خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - إِكْرَامُ الإِسْلَامِ لِلْمَرْأَةِ


مجلة الفرقان


لَقَدْ خَلَقَ اللهُ -سبحانه وَتَعَالَى- النَّاسَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ قَرِينَةَ الرَّجُلِ فِي الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّ ةِ، وَمَثِيلَـتَهُ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ الْأُخْرَوِيَّة ِ؛ قَالَ -سبحانه-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97). وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ -عَبْرَ الأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ- لَمْ يَلْتَزِمُوا شِرْعَةَ اللهِ فَهَضَمُوا الْمَرْأَةَ حَقَّهَا حَيْثُ تَعَرَّضَتْ لِاضْطِهَادٍ شَدِيدٍ، وَأُهْدِرَتْ كَرَامَتُهَا بِشَكْلٍ مَقِيتٍ، فَلَقَدْ كَانَتْ تُعَدُّ عِنْدَ بَعْضِ الْأُمَمِ رِجْسًا مِنَ الشَّيْطَانِ، وَعِنْدَ حُلُولِ كَارِثَةٍ أَوْ مُصِيبَةٍ تُقَدَّمُ لِلْآلِهَةِ كَقُرْبَانٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْحَيَاةِ عِنْدَ أُمَمٍ أُخْرَى، فَإِذَا مَاتَ زَوْجُهَا وَجَبَ أَنْ تُحَرَّقَ مَعَهُ، وَعَدَّهَا آخَرُونَ مِنْ سَقَطِ الْمَتَاعِ فَهِيَ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى، وَسُلِبَتْ حُقُوقُهَا الْإِنْسَانِيَّ ةُ فَحُرِمَتْ حَقَّ الْحَيَاةِ وَحَقَّ الْمِلْكِ وَالِاخْتِيَارِ ، بَلْ دُفِنَتْ وَهِيَ حَيَّةٌ؛ بِزَعْمِ الْغَيْرَةِ عَلَى الشَّرَفِ وَمَخَافَةِ الْعَارِ، فَلَقِيَتْ كُلَّ أَنْوَاعِ الإِسْفَافِ وَالْإِهَانَةِ، وَعَاشَتْ مَسْلُوبَةَ الْحُقُوقِ ذَلِيلَةً مُهَانَةً.


انتقال المرأة من ظلم العباد إلى عدل الإسلام

وَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَقَلَهَا الشَّرْعُ مِنْ ظُلْمِ الْعِبَادِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ، وَشَرَعَ لَهَا مِنَ الْحُقُوقِ مَا أَنْصَفَهَا وَأَكْرَمَهَا أَيَّمَا إِكْرَامٍ، وَأَوْصَى بِهَا أُمًّا وَبِنْتًا، وَرَعَاهَا زَوْجَةً وَأُخْتًا، فَقَدْ سَمَا الْإِسْلَامُ بِمَكَانَةِ الْمَرْأَةِ أُمًّا تَلِي مَكَانَةَ الْإِيمَانِ بِالرَّبِّ، حَتَّى قَدَّمَهَا فِي الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ عَلَى الْأَبِ؛ قَالَ -سبحانه-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا} (الإسراء:23).

وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ» (أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ).

رعاية المرأة والإحسان إليها

وَرَغَّبَ فِي رِعَايَتِهَا وَالْإحْسَانِ إِلَيْهَا بِنْتًا؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ: «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ: كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ».

وَأَكْرَمَ الْإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ زَوْجَةً، وَعَدَّ خَيْرَ النَّاسِ خَيْرَهُمْ لِأَهْلِهِ؛ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ» (أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُ ّ وَصَحَّحَهُ).

وَأَكْرَمَهَا الْإِسْلَامُ أُخْتًا، فَوَعَدَ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا بِالْجَنَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ ثَلَاثُ بَنَاتٍ، أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ، فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).

