عقل المسلم .. بين الثبات والتأثير

سالم الناشي



- قال ابن القيم -رحمه الله-: «النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل»، فإذا لم يَشْغَلِ المسلمُ عقله بما يفيده فسوف يشغله الأعداء بما يضره، والحديث عن فشل التيار الإسلامي في التعامل مع الواقع فيه قليل من الصحة وكثير من الخلط والخطأ، فالتيار الإسلامي استطاع خلال الخمسين عاما الماضية الثبات وتقديم صورة واضحة عن الدين، رغم قمع الأيدولوجيات المناهضة له، ونحن لانشك في نيات الإسلاميين الصحويين في تبني نموذج نقي للمجتمع مستمد من القرآن والسنة، في حين تملأ عقولنا شكوك كبيرة حول الفكرة الغربية في فرض دين خاص متأثر بالمد اللاديني للمجتمعات.
- ولا يمكن أن ننفي وجود فئة خالصة مخلصة، ممتدة عبر الأزمان من عهد النبوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تقوم بدور التوجيه والإصلاح في المجتمع، ولديها يقين بأن المستقبل لهذا الدين، وأن النصر آتٍ ولو بعد حين؛ قال -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات: 171-173)، إذًا هذا التدافع نحو ريادة الحق، وتراجع الباطل سنة ربانية قررها القرآن ومارسها المسلمون عبر العصور.
- ولهؤلاء الدعاة المخلصين مكرمة عند الله؛ فقد سماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (إخواننا)، قال - صلى الله عليه وسلم - للصحابة: «أنتُمْ أصْحابِي وإخْوانُنا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ»، وبين أوصافهم فقالَ: «فإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ». فهناك علاقة متصلة مع الجذور مهما تباعد الزمن، وكثر المشككون، وتكالبت الخطوب.
- قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لاتزال طائفةٌ من أمَّتي يقاتِلونَ على الحقِّ، ظاهرينَ على مَنْ ناوأَهم، حتى يقاتلَ آخرُهم المسيحَ الدجالَ»، أي هناك حق واضح، وطائفة تدافع عنه، وهم ظاهرون معروفون، وهناك مناوئون لهم يثبطونهم ويخذلونهم!. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي قائِمَةً بأَمْرِ اللهِ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، أوْ خالَفَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وهُمْ ظاهِرُونَ علَى النَّاسِ». وتأمل الجماعية هنا التي هي بخلاف الفردية المزعومة، والوضوح في الحد الفاصل بين الخذلان والمخالفة وبين الاعتداد بالنفس المؤمنة والثبات على الدين.
- والطائفة أو الجماعة هنا ليست بالكثرة، إنما من كان على منهج أهل السنة والجماعة، وعلى مثل ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه، ومن كان عالِمًا عاملًا بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومواقفه واضحة في أوقات الفتن وأزمنة الاستضعاف، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الجماعة ما وافَق الحقَّ ولو كنت وحدك».
- والحديث عن ذوبان الهوية الإسلامية في خضم التأثير الغربي، حديث له محددات ومبالغات، ويصطدم مع الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة التي أوردناها آنفا، وهنا لا ننفي التأثر الحاصل في بعض نواحي الشكل العام.

- كما أن قدرة المسلم على المرونة وقبول الآخر في إطار من الدين والنظرة الشرعية، لا يمكن تسميته نمطا جديدا من التدين، وأنه تفاعل فرضته الهيمنة الغربية، إنما يدل على تطور في آلية الإدراك عند الغربيين للدين الإسلامي، فديننا الإسلامي شامل وصالح لكل زمان ومكان.

- إن قدرة الإسلاميين على التعايش مع المجتمعات لم تفرضها الطبيعة الواقعية والنهج الغربي للحياة، بل فهم الإسلاميين الصحيح لدينهم هو ما يجعلهم ينخرطون في الحياة العامة، ويخالطون الناس ويصبرون على أذاهم، ويرفضون العزلة غير المحببة في الشرع أصلا.