الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الجهاد في شريعة الإسلام شريف، فالعدو يعلم أحواله مع المسلمين من الحرب والسلم بكل وضوح دون أدنى لبس أو إيهام، فلا غدر ولا خيانة لأن المسلمين الأوائل كانوا متقين، موفوري الإيمان، عندهم ثقة بنصر الله، لأنهم يعلمون أحوالهم مع ربهم وأنهم نصروا الله وأن الله سينصرهم لأن الله لا يخلف الميعاد.
ثم خلفت خلوف تقتل من لا يجوز قتله من النساء والصبيان ومن غير المقاتلة من الرجال، وتدخل إلى بلاد الكفار بأمانهم ثم تغدر بهم وتُوقع بهم التفجير والتدمير بدعوى أن الحرب خدعة -زعموا-.
ثم نراهم يركبون أنواعا من المنكرات باختيارهم ودون إكراه، بدعوى التمويه على العدو والتعمية عليه، لإيهامه أنهم ليسوا من أهل الديانة، لئلا يكونوا تحت مراقبتهم الدقيقة، وليأنسوا منهم أمانا.
تحريم الغدرلا شك أن المسلم يقاتل طاعة لله، لا هوى في نفسه، والمسلم كما أنه مأمور بتقوى الله في حال السلم، فهو كذلك مأمور بتقوى الله حال الحرب، بل إن الأمر بتقوى الله حال الحرب آكد، لأن النفوس لما أُذن لها في إزهاق نفوس الأعداء -وهذا أقصى ما يكون من إيصال الأذى للعدو- ربما هان عليها كل محرم بعد ذلك، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل جيشا أو سرية أمره بتقوى الله حتى تنضبط نفوس المقاتلين ولا تركب كل محرم.
فعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: «اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تُمثلوا ولا تقتلوا وليداً» (رواه مسلم).
ومن أذن الله في قتاله من الممانعين من الكفار فإن الله قد حرّم الاعتداء في قتلهم، قال الله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) (البقرة: 190)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: «فإن الجهاد فيه البلاء للأعداء، والنفوس قد لا تقف عند حدود الله بل تتبع أهواءها في ذلك، فقال: (ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين)، فنهى عن العدوان، لأن ذلك أمر بالتقوى، والله مع المتقين، كما قال (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) (البقرة: 194)، وإذا كان الله معهم أيدهم على عدوهم» (قاعدة في الانغماس في العدو 63ـ62).
فلا يجوز لنا أن نركب كل طريق وكل سبيل ولو كان حراما ، بحجة أن من فعَلْنا ذلك به عدو لنا ويخالفنا في الدين، فهذا من أخلاق اليهود وليس من أخلاق المسلمين، فإن اليهود كانوا يستحلون أموال العرب والمسلمين ولا يتورعون عن شيء من ذلك، كما قال تعالى عنهم: ( ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) (آل عمران: 75).
قال الحافظ ابن كثيرـ رحمه الله-: «إنما حملهم على جحود الحق أنهم يقولون ليس علينا في ديننا حرج في أكل أموال الأميين، وهم العرب، فإن الله قد أحلها لنا، قال الله تعالى: (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) (تفسير القرآن العظيم 2/61).
وسأل رجل ابن عباس - رضي الله عنهما-: فقال «إنا نصيب في الغزو من أموال أهل الذمة الدجاجة والشاة، قال ابن عباس - رضي الله عنهماـ: فتقولون ماذا؟ قال: نقول ليس علينا بذلك بأس، قال: هذا كما قال أهل الكتاب (ليس علينا في الأميين سبيل) إنهم إذا أدوا الجزية لم تحل لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم» (تفسير عبد الرزاق1/130).
والصحابة رضي الله عنهم لم يكن ينقصهم ذكاء ولا حيلة ولا فطنة، ولكن ديانتهم وتقواهم وخوفهم من الله حجزتهم عن الغدر حتى بالأعداء.
قال قيس بن سعد بن عبادة - رضي الله عنه-: «لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( المكر والخديعة في النار لكنت من أمكر الناس)» رواه ابن عدي وقال ابن حجر: «إسناده لا بأس به» (فتح الباري 4/356).
