"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (99)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الرعد": (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا)

القول الراجح أن المراد بقوله: (ييأس) هو اليأس المعروف.
والمعنى ألم ييأسوا من إيمان هؤلاء الكفار بعد كل ما رأوا من الآيات, ويعلموا أن الأمر بيد الله لو يشاء لهدى الناس جميعاً.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (ييأس) على قولين:

القول الأول: أنها بمعنى يعلم ويتبين, وإنما استعمل لفظ اليأس بمعنى العلم لأن العلم بأن الشيء لا يكون يوجب اليأس من حصوله.

قال سحيم بن وثيل الرياحي:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وقال رباح بن عدي:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
(رجح هذا القول ابن جرير*) (وذكره الماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*).

وقيل: إنها لغة لهوازن, وقيل: لغة لحي من النخع. (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*).
وهذا القول فيه بعد ظاهر.

قال ابن جرير: "كان بعض الكوفيين ينكر ذلك، ويذكر أنه لم يسمع أحداً من العرب يقول: "يئست" بمعنى: "علمت".

قال ابن عاشور: "وقد قيل: إن استعمال يئس بمعنى علم لغة هوازن وليس هنالك ما يلجئ إلى هذا".

القول الثاني: أن المراد بقوله: (ييأس) هو اليأس المعروف.
والمعنى ألم ييأسوا من إيمان هؤلاء الكفار بعد كل ما رأوا من الآيات, ويعلموا أن الأمر بيد الله لو يشاء لهدى الناس جميعاً.
(ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)

وهذا هو القول الراجح, والله أعلم.
ويؤيده سياق الآيات فإنه تعالى قال: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) يعنى لما آمنوا مع كل هذه الدلائل العظمى, ثم قال: (بل لله الأمر جميعاً).
ثم قال: {أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً}
يعني: أفلم ييأسوا من إيمانهم ما دام الآمر كذلك, ومع يأسهم يعلموا ويتيقنوا أن الأمر بيد الله ولو شاء لهدى الناس جميعاً.

قال ابن عاشور: "يجوز أن يكون متعلق {يَيْأَسِ} محذوفاً دل عليه المقام. تقديره: من إيمان هؤلاء، ويكون {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ} مجرورا بلام تعليل محذوفة. والتقدير: لأنه لو يشاء الله لهدى الناس"
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/