مكانـة التوحيد في حياة المسلم

الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر


إنّ أعظم المقاصد وأجلّ الغايات وأنبل الأهداف توحيدُ ربِّ الأرض والسموات، والإقرار له -جلّ وعلا- بالوحدانية، وإفراده -جلّ وعلا- بالذّل والخضوع والانكسار وإسلام الوجه له خضوعاً وتذللاً رغباً ورهباً، خوفاً ورجاءً. سُجوداً ورُكوعاً، وإخلاصُ الدّين له -جلّ وعلا- والبراءةُ من الشرك كلِّه، قليله وكثيره، دقيقه وجليله؛ فهذه هي الغاية العظمى التي خُلق الخلق لأجلها، وأُوجدوا لتحقيقها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات56)، وهي الغاية التي أرسل الله -جلّ وعلا- لأجلها رسله الكرام، وأنزل كتبه العظام: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (النحل36)، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء25).

الحياة الحقيقية

وبالتوحيد يحيا العبد حياة حقيقية ملؤها رضى الرحمن، والفوز بالكرامة والإنعام ودون التوحيد يحيا حياة بهيمة الأنعام: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} (الفرقان44) إنّ فاقد التوحيد ميّت ولو كان يمشي على الأرض، ومحقّق التوحيد هو الذي يحيا الحياة الحقيقية، يقول الله -جلّ و علا-: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ } (الأنعام122) أي أحييناه بالإيمان والتوحيد ويقول جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال24).

أمن الأوطان

وبالتوحيد أمن الأوطان وراحة الأبدان: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام82)، ويقول جلّ و علا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} (النور55).

سعادة الإنسان

وبالتوحيد سعادة الإنسان وطمأنينته يقول الله -جلّ وعلا-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل97)، ويقول -جلّ وعلا-: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه124)، و يقول -جلّ و علا-: {طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} أي إنما أنزلناه عليك لتسعد به و يسعد به من اتّبعك.

زوال الأوهام

وبالتوحيد تنـزاح عن القلب الأوهام، وتنطرد الوساوس و الأفكار الرديئة، ويحصل للقلب طمأنينته وراحته وهدوؤه وسكونه، يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ} وهذا توحيد الله {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ}.

طرد الشياطين

وبالتوحيد تنطرد الشياطين ولا تطيق البقاء في مكان يصدع فيه بالتوحيد و إذا سمع الشيطان الأذان ولى وله ضراط. والقرآن كلّه توحيد وتمجيد وتعظيم لله -جل وعلا- وآية الكرسي هي آية التوحيد وبيان براهينه وحججه و دلائله وبيناته، وإذا قرأ المؤمن آية الكرسي إذا آوى إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

السلامة من كيد السحرة والمشعوذين

وبالتوحيد يسلم العبد بإذن الله من كيد الأشرار من السحرة والمشعوذين {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج38)، {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم47).

نيل الخيرات

وبالتوحيد ينال العبد الخيرات كلِّها وسعادة الدنيا والآخرة؛ فإن الله -جلّ وعلا- قضى في حكمه العظيم أنّ السعادة والنعيم إنما يكون لأهل الإيمان والتوحيد في دنياهم و في قبورهم و في أخراهم {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} (الانفطار13).


فتوحيد الله -جلّ وعلا- هو أولى أمر وأعظم أمر ينبغي أن يذكّر به الناس قال الله -تعالى-: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات55-56)، والعبد يحتاج إلى تقوية إيمانه وتجديد إسلامه وتقوية صلته بربِّه -جلّ وعلا- قال - صلى الله عليه وسلم-: «إن الإيمان ليَخْلَقُ فى جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب» وفي خضم الفتن الصارفة، والأهواء الجارفة، والفتن العاصفة يحتاج الناس إلى التأكيد على التوحيد، ويحتاج الصغار إلى أن ينشؤوا عليه تنشئة عظيمة متينة: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان13)، نسأل الله -جلّ و علا- أن يحيننا موحِّدين لله، مخلصين الدّين له، مؤمنين به -جل في علاه- معظمين لجنابه، وأن يعيذنا أجمعين من الشّرك كله دقيقه وجليله و قليله وكثيره.