والغادر لما توصل بالنيل من عدوه بالطرق الخفية المحرمة فإن الله يعاقبه يوم القيامة بنقيض قصده، ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يُنصب لكل غادر لواء يوم القيامة، يُقال: هذه غدرة فلان بن فلان».
قال المهلب - رحمه الله-: «الغدر حرام بالمؤمنين وبأهل الذمة، وفاعله مستحق لاسم النفاق وللعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (شرح صحيح البخاري لابن بطال5/362).
وبهذا يتبين لك ذم من ينال من العدو بالغدر، في حين يراه من لا يزن الأمور بالميزان الشرعي بطلا ومجاهدا.
فشريعة الإسلام شريعة عدل، والله أمر بالعدل حتى مع الأعداء، ونهى أن تحملنا العداوة على استباحة كل حرام منهم، أو انتقاص حقوقهم، قال تعالى: (ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا) (المائدة: 2)، وقال العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله-: «أي لا يحملنكم بغض قوم وعداوتهم واعتداؤهم عليكم، حيث صدوكم عن المسجد، على الاعتداء عليهم، طلبا للاشتفاء منهم، فإن العبد عليه أن يلتزم أمر الله، ويسلك طريق العدل، ولو جُني عليه أو ظُلم واعتدي عليه، فلا يحل له أن يكذب على من كذب عليه، أو يخون من خانه» (تيسير الكريم الرحمن: 198).
لا يُقاتل مع أئمة الغدر
سبق أن ذكرنا أن الجهاد يكون مع كل أمير من أمراء المسلمين سواء كان برا أو فاجرا، وهذا إنما يريد به العلماء ما يكون من فجوره ومعاصيه في خاصة نفسه، ففجوره في نفسه لا يُوجب تعطيل الجهاد، أما إن كان الأمير فاجرا في قتاله يستبيح الدماء المعصومة من النساء والصبيان والمعاهدين فلا يُجاهد معه، قال اللخمي - رحمه الله:ـ «لا أرى أن يغزوا معهم إذا لم يوفوا بالعهد» (الذخيرة: 3/404).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- : «يُغزى مع كل أمير برا كان أو فاجرا إذا كان الغزو الذي يفعله جائزا، فإذا قاتل الكفار أو المرتدين أو ناقضي العهد، أو الخوارج قتالا مشروعا قوتل معه، وإن قاتل قتالا غير جائز لم يُقاتل معه، فيعاون على البر والتقوى ولا يُعاون على الإثم والعدوان كما أن الرجل يسافر مع من يحج ويعتمر، وإن كان في القافلة من هو ظالم.
فالظالم لا يجوز أن يُعاون على الظلم، لأن الله تعالى يقول: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة: 2)، وقال موسى عليه السلام (رب بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين) ( القصص: 17)، وقال تعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (هود: 113)-».
(منهاج السنة: 6/116ـ117).
نماذج من وفاء المسلمين
الوفاء بالعهود، والسلامة من الدماء المعصومة دليل وُفور الإيمان وتحقيق التقوى، والأولون قد حققوا كمال التقوى والإيمان، وهو الأسوة والقدوة في السلم والجهاد، ولذلك أعلى الله شأنهم، وأظهرهم على عدوهم.
وأول من يُقتدى به سيد الأولين والآخرين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لما ارتد عبد الله بن سعد بن أبي سرح وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمسك عنه طويلا لعل أحدا من أصحابه يقتله، فقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم- : هلاّ أومأت إليّ يا رسول الله؟ فقال عليه السلام: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» (رواه أبو داود والنسائي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: «إسناد صحيح» وقصة ابن أبي سرح مما اتفق عليه أهل العلم واستفاضت استفاضة تُغني عن رواية الآحاد - الصارم المسلول: 109).
وقال ابن القيم شارحا قوله عليه السلام «لا ينبغي لنبي خائنة الأعين» ما نصه : «أي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخالف ظاهره باطنه، ولا سره علانيته، وإذا نفّذ حكم الله وأمره، لم يُوم به، بل صرح به وأعلنه وأظهره» (الهدي النبوي: 3/465).
