لغة الحنان .. العملة المفقودة !




أميمة الجابر








كل اللغات تترجم بالقلم ، إلا لغة الرفق والحنان فلا يترجمها سوى القلب , فلست أظن أن هناك قلبا يخلو من صفة الحنان مهما بلغت قسوته , إلا أن يكون قلبا اسود خبيثا .

نعم قد تتفاوت درجات الحنان داخل القلوب , فمنها المقل ومنها المكثر، بل إن بعض الناس لديها الكثير من الحنان لكنهم لا يحسنون التعبير عنه بأى شكل من الأشكال .

فالحنان هو العملة التى لا يتداولها الناس , لكنهم جميعا في احتياج إليها , لذلك فإنها تعد من أغلي و أسمى العملات ... عملة نفتقدها في زمننا الحالي .

إنه هو اليد التى تربت على أكتافنا في منتصف الطريق , وهو الكلمة الرقيقة التي تداوى جروح قلوبنا في اوقات الانكسار , نجده في من يكفكف دمعاتنا عندما يغيب الجميع و لا يبقي سوى أهل الحنان المقربين .

لذا نجد الأسرة التى يغيب عنها الحنان قد غاب عنها كل شيء , بل لا ابالغ إذا قلت قد غابت عنها المشاعر الانسانية .

فيا ليت كل زوجين يتحلوا بهذه الصفة , فالحنان بين الزوجين من أهم العوامل التي توحد بين قلبي الزوجين فتظل علي حالة من التواصل المستمر .

وارقى صور تقديم الحنان لتصبح الاسرة هي الحضن الدافئ لكل أفرادها و الملجأ الأمين لهم هي الأسس التي أقامها ديننا الاسلامي العظيم ووضحها في العلاقة التي يجب أن تكون بين الزوجين كما في قوله تعال ( ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) الروم 21

فحنان الزوج علي زوجته هو البوابة الأولى للدخول إلي قلبها , يظهر باهتمامه بها في صحتها وفي مرضها , في شبابها و كبرها ، في صوابها وفي خطئها ..

ورغم أن الزوج قد يقوم بكل حقوقه الزوجية من النفقة و تأمين السكن , لكن ببعض السلوكيات السيئة البعيدة عن الحنان يترك بيتهما الحب والمودة و تمتد كل آثار ذلك علي جميع الأسرة ، ذلك عندما يغيب الزوج عن زوجته في الحوار أو التفقد أو المبادلة الرقيقة أو كلمات التقدير والرحمة ، فبالتدريج يفتقدا المودة و السكن النفسي ..


وقد يظهر حنان الزوجة علي زوجها عندما تقدر جهده الذي يبذله من أجلهم ، مخففة عنه تعبه بالكلمة الطيبة و الابتسامة الصادقة .

ويظهر عندما تأخذ بيده في الأزمات و المحن ووقت الضيق , محافظة علي نفسه وعرضه وماله وقت الرخاء و السعة ، وعندما تبعد عن كل ما يضايقه و تجتهد في البحث عن راحته .

وعندما يكون الأبوان هكذا , فهم أهم العوامل المؤثرة على أبنائهم ، إذ هم عالمهم المحيط بهم المؤثر عليهم بشكل مباشر .


وعندما تجف المشاعر بين الزوجين تنعكس علي الأبناء , رغم انهم يحبون أولادهم جدا لكنهم لا يستطيعون التعبير عن هذا الحب , مما يشعر الأبناء بفقدان الأمان .


فالأبناء يحتاجون لتيار عاطفي دافئ و جو أسرى ينعم بالألفة و المودة و المحبة و الحنان , ولن يتحقق هذا إلا بتبادل الاحترام بين الأفراد مع حرص الأبوين علي التواجد النفسي والواقعي بشكل كبير مع الأبناء .


و الحنان يظهر هنا في استخدام الرفق و اللين في التعامل معهم مع الحزم عند الضرورة فقط , وليعلم الأبوان أن الحزم المتكرر المتقارب لن يغير السلوك التربوى عند الأبناء , بل يزرع فجوة بينهم , فسلوك الابن لا يتغير بشكل متعجل , بل يلزمه الوقت مع الاستمرار ليؤتي ثماره .


و قد يبطن الأبوان الحنان داخلهم لدى الأبناء و يظهروه في صوره عكسية , ويظنون أن عزاءهم في ذلك كون هدفهم هو إصلاحهم .


و قد تدمر هذه الأساليب المستخدمة لإصلاحهم ثقتهم بأنفسهم كمقارنتهم مع إخوانهم و أصحابهم أو النقد و التوبيخ أو التهديد المستمر أو التخويف أو الصراخ , كل هذه السلوكيات تصدر من الأبوين ليست بفرض القسوة و لكن حبا و خوفا عليهم , لكن كل أساليب الضغط هذه لا تولد إلا جفاء و كرها و بعدا بين الآباء و الأبناء .


أما إذا كانت بينهم لغة حوار هادئة رقيقة حانية , فسيشعر الابن بمحبة والديه و حنانهم , و ستزيد طمأنينة و ستهدأ نفسه , سيستقر سلوكه و سيعتدل بمجرد أن لغة الحنان قد ترجمت بأسلوب طيب .

وكما يحتاج الأبناء الحنان من الآباء أيضا لا يقل الآباء احتياجا للحنان من ناحية الأبناء خاصة في كبرهم لقوله تعالي : (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما..الآيات )


والحنان لا يقتصر بين الآباء و الأبناء , و لكن يكون بين الأبناء بعضهم البعض فالكبير يعطف و يقدم الحنان لإخوته الصغار , و الصغير يرد الحنان له بالاحترام و الشكر .


فبالكلمة الطيبة و الابتسامة الرقيقة و احتواء كل منهما الآخر و الإيثار فيما بينهم و التخلق بالحلم و الصبر و عدم تصلب كل منهما لرأيه و مبادرة التسامح و العفو و الصفح , و مشاركة الأفراد بعضهم في الأفراح و الأحزان , كل هذه الأمور قد تبنى جسورا من الحنان يسير ون عليها تصل بهم إلي بر الأمان .