القرامطة و دولتهم (1)
القرامطة حركة باطنية هدامة، اعتمدت التنظيم السري
العسكري، ظاهرها التشيع لآل البيت والإنتساب إلى محمد بن
إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والشيوعية اللا سلمية الإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية .(1)
وكانت بداية ظهورهم في عام (278)هـ، في عهد الخليفة العباسي المعتضد أحمد بن الموفق طلحة (2) .
وقد اشتهروا في التاريخ بأربع جرائم كبرى هي مذبحة الحرم المكي و استيلاؤهم على الحجر الأسود ونقله للبحرين وبناء كعبة بالإحساء ووضعه بها واجبار الناس على الحج إليها .
وقد ملك القرامطة الأحساء والبحرين وعمان وبلاد الشام وحاولوا ملك مصر ففشلوا، واستمرت دولتهم حتى سنة (466)هـ حيث قضى عليها عبيد الله بن علي محمد عبد القيسي بمساعدة ملك شاه السلجوقي (3) .
يقول المؤرخ محمود شاكر في مقدمة كتابه عن فرقة القرامطة :
" إن القرامطة قد قاموا بحركاتهم في عدة مناطق تشابهت في بعض جوانبها وتباينت في أخرى، واجتمعت على شيء واحد في محاربة الإسلام وارتكاب الكبائر وهتك الأعراض وسفك الدماء والسطو على الأملاك، إرواء لأحقادهم الدفينة ضد الإسلام، وإشباعا لغرائزهم الحيوانية، ورغبة من زعمائهم في السيطرة والتسلط والتشفي، وإشباع كمائن النفوس.."ا.هـ (4)
وتقوم حركة القرامطة على غاية أساسية، وهي القضاء على الإسلام بعد تسلم الحكم والانتهاء من دولته، وهي بهذا لا تختلف عن بقية الثورات التي قامت في ذلك العصر مثل حركة الزنج والخرمية وما إلى ذلك من حركات، وكانت تمد هذه الحركات جميعها المجوسية المقنعة بالأفراد الذين يظهرون اعتناق الإسلام .
يقول أحمد الخطيب في كتابه الحركات الباطنية :
«وكل من تتبع تاريخ هذه الحركة في فتنها وإرهابها، لا بد – إذا أراد الحق- أن يقول أن هذه الحركة ما ظهرت إلا من أجل شيء واحد محدد، هو محاربة الإسلام بكل الوسائل؛ بارتكاب الكبائر وهتك الأعراض وسفك الدماء بلا حدود والسطو على الأموال والأملاك وتحليل المحرمات، إرواء لأحقادهم الدفينة ضد الإسلام وإشباعا لغرائزهم الحيوانية».( 5)
وقد سميت القرامطة بهذا الإسم نسبة إلى حمدان قرمط بن الأشعث الذي نشرها في سواد الكوفة سنة 278هـ.
و حمدان هذا يعود في أصله إلى خوزستان، وقد عرف في سواد الكوفة حوالي عام 258هـ، وكان يظهر الزهد والتقشف في أول عهده، فاستمال إليه بعض الناس، وقد لقب بـ(قرمط) لقصر كان فيه .. مماجعله ناقما على كل ماحوله كما يقول الأستاذ محمود شاكر ..
وقد التقى مرة بأحد دعاة التشيع وهو (حسين الأهوازي) ، فاجتمع به وهو في طريقه من السلمية في بلاد الشام إلى سواد الكوفة، وذلك حوالي عام 265هـ، ..
ولم يلبث أن أصبح (قرمط) من أتباع (حسين)، إذ كان حسين بدعوته ينتقد العباسيين ويتذمر من وضعهم، فلقي هذا مكانا في قلب (حمدان)، وعندما مات (حسين) أصبح (حمدان) القائم بالأمر مكانه، بناء على عهد منه، حيث ترقى (قرمط) في درجات الدعوة الإسماعيلية بسرعة فائقة نتيجة جده ونشاطه.. (6)
ويقول أحمد جلي في كتابه دراسات في الفرق :
«ولما توفي الداعي الإسماعيلي (*حسين ) تولى الأمر من بعده حمدان قرمط فأظهر نشاطا في الدعوة وحماسا لها، واستطاع أن يجمع حوله الكثير من الأتباع، واتخذ مركزا خارج الكوفة أسماه "دار الهجرة" جعله مقرا لأتباعه ومنطلقا لدعوتهم، وكان يجبي الأموال والضرائب من أتباعه، ويغوي الضعفاء بمساعدتهم وبذل المال لهم وإشاعة المؤاخاة بينهم». (7)
وقد بعث حمدان بأبي سعيد الجنابي إلى بلاد البحرين لنشر الدعوة هناك ، كما انتشرت الدعوة في اليمن والمغرب ووسط وشمال فارس.