والنبي -صلى الله عليه وسلم- له عهود مؤجلة بأجل معلوم مع الكفار، وأخرى مطلقة، فالمؤجل بأجل حفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- عهودهم إلى أجلها إذا لم يصدر منهم نقض العهد، وأصحاب العهود المطلقة أمهلهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أربعة أشهر إيذانا بانتهاء العهد ونبذه إليهم حتى لا يفجأهم بحرب ولا يغدر بهم.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله-: «وهذا من كمال إنصاف دين الإسلام، لأن التعاليم السماوية والكتب الإلهية في غاية العدالة والإنصاف، حتى مع الكفار نهى نبيه أن يحاربهم وهم في غفلة من ذلك، بل أمره أن يُعلمهم وينبذ إليهم العهد علنا حتى يستوي الجميع في العلم بالحال الواقعة ليستعدوا للحرب والقتال، ولئلا يؤخذوا على غرة، فهذه مكارم الأخلاق والعدالة الكاملة، ولا شك أن هذا التشريع تشريع ممن هو عالم بأن أولياءه لهم النصر والظفر لا حاجة له في استعداد الكفار وعلمهم وقوتهم، لأنه يعلم أنهم مغلوبون مقهورون، وأن الدائرة عليهم وهذا معنى قوله (فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين) (الأنفال - 58)، (العذب النمير: 5/2027).
ومن وفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بعهوده وفاؤه لعهوده مع اليهود، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة صالح يهود بني قينقاع والنضير وبني قريظة ، وغدرت بنو قينقاع أولا في السنة الثانية من الهجرة بعد غزوة بدر، فأجلاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وحفظ لبني النضير وبني قريظة عهودهم ، ولم يحمله ذلك على تنزيل اليهود كلهم منزلة سواء ، فلما غدرت بنو النضير بعد أحد عاملهم بما يستحقون من الغدرة، وبقي حافظا العهد لبني قريظة حتى غدروا بعد غزوة الخندق، فغزاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وظفر عليهم.
وإليك نموذج آخر مضيء من وفاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لعهودهم، قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه-: «ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حُسيل، قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذ علينا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم» (رواه مسلم).
الله أكبر كيف تحّرج حذيفة - رضي الله عنه - من القتال مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأي غزوة؟!! أول غزوة، غزوة بدر، وكيف وفى النبي صلى الله عليه وسلم للكفار عهدهم مع أنه في حالة حرب وعدد أصحابه قليل، أحوج ما يكون إلى كل رجل، فكيف إذا كان الرجل حذيفة -رضي الله عنه-؟!
ومن أمثلة وفاء المسلمين بعهودهم مع الكفار ما وقع من معاوية-رضي الله عنه- مع الروم، قال سليمان بن عامر: «كان معاوية يسير بأرض الروم، وكان بينه وبينهم أمد، فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم، فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر، وفاء ولا غدر، إن رسول الله -صلى عليه وسلم- قال: من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يُخلّن عقد ولا يشُدَّنّها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء، فبلغ ذلك معاوية فرجع، وإذا الشيخ عمرو بن عبسةـ رضي الله عنه -»(رواه أحمد: 4/11، وأبو داود: 3/190، والترمذي: 4/143، وقال: هذا حديث حسن صحيح).
ومن أمثلة وفاء المسلمين ما حصل معهم لأهل قبرص، وهي جزيرة في البحر، بين أهل الإسلام والروم، قد كان معاوية-رضي الله عنه- صالحهم وعاهدهم على خرج يؤدونه إلى المسلمين، وهم مع هذا يؤدون إلى الروم خرجاً أيضا، فهم ذمة للفريقين كليهما، فلم يزالوا على ذلك حتى إذا كان زمان عبد الملك بن صالح على الثغور، فكان منهم حدث أيضا أو من بعضهم ، رأى عبد الملك أن ذلك نكث لعهدهم، والفقهاء يومئذ متوافرون، فكتب إلى عدة منهم يشاورهم في محاربتهم، فكان ممن كتب إليه الليث بن سعد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة وموسى بن أعين، وإسماعيل بن عياش، ويحيى بن حمزة، وأبو إسحاق الفزاري، ومخلد بن حسين، فكلهم أجابه على كتابه.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: «فوجدت رسائلهم إليه قد استخرجت من ديوانه، فاختصرت منها المعنى الذي أرادوه وقصدوا له، وقد اختلفوا عليه في الرأي إلا أن من أمره بالكف عنهم والوفاء لهم وإن غدر بعضهم ، أكثر ممن أشار بالمحاربة» (الأموال: 185).
