأن يقف الجميع بعيدًا على مسافة مِن رستم، وذلك حتى لا يلوثوا الهواء من حول سيدهم!

    فقال لهم المغيرة: والله جلوسي جنب أميركم لم يزدني شرفًا، ولم ينقصه شيئًا، والله يا أهل فارس، إنا كنا تبلغنا عنكم الأحلام (أي: نسمع عنكم أنكم عقلاء)، ولكني أراكم أسفه قوم! والله الآن أدركت أن أمركم مضمحل، وأن أمر الغلبة والملك لا يقوم على مثل ما أنتم عليه.

    فسمع المغيرة رضي الله عنه الحاشية مِن خلفه وهي تقول بالفارسية التي كان يتقنها: والله صدق العربي.

    ثم قال المغيرة لرستم: نحن ندعوك إلى واحدة من ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن أبيت فالسيف.

    فقال له رستم: وكيف يدفع المرء الجزية وهو صاغر؟

    فقال له المغيرة رضي الله عنه: أن يقوم أحدكم على رأس أميرنا فيطلب منه أن يأخذ الجزية، فيحمده أن قبلها، فكن يا رستم عبدًا لنا تعطينا الجزية، فنكف عنك ونمنعك.

    وما إن سمع رستم من المغيرة: "كن عبدًا لنا" حتى جن جنونه، ولم يعد باستطاعته أن يتحمل أكثر من هذا، هذه الإهانات المتكررة من فرسان العرب؛ فاستشاط غضبًا، واحمرت عيناه، وقال للمغيرة: والله ما كنت أظن أن أعيش حتى أسمع هذا الكلام من عربي، ثم حلف بالشمس أن لا يرتفع الصباح حتى يدفنهم في القادسية، ثم قال له: ارجع إلى قومك، لا شيء لكم عندي، وغدًا أدفنكم بالقادسية.

    فرجع المغيرة، وأثناء مروره على القنطرة، أرسل رستم رجلًا يناديه فنظر إليه فقال له: منجم، يقول: إنك تفقأ عينك غدًا (وذلك في محاولة لكسر همة المغيرة وإخافته).

    فتبسم المغيرة رضي الله عنه، وقال لذلك الفارسي: والله لولا أني أحتاج الأخرى لقتال أشباهكم، لتمنيت أن تذهب الأخرى في سبيل الله.

    وبعد هذه المفاوضات التي أذل بها أسود العرب قادة الفرس، جاء الوقت لبدء العملية العسكرية الحاسمة؛ التي سيخلدها التاريخ؛ لكونها جعلت من شيء اسمه الإمبراطورية الفارسية مجرد ذكريات في صفحات التاريخ المنسية!

    كانت أرض القادسية أرضًا يحف بها من الشرق خور الفرات، ويشتمل على تركة العتيق أو نهر العتيق، ويحيط بها من الغرب خندق سابور، وهو عبارة عن غدير حفر لحماية أرض السواد من عرب البادية، وقد أقيم عليها عددٌ من المسالح لهذه الغاية، وقد اختار القائد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مكانًا إستراتيجيًّا للغاية، فقد كان المثنى بن حارثة رضي الله عنه قد بعث برسالة إلى عاصمة الخلافة قبل موته، يوصي بها جيوش المسلمين مستقبلًا بأن يحاربوا الفرس على أطراف الصحراء؛ لما يتيحه ذلك من سهولة المناورة للعرب، الذين يخبرون الصحراء على عكس الفرس.

    وقد تلاقى هذا التوجيه الإستراتيجي مع هوى الفاروق عمر رضي الله عنه، الذي كان يحضر لكي يبعث برسالة للمثنى قبل موته، بها نفس التوجيه الإستراتيجي بمحاربة الفرس، وقد وصف سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أرض القادسية بإحدى الرسائل التي بَعَث بها للخليفة: إن القادسية بين الخندق والعتيق، وإن ما عن يسار القادسية بحر أخضر في جوف لاح إلى الحيرة بين طريقين؛ أما عن القادسية إلى الولجة فيض من فيوض مياههم.