حقوق المرأة

إِنَّ الْإِسْلَامَ شَرَعَ لِلْمَرْأَةِ حُقُوقًا فَرِيدَةً، وَأَلْزَمَهَا وَاجِبَاتٍ شَرْعِيَّةً أَكِيدَةً، حَتَّى ضَمِنَ لَهَا حَيَاةً عَادِلَةً سَعِيدَةً، حَيْثُ كَفَلَ لَهَا حَقَّ التَّعَلُّمِ، بَلْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا طَلَبَ الْعِلْمِ كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى الرَّجُلِ؛ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ. (أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).

وَمِنْ إِكْرَامِهَا: أَنْ عَدَّهَا مَسْؤُولَةً مَعَ الرَّجُلِ عَنِ الْبَيْتِ وَالْأَوْلَادِ؛ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ».

وَمِنْ وُجُوهِ إِكْرَامِ الْإِسْلَامِ لِلْمَرْأَةِ: أَنَّهُ مَنَحَهَا حَقَّ الِاكْتِسَابِ وَالتَّمَلُّكِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُمْلَكُ وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الْمِلْكِيَّةِ، وَجَعَلَ لَهَا نَصِيبًا فِي الْمِيرَاثِ، وَكَانَتْ مَحْرُومَةً مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؛ قَالَ -تَعَالَى-: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} (النساء:32). وَأَعْطَاهَا حَقَّ الْإِذْنِ وَالْمَشُورَةِ فِي زَوَاجِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُـزَوَّجُ رَغْمًا عَنْهَا؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ». وَأَوْجَبَ لَهَا النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ فَعَلَى وَلِيِّهَا، {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء:34)، وَأَمَرَ الرَّجُلَ أَنْ يُعَامِلَهَا بِالْمَعْرُوفِ؛ فَقَالَ -سبحانه-: {وَعَاشِرُوهن بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ ّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء:19).


المرأة درة مكنونة

إِنَّ الْمَرْأَةَ -فِي الْإِسْلَامِ- هِيَ الدُّرَّةُ الْمَكْنُونَةُ الَّتِي لَا تَبْلُغُهَا أَهْوَاءُ الْمُنْحَرِفِين َ، وَالْجَوْهَرَةُ الْمَصُونَةُ الَّتِي لَا تَنَالُهَا أَيْدِي الْعَابِثِينَ، بَعْدَ أَنْ أَنْصَفَهَا إِنْصَافًا لَا نَظِيرَ لَهُ عَبْـرَ سِيـرَتِهَا، وَحَرَّرَهَا مِنْ قُيُودٍ أَثْقَلَتْ كَاهِلَهَا، وَعَبِثَتْ بِأُنُوثَتِهَا، فَلَمْ يَبْقَ لَهَا فِي الْإِسْلَامِ قَيْدٌ حَتَّى تَتَحَرَّرَ مِنْهُ، وَلَا حَقٌّ مَهْضُومٌ حَتَّى تَسْعَى لِنَيْلِهِ أَوِ السُّؤَالِ عَنْهُ.

المرأة شقيقة الرجل

وَبِالْجُمْلَةِ : فَالْمَرْأَةُ شَقِيقَةُ الرَّجُلِ فِي الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ، وَشَرِيكَتُهُ فِي الْحَيَاةِ وَفِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَنَظِيرَتُهُ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَفِي الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ ؛ إِلَّا مَا اقْتَضَاهُ الِاخْتِلَافُ الْفِطْرِيُّ وَالتَّكْوِينُ النَّفْسِيُّ وَالْبَدَنِيُّ وَالذِّهْنِيُّ، فَسَوَّى الْإِسْلَامُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ حَيْثُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ تَجِبُ التَّفْرِقَةُ، فَأَقَامَ حَيَاتَهُمَا عَلَى الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَنَفَى عَنْهَا الظُّلْمَ وَالتَّسَلُّطَ وَالْإِجْحَافَ؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُ ّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).

وَاحْرِصُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ تَعَالَى- عَلَى الْأَخْذِ بِالنَّصَائِحِ وَالتَّوْصِيَات ِ الصِّحِّيَّةِ، وَالْتِزَامِ الْإِجْرَاءَاتِ الِاحْتِرَازِيَ ّةِ.