ومن ذلك ما وقع سنة 587هـ حيث أغار لصوص للمسلمين على خيام العدو من الإفرنج، وسرقوا منهم حتى الرجال وخرجوا، وأخذوا ذات ليلة طفلا رضيعا له ثلاثة أشهر، فلما فقدته أمه باتت مستغيثة بالويل والثبور في طول تلك الليلة، حتى وصل خبرها إلى ملوكهم، فقالوا لها: «إنه - يعني سلطان المسلمين - رحيم القلب، وقد أذنّا لك في الخروج إليه، فاخرجي واطلبيه منه، فإنه يرده عليك، فخرجت تستغيث اليزك الإسلامي، وأخبرتهم بواقعتها، فأطلقوها وأنفذوها إلى السلطان فأتته وهو راكب على تل الخروبة، فبكت بكاء شديدا، ومرّغت وجهها في التراب، فسأل عن قصتها فأخبروه، فرقّ لها، ودمعت عينه، وأمر بإحضار الرضيع، فمضوا فوجدوه قد بيع في السوق، فأمر بدفع ثمنه إلى المشتري وأخذه منه، ولم يزل واقفا -رحمه الله -حتى أُحضر الطفل، وسُلم إليها فأخذته وبكت بكاء شديدا وضمته إلى صدرها، والناس ينظرون إليها ويبكون، فأرضعته ساعة ثم أمر بها، فحُملت على فرس، وألحقت بمعسكرهم مع طفلها» (الروضتين في أخبار الدولتين: 4/245).
وكذلك لما نزل التتر بساحة بلاد الشام وأسروا مسلمين ويهود ونصارى، ثم افتك التتر أسارى المسلمين فقط، فخاطب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - غازان وقطلوشاه من التتر، ووالي المسلمين ليفتك أسرى اليهود والنصارى لأنهم كانوا في ذمة المسلمين، قال شيخ الإسلام - رحمه الله-: «وقد عرف النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى، وأطلقهم غازان وقطلوشاه، وخاطب مولاي فيهم فسمح بإطلاق المسلمين، قال لي: لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يُطلقون، فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، فإنا نفتكهم ولا ندع أسيرا لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، وأطلقنا من النصارى من شاء الله، فهذا عملنا وإحساننا، والجزاء على الله» (مجموع الفتاوى: 28/617ـ618).
الغدر سبب ظهور العدوالغدر ضرره عظيم، وهو من كبائر الذنوب، وشريعة الإسلام شريعة عدل ووفاء، وربما زين الشيطان للبعض الغدر ومنّاهم أن هذا يوجب العلو والظهور على العدو، وهذا والله فيه حتفهم، فإن الله حرم الظلم وجعله محرما بين عباده، فالغدر عواقبه وخيمة، وهو سبب لوقوع الفتنة بين المسلمين أنفسهم، فعن عبد الله بن بريدة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقض القوم العهد قط إلا كان القتل بينهم» (رواه الحاكم وقال: على شرط مسلم ووافقه الذهبي).
والغدر سبب لظهور العدو، قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: «ما نقض قوم العهد إلا أُديل عليهم العدو» (ذكره مالك بلاغا ورواه الطبراني).
قال القاضي أبو بكر بن العربي - رحمه الله-: «كما أنهم إذا حكموا بغير الحق فاستطالوا على الناس ، واستعدوا عليهم بالباطل ، سلط عليهم من يفنيهم ، كما أنهم إذا استعانوا على أعداء الله بنكث أيمان الله ، قلب الله الحال وحكم بغلبة العدو لهم» ( القبس في شرح الموطأ: 5/595).
وكان سبب ظهور التتر المغرّبة على ديار المسلمين ، بسبب غدر ملك المسلمين خوازرم شاه ببعض تجار التتر الذين دخلوا ديار المسلمين للتجارة فقتلوهم وأخذوا أموالهم ظلما، فانتصر لهم التتر ومسحوا ديار المسلمين وملكوها في سنة واحدة. (انظر الكامل في التاريخ: 12/358ـ371).
وقال الحافظ الذهبي - رحمه الله-: «وكانت الخوارزمية فيهم ظلم وعسف وقبح سيرة» (دول الإسلام: 2/112).
