قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله :
وكان فيما بلغنا عن الجهم عدو الله إنه كان من أهل خراسان وكان صاحب خصومات وشر وكلام وكان أكثر كلامه في الله تعالى فلقي أناسا من الكفار يقال لهم السمنية فعرفوا الجهم فقالوا له نكلمك فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك فكانوا مما كلموا به جهما قالوا ألست تزعم أن لك إلها قال الجهم نعم قالوا له فهل رأت عينك إلهك قال لا قالوا فهل شممت له رائحة قال لا قالوا فهل وجدت له حسا قال لا قالوا فهل وجدت له مجلسا قال لا قالوا فهل يدريك أنه إله قال فتحير الجهم ولم يدر أربعين يوما ثم إنه استدرك حجة من جنس حجة زنادقة النصارى لعنهم الله وذلك أن زنادقة النصارى لعنهم الله تعالى زعموا أن الروح التي في عيسى بن مريم روح الله من ذات الله فإذا أراد أن يحدث أمرا دخل في بعض خلقه فتكلم على لسانه فيأمر بما يشاء وينهي عما يشاء وهو روح غائب عن الأبصار فاستدرك الجهم حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني ألست تزعم أن فيك روحا قال نعم قال فهل رأيت روحك قال لا قال فهل سمعت كلامه قال لا قال فهل وجدت له مجلسا أو حسا قال لا قال فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة وهو غائب عن الأبصار ولا يكون في مكان دون مكان ووجدت ثلاث آيات في القرآن من المتشابه قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) ( وهو الله في السماوات وفي الأرض ) ( لا تدركه الأبصار ) فبنى أصل كلامه على هؤلاء الآيات وتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وزعم أن من وصف الله تعالى بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم كان كافرا أو كان من المشبهة فأضل بشرا كثيرا وتبعه على قوله رجال من أصحاب عمرو بن عبيد وأصحاب فلان ووضع دين الجهمية
اجتماع الجيوش الإسلامية ج 1 ص 128-129

هذا الجهم الذي اعتمد على عقله و فكره و لم يعتمد على الكتاب و السنة انظروا بماذا خرج من الحوار

و أظن جهماً لو كان في عصرنا لسمي عملاق الفكر الإسلامي و لاحتفل الإسلاميون بانتصاره على السمنية فيما زعم

و الحقيقة أن السمنية هم الذين انتصروا لأنه خرج من الإسلام و دخل معهم في الكفر و خرج بدين جديد بعدما لقح فكره الفلاسفة بمذهبهم

و هذا حال كثير من الإسلاميين الذين يعتمدون على أفكارهم مع تلقيح فلاسفة الغرب لمذاهبهم ليخرج منها مذاهب لقيطة مثل مذهب الإسلام الديموقراطي المدني الذي يدعى له هذه الأيام

أما الحوار المشروع للدعوة للتوحيد فانظروا فيه كتاب الشيخ رحمة الله الهندي إظهار الحق

و في الختام انظروا تقسيم الشيخ صالح الفوزان للحوار

الحوار حقه وباطله


الحوار هو المجادلة بين طرفين مختلفين وكل منهما ينتصر لما هو عليه وهو على قسمين:
القسم الأول : الحوار الدعوي الذي معناه عرض ما عند كل من الطرفين لمعرفة مدى ما فيه من الحق فيؤخذ به وما فيه من الخطأ فيترك – وهذا حوار مطلوب شرعاً.
قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران:64 وقد ذكر الله في القرآن الكريم الحق ببراهينه وحججه. وذكر الباطل بشبهاته ومرتكزاته ورد عليها. لأن الله سبحانه أنزل القرآن ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) النساء:59 ولذلك فإن العاقل المنصف الذي يريد الحق بمجرد ما يسمع القرآن وهو يفهمه يسارع إلى قبول ما جاء به من مختلف الطوائف والديانات. وهذا سر ظهور هذا الدين على الأديان كلها وانتشاره في مشارق الأرض ومغاربها في ادوار التاريخ فلا تجد مكاناً في الأرض اليوم إلا وفيه مسلمون ويكثر عددهم يومياً – ولله الحمد –

القسم الثاني : من أقسام الحوار ما يراد به دمج الحق مع الباطل والتنازل عن أعز شيء من الحق وهو العقيدة لأجل إرضاء المخالفين. وهذا هو لبس الحق بالباطل والتسوية بين المختلفات والجمع بين المتناقضات وهذا هو المداهنة التي حمى الله رسوله منها فقال: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا(74) إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) الإسراء 73-75 وقال تعالى : (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )القلم 8-9 وقال تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) هود:113 والعجيب أن المخالفين لنا لا يعترفون بما نحن عليه من الحق ويطلبون منا أن نعترف بما هم عليه من الباطل. والواجب على المسلمين أن يتمسكوا بدينهم ولا يتنازلوا عن شيء منه وأن ينكروا الباطل ويحذروا منه. قال الله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) الزخرف 43-44 وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.