ستيني.. لا يصلي

د. أمير الحداد



توقفت صلاة الجمعة في مسجدنا منذ أكثر من شهرين.. ومع هذا التوقف تغير نظام نهاية الأسبوع لدي.. صرت أصلي مأموماً في أحد مساجد منطقة المخيمات والشاليهات جنوب البلاد.. وأكثر صلاتي في مسجد ضاحية علي الصباح، «أم الهيمان» سابقاً، كما تغيرت عادات صباح الجمعة.. حيث كنت أقضي الوقت كله في الاطلاع والتحضير.. أصبحت أمارس الرياضة من التاسعة إلى العاشرة مشياً على رمال الشاطئ.. ثم أغتسل وأذهب إلى المسجد.

صادفته صباح إحدى الجمع.. يتمشى.. ألقيت عليه التحية.. ردها بأحسن منها.. وفي طريق العودة.. مررت به جالساً يحتسي القهوة وبجانبه طاولة صغيرة عليها صحف اليوم.. دعاني للجلوس.. لبيت الدعوة.. قدم لي القهوة.. أخذت الفنجان.. وضعته جانباً لأشرب الماء أولاً.

تبادلنا أحاديث كثيرة.. عرفت أنه صاحب شركة متوسطة.. دخله خمسة أضعاف دخلي الشهري.. يحب السفر.. وإذا كان في الكويت.. قضى نهاية الأسبوع في الشاليه.. وحده مع سائقه وخادمه.

استأذنته للاستعداد للصلاة.. دعاني لزيارته بعد الرابعة للشاي.. لمت نفسي: «لِمَ لم أدعه للذهاب إلى المسجد معي؟».. رجعت إليه بعد أن قطعت سبع خطوات:

- «بو مشاري» سوف أذهب لصلاة الجمعة.. تريد أن أمر لنذهب معاً؟

- كلا.. شكراً.. لدي أعمال أريد إنجازها.

شعرت بالإحراج:

- إذاً أراك في الرابعة.

تساءلت: ربما لا يصلي.. أو ربما به مرض يمنعه من الذهاب للمسجد.. لا.. لا يمكن أنه لا يصلي وقد تجاوز الستين.. وهنا تذكرت أحاديث النبي[ عن الستين: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك» صحيح الجامع.. «معترك المنايا ما بين الستين إلى السبعين».. «إذا بلغ الرجل من أمتي ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر» صحيح الجامع.. وفي رواية: «أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة» صحيح الجامع.

أديت الجمعة في مسجد ضاحية علي الصباح.. خطبة قصيرة.. لم تتجاوز اثنتي عشرة دقيقة.. قبل الرابعة بعشرين دقيقة كنت أتمشى على رمال الشاطئ.. فإذا بصاحبي جالس يقلب الصحف.. وخادمه جالس على كرسي جانبي.. ألقيت التحية.. أشار إلي بالجلوس في مقعد وضع عليه وسادة مريحة:

- فيما يتعلق بالصلاة.. أنا لا أصلي الجمعة.. ولا أذكر متى دخلت المسجد لأداء صلاة الجمعة.


فاجأني بطريقة حديثه الهادئة الباردة، وكأن الأمر لا شيء فيه..

- في رمضان.. أذهب أحياناً لصلاة التراويح.. إن كانت قصيرة.. سريعة.. أما الجمعة.. فإما أن أكون على سفر.. أو هنا في الشاليه.. وفي الحالتين لا أصلي.. وعموماً أتعب من الجلوس فترة طويلة.

حدثتني نفسي: «ترى اجتماعات العمل تستغرق أقل من عشر دقائق؟!».

- أما أنا يا «بو مشاري».. فلا أذكر متى آخر مرة فاتتني صلاة الجمعة.. ولا يحدث هذا إلا إذا كنت على سفر ولم يكن هناك مسجد تقام فيه الجمعة.

ضحك «بو مشاري».. تناولنا أحاديث أخرى كثيرة.. ولكني عاهدت نفسي أن أجعله يصلي الجمعة.. مهما استغرق الأمر!!