فوائد للشباب في غض البصر

خالدة النصيب


ومن فوائد غض البصر أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، فغض البصر طاعة وطاعة الله نور، قال ابن عباس: «إن للحسنة نورا في الوجه»، فنوّر قلبك بالطاعة واترك إطلاق البصر والنظر إلى صور النساء سواء في وسائل الإعلام كالإعلانات والتلفزيون والجرائد أم في الإنترنت، واشتغل بقراءة القرآن والتفكر في آلاء الله، والنظر في مخلوقات الله، وهذا سيورثك فائدة من فوائد غض البصر وهو الفراسة؛ فغض البصر يورث الفراسة فيصير القلب كالمرآة المجلوة تظهر فيها المعلومات كما هي، وفي هذا يقول شجاع الكرمي: «من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وأكل الحلال لم تخطئ فراسته»؛ إذ لما حبس بصره لله أطلق الله نور بصيرته فيكون موفقا متفقها قويا في دين الله، غاضا بصره عن الدنيا ولا يتطلع لشيء، ويظل قرير العين بالله ولا ينظر إلا لما يرضي الله عز وجل فيحبه الله، فإذا أحبه الله أصبح يسمع ويبصر بنور من الله كما جاء في الحديث: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به» رواه البخاري، وصاحب الفراسة يفسر كل ما يراه بقلبه النظيف فيرى بشكل صحيح، ولا يستطيع أحد أن يخدعه، ويصبح حكيما يضع الشيء في موضعه باختياره الصحيح، ويرى الأمور على حقيقتها فيفتح الله له طرق العلم وأبوابه ويسهل عليه أسبابه بسبب نور القلب؛ فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، فأبصرت البصيرة وفتحت أبواب العلوم فيسهل العلم والتعلم والنجاح والتفوق بسهولة ويسر، ويأتي بنتيجة مرضية فيشعر بالقوة والنصر.

وهي فائدة من فوائد غض البصر أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، وفي الأثر: «إن الذي يخالف هواه يَفْرَق الشيطان منه»، فإذا قوي القلب استولى على النفس وأمرها بالخير؛ فيكون للقلب سلطان النصرة وسلطان الحجة، فيجمع الله له سلطانين فيقوى على شيطانه، وأما أفضل شيء في قوة القلب فالثبات والشجاعة؛ لأن الشاب لا يحب أن يكون جبانا، وأفضل أنواع الشجاعة ألا تخاف في الله لومة لائم، فإذا كنت كذلك أورثتك الشجاعة سرورا في القل.

وهذه الفائدة التالية في غض البصر: أنه يورث القلب سرورا وفرحا وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر؛ وذلك لقهره عدوه بمخالفته ومخالفة نفسه وهواه، قال بعض أهل العلم: «والله للذة العفة أعظم من لذة الذنب»، ويكون الإحساس بالسرور بسبب الحصول على القوة والنصر والغنى والشبع والاكتفاء بالحلال وتخلص القلب من أسر الشهوة.

وهذه فائدة لغض البصر: أنه يخلص القلب من أسر الشهوة؛ فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه، قال تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة:81) إحاطة الخطيئة: إحداقها به فلا يمكنه الخروج؛ فكأن ذنوبه أحاطت به من جميع جهاته فلم يتبق له مخلص منها، كالذي يبدأ بالذنب الصغير ويتبعه بغيره فلا يستطيع الخلاص منه، وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله[ قال: «إياكم ومحقّرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه» (صحيح الجامع برقم 2687)، فالذي يطلق بصره يرى أن هذا من محقرات الذنوب فيقع في التهلكة، أما الذي يغض بصره فيخرج من سجن الشهوة, والشهوة سجن؛ لأنها إذا استحكمت تكون شغله الشاغل كالشاب الذي حبس نفسه في شهوة جهاز الكمبيوتر واستخدامه في النظر إلى النساء، فهو يدور بين الشاشة والفأرة ولا يتحرك، قد أسره الجهاز فقل ذكاؤه، فلا بد أن يخرج من الأسر بأن يتحرك حتى يعطي مجالا للعقل كي يفكر كيف يسد بابا من الأبواب التي قد تؤدي به إلى جهنم عياذا بالله؛ لأن الله حرم إطلاق البصر؛ فمن أطلق بصره هتك ستر الله الذي بينه وبين النار بسبب معصيته، وربما دخل النار بسبب إطلاق البصر؛ فكان غض البصر مانع من الوصول إلى النار، وهذه فائدة لغض البصر.

ومنها: أن غض البصر يقوي العقل ويزيده ويثبته، وإطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وعدم ملاحظته للعواقب؛ لهذا قال الشاعر:

أعقل الناس من لم يرتكب سببا

حتى يفكر ما تجني عواقبه

فهذا الشاب قبل أن يطلق بصره فليسأل نفسه: ماذا سأجني من وراء هذه النظرة إلا الحسرة والندامة؟! ولا فائدة ولا طائل منها، وقد تؤدي بي إلى العشق واستحكام الشهوة فلا يخلصه من هذا إلا غض البصر، فغض البصر أيها الشاب يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة، وهذه فائدة لغض البصر؛ قال تعالى عن عشاق الصور: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} (الحجر:72) أي: في ضلالهم يلعبون، فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل وعمى البصيرة وسكر القلب بل جنونه، وكما قيل:

سُكرانِ سكر هوًى وسكر مدامة

ومتى إفاقة من به سُكْرانِ

ووصف عشق الصور بالسكر؛ لأن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة، فيصبح كالسكران الذي لا يشعر بنفسه، وبالجملة فكم من مرسل لحظاته رجع بجيش صبره مغلولا، ولم يقلع حتى تشحط بينهم قتيلا، فبعد أن كان قويا صابرا أضعف إطلاق البصر قواه فأصبح كالقتيل، وليته كان قتيل شجاعة!

ومن أراد الاستزادة من هذه الفوائد فعليه الرجوع لكتاب «روضة المحبين» لابن القيم