    والقادسية اليوم تقع جنوب مدينة النجف الحالية في العراق، على بعد ثلاثين كيلو متر منها، وما تزال حتى يومنا هذا آثار الطرق بين القادسية والحيرة، والخندق وقصر قديس مركز قيادة سعد رضي الله عنه.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: معارك حاسمة في تاريخ الإسلام



    معركة القادسية (13)









    كتبه/ أحمد فريد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فقد تكوَّن جيش الفرس مِن مائتي ألف مقاتل، وثلاثة وثلاثين فيلًا، في مقدمتهم: فيل أبيض عملاق!

    وقد تولى أسطورة فارس العسكرية رستم قيادة المعركة، ووضع رستم على رأس الجيوش أعظم مِن أنجبت فارس من قادة؛ فوضع على قلب الجيش الفارسي "الجالينوس"، وهو الرجل الثاني في جيوش كسرى، وجعل على ميمنة الجيش أسطورة الحرب الهرمزان؛ أما ميسرة الفرس فكانت من نصيب القائد الفارسي مهران بن بهرام، كما أسند هرمز مهمات قيادية رئيسية للقائدين الشهيرين: البرزان، وبهمن جاذويه الملقَّب ببهمن ذي الحاجب.

    وعلى الناحية الأخرى: فقد كان جيش التحرير الإسلامي جيشًا منصورًا منذ البداية؛ ليس بسبب كثرة عدد فرسانه الذين تجاوز الثلاثين ألفًا بقليل، أي: نحو سدس جيش الإمبراطورية الفارسية إن لم يكن سبعه أو ثمنه؛ أي: أن كل مقاتل مسلم كان عليه أن يقاتل ستة أو سبعة مقاتلين من الفرس دفعة واحدة!

    أما بالنسبة للعتاد: فقد كانت خيول المسلمين الهزيلة، وجِمَالهم لا تقارن بآلة الحرب الجبارة التي زوَّدها يزدجرد جيشه العرمرم، فقد كانت الفيلة العملاقة التي استخدمها الفرس في القتال، فيلة مدربة تدريبًا عسكريًّا على القتال، وتدمير جيوش الأعداء بأرجلها؛ هذا إضافة للأسلحة التي لم يَعرِف المسلمون مثلها في صحرائهم؛ ناهيك عن تفوق الفرس العظيم في مجال إدارة الخطط العسكرية، وحفر الخنادق، ونصب الكمائن؛ نتيجة لخبرتهم الممتدة لمئات السنين في قتال الإغريق والرومان، وحتى الفراعنة.

    لم يكن جيش المسلمين منصورًا من أجل تفوقهم في العدد والعتاد؛ فليست هذه هي أسباب النصر التي أوضحها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته؛ لقد كان جيش المسلمين جيشًا منصورًا؛ لأنه -وبكل بساطه- كان جيشًا يومن برب الكون؛ جيشًا يعد أقصى ما استطاع من عدة القتال وأسباب النصر، ولكنه لا يعبد الأسباب، بل يعبد مسبب الأسباب، رب الأرباب، يعبد الله عز وجل.


    وبمجرد استعراضنا لتكون الجيش الإسلامي ندرك تمامًا أننا أمام جيش منصورٍ؛ فلك أن تعلم أن جيشَ القادسية كان يتكون من ثلاثمائة وبضعة عشر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين بيعة الرضوان إلى ما فوق ذلك، وثلاثمائة ممَّن شهد الفتح، وسبعمائة من أبناء الصحابة؛ ليس ذلك فحسب، فلقد كان جيش القادسية يضم بين فرسانه -وتأمل معي هذا الرقم- تسعة وتسعين عملاقًا من عمالقة بدر الكبرى؛ فهذا والله جيش منصور.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •