خصال أهل الإيمان


الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر




إن من المعروف لدى الجميع أن لغة الضمان تجد في أوساط الناس اهتماماً بالغاً وعناية كبيرة في بيعهم وشرائهم وعموم تجارتهم؛ فليست السّلع المضمونة والبضائع التي عليها ضمانات في المكانة لدى الناس كالسلع التي ليس عليها ضمان، وهذا يؤكد شدة اهتمام الناس بالشيء المضمون أكثر من غيره مما ليس كذلك على تفاوتٍ كبير فيها من حيث مصداقيتها؛ ولهذا يشتد اهتمام الناس بهذا الأمر أكثر إذا كان صاحب الضمان معروفا بالصدق متحليا بالوفاء والأمانة، وكانت الأمور التي يُنال بها الضمان أموراً يسيرة سهلة لا تُلحق الناس شططا ولا تكلفهم عنـتا.

فكيف إذا كان الضامن هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ الصادق المصدُوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، وكيف إذا كان المضمون جنّة عرضها كعرض السماء والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟! وكيف إذا كانت الأمور التي يُنال بها الضمان أموراً سهلة وأعمالاً يسيرة لا تتطلب جهداً عظيما ولا كبير مشقة؟! فتأمّلوا - رعاكم الله - نصَّ هذا الضمان العظيم:

روى الإمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وغيرهم، عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّة، اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ».
حديث صحيح.


ضمان بضمان

إنه ضمان بضمان ، ووفاء بوفاء «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ»، ستةً من الأعمال ما أيسرها وأموراً من أبواب الخير ما أخفها وأسهلها ، من قام بها في حياته وحافظ عليها إلى مماته؛ فالجنة له مضمونة وسبيله إليها مؤكدة مأمونة {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيد}(ق:٣١ - ٣٥ ) .

الصدق في الحديث

فأما الأول من هذه الخصال فهو الصدق في الحديث ؛ فالمؤمن صادقٌ في حديثه لا يعرف الكذبُ إليه سبيلا، ولا يزال محافظاً على الصدق في حياته إلى أن يفضي به صدقه إلى الجنة، وفي الحديث: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا».

الوفاء بالوعد

وأما الخصلة الثانية: فهي الوفاء بالوعد والالتزام بالعهد، وهي سمةٌ من سمات المؤمنين وعلامةٌ من علامات المتقين؛ فهم لا يعرفون خُلْفاً في الوعود ولا نقضاً للعهود، والوفاء صفة أساسية في بنية المجتمع المسلم؛ حيث تشتمل سائرَ المعاملات؛ فالمعاملات والعلاقات الاجتماعية والوعود والعهود كلها تتوقف على الوفاء، فإذا انعدم الوفاء انعدمت الثقة، وساء التعامل، وساد التنافر .

أداء الأمانة

وأما الخصلة الثالثة عباد الله: فهي أداء الأمانة، وهي من أعظم الصفات الخلُقية التي مدح الله أهلها، وأثنى على القائمين بها، وهي من كمال إيمان المرء وحُسن إسلامه، وبالأمانة - عباد الله - يُحفظ الدين وتُحفظ الأعراض والأموال والأجسام والأرواح والعلوم وغير ذلك، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ »، وإذا سادت الأمانة في المجتمع عظم تماسكه وقويَ ترابطه وعمّ فيه الخير والبركة .

حفظ الفروج

وأما الخصلة الرابعة -عباد الله-: فهي حفظ الفروج، أي من أن تفعل الحرام أو تقع في الباطل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}(الم ؤمنون: ٥– ٧)، وفي حفظ الفروج -عباد الله- حفظ للنسل، ومحافظة على الأنساب، وطهارةٌ للمجتمع، وسلامةٌ من الآفات والأمراض، ودخولٌ والتزامٌ بطاعة رب العالمين.

غض البصر

والخصلة الخامسة من هذه الخصال العظيمة: هي غض البصر، أي من النظر إلى الحرام، والله -جلّ وعلا- يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}(ال نور:٣٠ – ٣١)، وغض البصر -عباد الله- فيه فوائد عظيمة؛ فهو يورث العبد حلاوة الإيمان ، ونورَ الفؤاد، وقوّة القلب، وزكاء النفس وصلاحها، وفيه وقايةٌ من التّطلع للحرام والتشوّف للباطل.

كفّ الأيدي

وأما الخصلة السادسة: فهي كفّ الأيدي، أي من إيذاء الناس أو الاعتداء عليهم أو التعرض لهم بسوء، والمؤذي لعباد الله يمقته الله ويمقته الناس وينبذه المجتمع، وهو دليلٌ على سوء خُلُقه وانحطاطِ أدبه، وإذا كفَّ الإنسان أذاه عن الناس دلّ ذلك على نبيل أخلاقه وكريم آدابه وطيب معاملته، وحظي بعظيم موعود الله -جلّ وعلا- في ذلك. فكيف - عباد الله- إذا سما خلق الإنسان، وعظم أدبه ولم يكتفِ بذلك حتى بذل نفسه في إماطة الأذى عن سبيل المؤمنين وجادّتهم! روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ؛ فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ».

فهذه أبواب الجنة مشْرَعة، ومناراتها ظاهرة، وسبيلها ميسرة؛ فلنغتنم ذلك قبل الفوات، ولنستكثر لأنفسنا من الخير قبل الممات، ونسأل الله -جلّ وعلا- ألا يكِلنا وإياكم إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يعيننا على تحقيق خصال الخير وتتميمها، والبعد عن خصال الشر والإعراض عنها، إنه -تبارك وتعالى- خير مسؤول ونِعم المرجو ونعِم المعين .

مسؤولية الآباء

ولا شك أن مسؤولية الآباء عن الأبناء عظيمة وواجبهم تجاههم كبير؛ فعنهم يُسألون يوم القيامة، كلُّ أب يُسأل عن أبنائه يوم القيامة عندما يقف بين يدي العظيم -سبحانه-؛ فلابد -عباد الله- من العناية بتربية الأبناء وتأديبهم وملاحظة أخلاقهم وسلوكهم ومعاملتهم والحرص على تنشئتهم تنشئة صالحة على الالتزام بكتاب الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحذر من رديء الأخلاق وسفساف الأمور. وقد يجهل بعض الأبناء بعض الخصال الكريمة والخلال العظيمة لأسبابٍ متنوعة ومتفرقة، ويأتي هنا دور الأب والأم في التوجيه والإصلاح، والإرشاد والبيان، والنصيحة والتحذير، حتى يقوم عود الشاب، ويستقيم على طاعة الله ويلتزم بأوامره -سبحانه وتعالى.


أهم ما ينبغي أن يُغرس

ثم إن من أهم ما ينبغي أن يُغرس في نفس الشاب وأن يُغرس في نفوس الأبناء، أن يُعلَّموا قيمة المساجد ومكانتها وعِظم حرمتها ووجوب المحافظة عليها، وأن يحذَّروا أشد التحذير من الاعتداء على المساجد بأي نوع من الاعتداء أو أي نوع من المخالفة؛ فلنحذر ولنتقِ الله -نحن الآباء والأبناء- الأب يوجِّه، والأم تبين ، والأبناء يتقون الله -عز وجل- ويتناصحون ويعرفون لبيوت الله -تبارك وتعالى- حرمتها ومكانتها ، وهذا الخطأ وإن كان في جانبٍ قد يكون قليلا إلا أن عِظم المكان وشدة حرمته يدعو إلى التخوّف وشدة البيان، لنتقِ الله -تبارك وتعالى- في بيوت الله التي أذِن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.