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - مبينا ثمرات الوفاء، ومحذرا من عواقب الغدر ما نصه: «فهذان الأصلان العظيمان وهما القيام بالقسط الذي هو العدل التام على الأنفس والأقربين والأبعدين، والأصدقاء والمعادين، والوفاء بالعهود والمعاقدات كلها من أكبر أصول الدين ومصالحه، وبها يتم الدين ويستقيم طريق الجهاد الحقيقي وتحصل الهداية والإعانة من الله، والنصر والمدافعة، فما ارتفع أحد إلا بالعدل والوفاء، ولا سقط أحد إلا بالظلم والجور والغدر، وبهذين الأصلين حصل للدين الإسلامي من العز والشرف والرقي وقهر الأمم الطاغية ما لم يحصل لغيره ، وبهذه الروح روح الرحمة والعدل والوفاء وصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، ودانت له الأمم المتباينة طوعا وانقيادا ورغبة، وبتركه انتقص الأمر، ولم يزل الهبوط مستمرا، إلا أنه يحصل نفحات في بعض الأوقات بها ينتعش الدين إذا تشبثوا بشيء من هذه المقومات النافعة، لهذا تجد القوات والحضارات الهائلة التي يزعم أهلها أنها راقية في كل أحوالها لما كانت مبنية على الظلم والجشع والطمع وعدم المبالاة في ظلم الأمم الضعيفة وكانت إذا قطعت عهودها ونفذت معاهداتها لم تبال بعد ذلك وفت أو غدرت، وإنما تلاحظ أطماعها الخاصة وأغراضها الردية، ولسان حالهم يقول: السياسة مبنية على المكر والخداع والختر والغدر، لما كانت مع قوتها الهائلة مبنية على هذه الأصول المنهارة كانت هذه المدنية المزعومة، والحضارة المدعاة مهددة كل وقت بالفناء، والهلاك والتدمير، والواقع أكبر شاهد على ذلك، فلو أنها بنيت على الدين والحق والعدل واتباع الحق والوفاء بالمعاقدات ونصر المظلومين لكانت مدنية آمنة، ولكنها في الحقيقة مادية محضة، والقوة المادية إذا لم تبن على الحق فإنها منهارة لا محالة» (وجوب التعاون بين المسلمين 195-196، بواسطة مصادر الدين الإسلامي،أ.د سليمان أبا الخيل).
خداع بلا غدر
فالذي لا مرية فيه أن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الفعلية تبين سنته القولية، وغزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرة، وقد اجتهد صلوات الله وسلامه عليه بكل سبب للظفر على العدو في غزواته ومن ذلك مخادعته للعدو من غير غدر ولا نقض لعهد.
فمخادعته -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، وكذلك ما حصل في غزوة الأحزاب فقد جاء نعيم بن مسعود وهو من غطفان إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان نعيم بن مسعود عشيرا لبني قريظة في الجاهلية، وكان قد علم أن بني قريظة أرسلت إلى أبي سفيان وإلى من معه من الأحزاب يوم الخندق أن اثبتوا ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (فلعلنا نحن أمرناهم بذلك)، فقام نعيم بكلمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك من عند رسول الله ليحدث بها غطفان ، وكان نعيم رجلا لا يملك الحديث، فلما ولى نعيم ذاهبا إلى غطفان أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أثر نعيم فدعاه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (أرأيتك الذي سمعتني أذكر آنفا أسكت عنه، فلا تذكره لأحد)، فانصرف نعيم من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جاء عيينة بن حصين ومن معه من غطفان فقال لهم: هل علمتم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- قال شيئا قط إلا حقا؟ قالوا: لا، قال: فإنه قال لي فيما أرسلت به إليكم بنو قريظة، فلعلنا نحن أمرناهم بذلك، ثم نهاني أن أذكره فيكم، فانطلق عيينة حتى لقي أبا سفيان بن حرب فأخبره بما أخبره نعيم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأرسل أبو سفيان رسوله إلى بني قريظة وقال لهم: إنكم أرسلتم إلينا تأمروننا بالمكث، وتزعمون أنكم ستخالفون محمدا ومن معه ، فإن كنتم صادقين فارهنونا بذلك من أبنائكم وصبحوهم غدا، قالت بنو قريظة: قد دخلت علينا ليلة السبت ولسنا نقضي في ليلة السبت، ولا في يومها أمرا، فأمهلوا حتى يذهب السبت، فرجع الرسول إلى أبي سفيان بذلك، فقال أبو سفيان ورؤوس الأحزاب معه: هذا مكر من بني قريظة فارتحلوا، فبعث الله عليهم الريح حتى ما كاد رجل منهم يهدي إلى رحله فكانت هزيمتهم. (زاد المعاد:3/272).
