بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة مختصرة في الفرق بين الإعجاز والتفسير العلميين:

قد يخلط البعض بين مسمى الإعجاز العلمي والتفسير العلمي، والحق أنهما مختلفان، فالإعجاز العلمي ليس مذموما بل يحمد على الإطلاق، فهو من أكبر البراهين على أن القرآن الكريم منزل من عليم خبير ولا يمكن أن يكون من تأليف بشر، فكون القرآن الكريم يخبر عن حقائق علمية عظيمة سواء تعلقت بالآفاق أو الأنفس ثم يأتي العلم الحديث ليكتشف ما أخبر به القرآن قبل قرون من الزمان فيذعن له بالتسليم المطلق دون أن يجد ما يعارضه فيه ولو قيد أنملة، كل هذا يجعل طالب الحق يعتقد أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم ولا غيره من البشر، بل هو منزل ممن علم ما كان وعلم ما يكون بل علم ما لم يكن كيف لو كان يكون.

أما التفسير العلمي فهذا هو الذي منه المذموم الممنوع ومنه الممدوح المقبول
وهو التفسير الذي يفسر كلام الله بحسب المصطلحات العلمية ويربط بين الآيات القرآنية والاكتشافات العلمية، لإبراز إعجاز القرآن الكريم وأنه صالح .لكل زمان ومكان.
فمثلا إذا فسرنا الآيات التي ذكرت أطوار خلق الإنسان وربطنا هذا التفسير بما توصل له العلمي التجربي في هذا المجال فقد فسرنا تفسيرا علميا.

ومن أهم شروط قبول التفسير العلمي أن يعتمد الحقائق العلمية التي صارت قطعية لا شك في ثبوتها.
أما أن يعتمد المفسر على أمور ظنية وأشياء هي من قبيل المتغيرات التي يمكن تغيرها في أي وقت بحسب تتطور العلم فهذا لا يجوز ويجعل التفسير من قبيل المذموم، لأنه يجعل القرآن الكريم عرضة للتناقض والتعارض وهو كلام الله الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)، (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا).
ومن ذلك كذلك ألا يخالف التفسير النظم القرآني أو السياق القرآني فإن خالفه رد ولم يقبل.

إذا فليس لنا أن نقلل من شأن التفسير العلمي المضبوط فإنه يبرز حقيقة القرآن الكريم وأنه كلام معجز كما أن هذا التفسير يمكن اعتماده في هداية الأجانب الذين يؤمنون بالحقائق العلمية وكم وكم أسلم من الغرب بعد إخبارهم أن القرآن الكريم قد نطق بما توصل إليه العلم الحديث أكثر من أربعة عشر قرنا خلت.
لكن بالمقابل لا يجوز الإفراط فيه أو في استعماله، فالقرآن قبل كل شيء كتاب هداية وبيان نزل لإصلاح البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور.
وللأسف هناك من يعارض مسمى الإعجاز العلمي ومسمى التفسير العلمي ويعتبرهما دخيلا على القرآن الكريم وعلومه وتفسيره.
وهذا قول باطل.
فالإعجاز العلمي لا يمكن أن ينكره إلا شخص لا يعلم أصلا ما معنى الإعجاز العلمي، كما قال تعالى في قوم :" بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ...".
والإعجاز أصل قائم بنفسه فالقرآن معجز من عدة وجوه:
معجز بفصاحته وبلاغته، معجز بنظمه العجيب، معجز بإيجازه حيث يوجز الكلام في كلمات بشكل لا يقدر عليه بشر، معجز بإخباره بالغيب الماضي وكذا بالغيب المستقبل، معجز بأن سامعه لا يمله على كثرة الترداد وكذا قارئه لا يمجه ولو قرأه مئات بل آلاف المرات وكذلك هو معجز بإخباره بأمور علمية في وقت يستحيل اكتشافها أو الوقوف عليها.
فهذه وغيرها من وجوه إعجاز القرآن الكريم.
فالإعجاز العلمي في القرآن ليس إلا وجها من وجوه إعجازه.

كما أن التفسير العلمي ليس إلا نوعا من أنواع التفاسير المتعددة كالتفسير الفقهي والتفسير الأدبي والتفسير الإشاري وغيرها من ضروب التفاسير، وهو تفسير كما أسلفت منه المقبول ومنه المرفوض، بحسب توفره على الشروط التي سطرها العلماء في هذا الباب.