يرجع اصل الإسماعيلية عندما بايع فريق من الشيعة محمد بن إسماعيل إماما لهم، ونتيجة لملاحقة الدولة العباسية له اضطر للخروج من الحجاز واختفى لتبدأ حملة سرية وواسعة لنشر العقيدة الإسماعيلية.
وكانت الدعوة تجري باسم محمد بن إسماعيل الغائب والذي قيل إنه هو المهدي المنتظر وعند عودته سوف تملأ الأرض عدلا.
وقد مثّلت الإسماعيلية في الفترة من منتصف القرن التاسع ي نحو850م حتى عام 899 م حركة موحدة تدعو إلى محمد بن إسماعيل على أنه إمام غائب سيعود وكانت القيادة المركزية للدعوة تقيم في سلمية بسورية وكانت هوية القادة المركزيين سرية.
وفي عام 899م أعلن عبيد الله المهدي -الخليفة الفاطمي فيما بعد- بأنه إمام وأنه يتناسل من سلالة محمد بن إسماعيل وأعلن أنه المهدي المنتظر ..وأنه الإمام الحادي عشر للمسلمين وأمر جميع الدعاة في مختلف الأمصار بإعلان ذلك ونشر الدعوة باسمه الخاص بدلا من مهدية محمد بن إسماعيل.(
إلا أن الإسماعيلية في العراق والبحرين وخراسان رفضوا الاعتراف بإمامة عبيد الله وكان على رأسهم حمدان قرمط هذا وواصلوا تمسّكهم بأيمانهم الأصلي بشأن مهدية محمد بن إسماعيل ليقيموا سنة 899 م دولة في البحرين ويعلنوا عن قطع علاقتهم بعبيد الله فعرفوا فيما بعد بالقرامطة.(9)
ويعتبر أبو طاهر الجنابي هو المؤسس الفعلي لدولة القرامطة
(توفي سنة 332 هـ / 944 م)ملك البحرين، وزعيم القرامطة.وهو سليمان إبن أبي سعيد الجنابي الحسن بن بهرام الجنابي الهجري، القرمطي، (10)
نسبته إلى «جنابة» من بلاد فارس. اشتهر بغارة شنها على مكة يوم التروية سنة 317 هـ والناس محرمون، ونهب أموال الحجاج وقتل منهم الكثير، قيل بلغ قتلاه في مكة نحو ثلاثين ألفا. وكان يصيح على عتبة الكعبة:
أنا بالله، وبالله أنا يخلق الخلق، وأفنيهم أنا
واقتلع الحجر الأسود وأرسله إلى هجر مكث فيها عشرون سنة حتى أعاده أبو محمد شنبر بن الحسن إلى موضعه، بعدما بعث إليه أمير الدولة الفاطمية يأمره بإعادة الحجر الأسود إلى مكانه. (11)
عرّى البيت الحرام وأخذ بابه وردم زمزم بالقتلى. وعاد إلى هجر ومات فيها كهلا بالجدري. (12)
يقول عنه ابن خلدون في كتاب "العبر وديوان المبتدأ والخبر" :
"وفي سنة سبع عشرة هجم على مكة، وقتل كثيرًا من الحجاج ومن أهلها، ونهب أموالهم جميعًا، وقلع باب البيت والميزاب، وقسم كسوة البيت في أصحابه، واقتلع الحجر الأسود وانصرف به، وأراد أن يجعل الحج عنده،...
وكتب إليه عبيدالله المهدي من القيروان يوبخه على ذلك ويتهدده، فكتب إليه بالعجز عن رده من الناس، ووعد برد الحجر، فرده سنة تسع وثلاثين، بعد أن خاطبه منصور بن إسماعيل من القيروان في رده فردوه، وقد كان بجكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفًا من الذهب على أن يردوه، فأبوا وزعموا أنهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيدالله، وإنما يردونه بأمره وأمر خليفته ...
وأقام أبو طاهر بالبحرين، وهو يتعاهد العراق والشام بالغزو، حتى ضربت له الإتاوة ببغداد وبدمشق على بني طنج، ثم هلك أبو طاهر سنة اثنتين وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه، ...