قال محمد بن جرير الطبري - رحمه الله-: «وإنما الذي أذن فيه من ذلك - يعني الكذب - كالذي فعله بالأحزاب عام الخندق إذ راسلت يهود قريظة أبا سفيان بن حرب ومن معه من مشركي قريش ، للغدر بمن في الآطام من ذراري المسلمين ونسائهم» (تهذيب الآثار:1/113).
وقال أيضا: «ومن الخديعة التي أذن -صلى الله عليه وسلم- فيها في الحرب ما رُوي عن كعب بن مالك أنه كان إذا أراد غزوة قوم ورّى بغيرها» (تهذيب الآثار:1/116).
وقال الطبري أيضا: «والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: إن الكذب الذي أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه في الحرب وفي الإصلاح بين الناس وعند المرأة يستصلح به، هو ما كان من تعريض بنجاته نحو الصدق ، غير أنه مما يحتمل المعنى الذي فيه الخديعة للعدو إن كان ذلك في حرب أو مراد السامع إن كان في إصلاح بين الناس، أو مراد المرأة إن كان ذلك في استصلاحها وذلك كالذي ذكرنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قوله في خديعة الحرب لنعيم بن مسعود: «فلعلنا نحن أمرناهم بذلك» وكقول مالك بن عبد الله الخثعمي: إنا داربون غدا درب كذا ثم يُصبح من الغد فيدرب غيره من الدروب، وذلك أنه لما لم يقل إنا داربون عند يومنا هذا فإنه متى أدرب بعد يومه ، فقد أدرب غدا ، لأن كل ما بعد يومه ذلك يُسمى غدا، وكذلك قول معاوية بن هشام: اللهم انصرنا على عمورية، وهو يريد غيرها من الكذب بمعزل، فما كان من تعريض على هذا الوجه فإنه جائز لا بأس به في الحرب» (تهذيب الآثار:1/1205).
وقال أبو زكريا بن النحاس - رحمه الله-: «ومعنى قوله «الحرب خدعة» أي ينفض أمرها بخدعة واحدة، كذا قال الكسائي وأبو زيد ويُقال: خُدْعة، بضم الخاء والفتح أفصح، كذا قال الجوهري وغيره.
ويُروى أن عمرو بن عبد وُد، لما بارز عليا - رضي الله عنه - وأقبل عليه، قال له علي: ما برزت لأقاتل اثنين، فالتفت عمرو فوثب عليه علي فضربه.
فقال عمرو: خدعتني، فقال: الحرب خدعة.
وقد فعل مثل هذا الهادي أمير المؤمنين لما حمل عليه الخارجي، وليس عنده أحد، ولا معه سلاح فلم يتحرك من مكانه إلى أن قرب منه، فصاح: اضرب عنقه، كأنه يأمر أحدا من وراء الخارجي، فالتفت الخارجي إلى خلفه لينظر المأمور، فوثب عليه الهادي وثبة صار على صدره، وأخذ منه السيف، وذبحه به» (مشارق الأشواق: 1070).
فهذا ما جرى من عمل المسلمين من الخدعة في الحرب، وليس معنى الخدعة في الحرب نقض العهود ، وقتل من لا يجوز قتله من النساء والصبيان والرجال غير المقاتلين، قال الحافظ النووي - رحمه الله-: «واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب، وكيف أمكن الخداع، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل» (شرح صحيح مسلم:12/45).
قال محمد بن عيسى بن أصبغ (ت: 620): «فالخديعة والمكر في الحرب بطريق الإدارة والتدبير من العمل المشهور والسنة الثابتة.
لكن ربما التبس على بعض من رأينا أحوال يظنها من باب الخديعة الجائزة في الحرب ، وهي قد تكون مما يتضمن الأمان الذي لا يسوغ أن يُخفر، فرأينا أن ننبه على فرق بينهما فنقول: إنه لما ثبت وجوب الوفاء وحظر الغدر، وتقرر في حد الأمان الأوصاف المقيدة في فصل التأمين قبل هذا، وثبت مع ذلك من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في إباحة الخديعة في الحرب، وفعله في ذلك ما ذكرناه، انقدح وتبين أن الخديعة المباحة هي كل ما يرجع إلى إجادة النظر في تدابير غوامض ذلك، وإدارة الرأي فيه ما يوهم العدو الإعراض عنه أو الغفلة دونه، وما أشبه ذلك من التقدم بكل ما يقع به من توهين العدو، أو تُلتمس فيه غرته، وإصابة الفرصة منه، على وجه لا يوهم الأمان، ولا يتضمن الإشعار بالأنس إليه على حال، فيدخل في ذلك التورية والتبييت وتشتيت بينهم، ونصب الكمين والاستطراد حال القتال لانتهاز فرصة المكر وما أشبه ذلك مما يرجع الأمر فيه إلى ما حددناه، وليس من ذلك أن يظهر لهم أنه منهم، أو جاء لنصيحتهم فإذا وجد غفلة نال منهم، هذا داخل في بلاد الأمان، لأن العدو يستشعر منه الموادعة والمؤالفة فيسكن إليه، فالإيهام عليه بمثل هذا لا يجوز وهو خيانة كما تقدم.
ونكتة الفرق أن اطمئنانه في هذا وأمثاله مما قلنا أنه يكون من باب الأمان إنما سبيل استشعار المسالمة والمؤالفة، فهو يستنيم إلى ما يعتقده فيه من الوفاء في ذلك ثقة به وبما ظهر إليه مما يدل عليه فلم يؤت هذا من تقلبه، بل من الآخر فيما أظهر من المؤالفة، وارتكب من الخيانة وفي أبواب المكر والخديعة إنما كان اطمئنانه لغفلة من نفسه، أو جهل في استشعار الغفلة والتقصير من الآخر، وما أشبه ذلك مما ترجع الغفلة فيه عن سوء نظره من غير خيانة تلحق الآخر في أمره، وهذا بيًّن، والحمد لله.
ولنمثل مسألة تكون بظاهرها من باب الأمان تارة ومن المكيدة الجائز فعلها تارة، ولا فارق إلا اختلاف عوارض اطمئنان العدو على القانون الذي رسمناه، وذلك لو أن رجلا من المسلمين أبصر حربيا في جهة ما من بلاد العدو أو غيرها فتظاهر المسلم بإلقاء السلاح، وأقبل على جهة الحربي فظهر له أنه رآه فقصده مستسلما أو مستنيما إليه ونحو هذا فاطمأن الآخر إلى ذلك، حتى أصاب المسلم غرته، فهذا لا تجوز به الخديعة وهو أمان.
ولو أنه عندما رآه فعل أيضا من إظهاره الاستنامة ووضع السلاح والإقبال إلى جهة ذلك الحربي مثل ما فعل في الأولى إلا أنه فقط يظهر أنه غافل عن الحربي ومعرض عن رؤيته بحيث لا يستشعر الحربي أنه رآه، فقصده مسالما لكن يوهم أنه ما شعر بمكانه، وأن فعله ذلك فعل المستريح من حالة حمل السلاح، إذا أمن في موضع ونحو ذلك، حتى اطمأن الحربي، لما توهم من غفلة عنه، لا لموادعة استشعر منه لكان هذا جائزا وهو تورية ومكيدة، لا تتعلق بها خيانة ولا للأمان حرمة، والله أعلم» (الإنجاد في أبواب الجهاد: 232ـ234).
الترخص بالتقية
ترخص البعض في هذه الأيام بركوب أنواع المنكرات باختياره ودون إكراه بدعوى التمويه على العدو، والتعمية عليه بحيث أن لا يظن فيمن كان هذا حاله أنه من أهل الديانة والتقوى، فلا ينصرف إليه من تركيز البحث والتحري والملاحقة ما ينصرف إلى من هو معلوم ظاهرا وباطنا أنه من أهل الديانة والطاعة، وهنا لا بد من بيان أن الفرق بين التقية والنفاق شعرة، وأن البعض قد وقع في النفاق حقا، وهو يتأوله على أنه تقية.