ومات عن عشرة من الولد، كبيرهم سابور، وولي أخوه الأكبر أحمد بن الحسن، واختلف بعض العقدانية عليه، ومالوا إلى ولاية سابور بن أبي طاهر، وكاتبوا القائم في ذلك، فجاء جوابه بولاية الأخ أحمد، وأن يكون الولد سابور ولي عهده، فاستقى أحمد في الولاية عليهم، وكنوه أبا منصور، وهو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه. ...(13)
ويقول عنه الإمام الذهبي في السير :
القرمطي عدو الله ملك البحرين أبو طاهر ، سليمان بن حسن ، القرمطي الجنابي الأعرابي الزنديق .
الذي سار إلى مكة في سبعمائة فارس ، فاستباح الحجيج كلهم في الحرم ، واقتلع الحجر الأسود ، وردم زمزم بالقتلى ، وصعد على عتبة الكعبة ، يصيح :
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا !
فقتل في سكك مكة وما حولها زهاء ثلاثين ألفا ، وسبى الذرية ، وأقام بالحرم ستة أيام .
بذل السيف في سابع ذي الحجة ، ولم يعرف أحد تلك السنة فلله الأمر . وقتل أمير مكة ابن محارب ، وعرى البيت ، وأخذ بابه ، ورجع إلى بلاد هجر . (14)
-------------------------------------------------------------------
*أصل الحكاية
الإسماعيلية فرقة باطنية، انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، ظاهرها التشيع لآل البيت، وحقيقتها هدم عقائد الإسلام، تشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر، وحقيقتها تخالف العقائد الإسلامية الصحيحة، وقد مالت إلى الغلوِّ الشديد لدرجة أن الشيعة الاثني عشرية يكفِّرون أعضاءَهَا
*الفرق الإسماعيلية
ظهر التفرق في طائفة الإسماعيلية كسائر فرق الشيعة منذ نشأتها حيث نجد هذه المصطلحات والأسماء الآتية في كتب الفرق وكلها تدل على فرق عديدة وانشقاقات في داخل فرقة الإسماعيلية وهذه طبيعة السبل التي نهانا الله عنها وحذرنا من أتباعها كما قال تعالى وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ الأنعام: 153]،.. ( 15)
وهذه الفرق حسب أسمائها في كتب المقالات على النحو الآتي :
*1ـ الإسماعيلية الخالصة
*2ـ الإسماعيلية المباركية أو الإسماعيلية الثانية
*3ـ فرقة القرامطة
*4ـ فرقة الدروز
*5ـ الإسماعيلية المستعلية ( الطيبية الداودية والسليمانية - والبهرة )
*6- الإسماعيلية النزارية ( الحشاشون ) .. (15)
سنتحدث إن شاء الله عن هذه الفرق باختصار و نكمل حديثنا عن القرامطة و علاقتهم بالعبيديين الفاطمين في الفقرات القادمة ان شاء الله .
--------------------------------------------------------------------
(1)* الموسوعة الميسرة
(2)(الكامل في التاريخ)) لـ/ابن الأثير (6/ 363)
(3)انظر ((وجاء دور المجوس)) (1/ 70، 71) لـ /عبد الله محمد الغريب. "علمًا بأن القضاء على القرامطة من الناحية العقائدية، فقد اختلطت بفرق باطنية كالنصيرية والدرزية ولا تزال بعض هذه الأفكار موجودة إلى الآن في بعض بلاد الشام وإيران والهند والقطيف ونجران".
(4) القرامطة- محمود شاكر – المكتب الإسلامي/بيروت- الطبعة الأولى/1979
(5)الحركات الباطنية الخطيب -ص: 167
(6) الفرق بين الفرق للبغدادي - ص: 290
(7) دراسات في الفرق-ص:229-
(8) خرافات الحشاشين وأساطير الإسماعيليين/فرهاد دفتري/ص 36 - 38
(9)نفس المصدر/ص 39
(10)معجم التاريخ الإسماعيلي فرهاد دفتري ترجمة سيف الدين القصير ص١١٧ ط.بيروت.
(11)الأخبار عما في الإحساء من التراث و الآثار خالد فوزان ص131
(12) الاعلام للزركلى ص123 ط بيروت
(13)انظر تاريخ ابن خلدون ج4 ص 191 - 192.
(14) سير أعلام النبلاء جزء 15 ص 320-321 نسخة الموسوعة اسلام ويب .
(15) انظر الدرر السنية موسوعة الفرق الباب الثالث عشر
منقولة هذه السلسلة من صفحة جواهر التاريخ على الفيس بوك