فمن أجل هذا لا بد من بيان الفرق بين التقية والنفاق، ومتى يجوز استعمال التقية؟ وشروط ذلك؟ وما حدود الأفعال المُرخص فيها؟
قال تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة) (آل عمران: 28).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: «والتقاة ليست بأن أكذب وأقول بلساني ما ليس في قلبي، فإن هذا نفاق ولكن أفعل ما أقدر عليه، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
فالمؤمن إذا كان بين الكفار والفجار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه، ولكن إن أمكنه بلسانه وإلا فبقلبه، مع أنه لا يكذب ويقول بلسانه ما ليس في قلبه، إما أن يظهر دينه وإما أن يكتمه، وهو مع هذا لا يوافقهم على دينهم، بل غايته أن يكون كمؤمن آل فرعون، وامرأة فرعون، وهو لم يكن موافقا لهم على جميع دينهم، ولا كان يكذب ولا يقول بلسانه ما ليس في قلبه، بل كان يكتم إيمانه.
وكتمان الدين شيء وإظهار الدين الباطل شيء آخر، فهذا لم يبحه الله قط إلا لمن أُكره، بحيث لو أبيح النطق بكلمة الكفر، والله تعالى قد فرق بين المنافق والمكره (منهاج السنة :6/425ـ424).
فما نراه من ممارسات البعض في هذه الأيام ليس بداخل في باب التقية والعذر، لأنه يُقدم على أمور محرمة باختياره وإرادته بدون إكراه، فواقعه الحقيقي هو أنه بادر بقتال الكفار والغدر بهم ابتداء وهو في حالة ضعف وركب من أجل ذلك أنواعا من المحرمات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: «وفرق بين الكذب وبين الكتمان، فكتمان ما في النفس يستعمله المؤمن حيث يعذره الله في الإظهار كمؤمن آل فرعون، وأما الذي يتكلم بالكفر فلا يعذره إلا إذا أُكره، والمنافق الكذاب لا يعذره الله بحال ولكن في المعاريض مندوحة عن الكذب» (منهاج السنة:6/425).
فإذاً الترخص بالتقية يكون في حال الإكراه، والترخص كذلك لا يكون عاما في كل فعل، بل هو مخصوص بالأقوال في حال الإكراه.
قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي زيد القيرواني - رحمه الله - (ت: 386هـ): «ومن كتاب ابن حبيب قال الله تعالى (إلا أن تتقوا منهم تقاة) وقال (إلا من أُكره) الآية، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمار: (إن عادوا فعد).
فمن ترك الرخصة وصبر على إظهار الإسلام فذلك له واسع فيما يعرض من القتل، وذلك أحظى له عند ربه إن صدق وقد جاءت به الآثار، قال: إنما الرخصة في القول والقلب مطمئن بالإيمان ، وأما على أن يعمل عملا فيسجد لغير الله أو يصلى إلى غير القبلة أو يشرب الخمر،ويأكل الخنزير، أو يزني، أو يقتل مسلما، أو يضربه أو يأكل ماله وما أشبه ذلك فلا رخصة له، وإن خاف القتل.
قال ابن عباس - رض الله عنهما-: «التقية بالقول وليس بالفعل ولا باليد» (النوادر والزيادات3/312).
وقال أيضا: «ومن كتاب ابن سحنون: قال الأوزاعي: أبيح للمكره القول ولا يُصدق ذلك بعمل، قال: فإن أكره على ذلك مثل السجود للوثن أو صليب أو أكل خنزير وشرب خمر، فلا يفعل، وليختر القتل وقاله قتادة» النوادر والزيادات - 31/312).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - (ت: 795هـ): «والقول الثاني أن التقية إنما تكون في الأقوال ولا تقية في الأفعال، ولا إكراه عليها، رُوي ذلك عن ابن عباس وأبي العالية، وأبي الشعثاء والربيع بن أنس،والضحاك وهو رواية عن أحمد، وروي عن سحنون أيضا» ( جامع العلوم والحكم:2/372).
أسأل الله عز وجل أن تكون ظهرت الفروق الدقيقة بين «الخدعة» و«الغدر» و«التقية» و«النفاق» والله الهادي إلى سواء السبيل.
والحمد لله رب العالمين.
الشيخ الدكتور حمد العثمان.