تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 149

الموضوع: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة آل عمران
    من صــ 325 الى صـ 329
    الحلقة (61)

    35 - قال اللَّه تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)
    * سَبَبُ النُّزُولِ:

    أخرج أبو داود والترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: نزلت هذه الآية (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) في قطيفة حمراء فُقدت يوم بدر، فقال بعض الناس لعل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخذها، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) إلى آخر الآية.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، لكن منهم من تعقبه كالطبري وابن عاشور ومنهم من سكت عنه وهم الباقون.
    وقد قال الطبري معقبا: (وما كان لنبي أن يغل) بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء ولا يكون نبيا من غل، وإنما اخترنا ذلك لأن الله - عز وجل - أوعد عقيب قوله: (وما كان لنبي أن يغل) أهل الغلول، فقال: (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ... ) الآية والتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: (وما كان لنبي أن يغل) لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتهموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغلول لعقب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بين، أنه إنما عرف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأن ذلك جرم عظيم والأنبياء لا تأتي مثله).
    وقد أجاد وأفاد الطاهر بن عاشور حين أشار إلى أن هذا الحديث لا يصح أن يكون سببا لنزول الآية إذ كيف تفقد القطيفة يوم بدر ولا تنزل الآية لأجل هذا إلا يوم أحد مع أن بين الغزوتين سنة وشهرا إذ كانت بدر في رمضان من السنة الثانية، وأحد في شوال من الثالثة، والآية إنما جاءت في سياق الحديث عن غزوة أحد، فهل يمكن أن يتأخر الجواب عن الحدث هذه المدة؟ هذا ما لم يقع والعلم عند الله تعالى.
    فإن قال قائل: إن فقد القطيفة إنما كان يوم أحد فنزلت الآية جوابا لهذا.
    فالجواب: أن هذا لا يستقيم أيضا لأن غزوة أحد لم يقع فيها غلول ولم يكن للمسلمين فيها غنيمة. اهـ بتصرف.
    وهذا القول هو الراجح ويعضده من جهة السند أنه مضطرب، فهاتان علتان في المتن والإسناد.

    * النتيجة:

    أن هذا الحديث المذكور لا يصح أن يكون سببا لنزول الآية الكريمة لما تقدم فإما أن تكون الآية لم تنزل على سبب أصلا، أو كان لها سبب لا يندرج ضمن نطاق البحث فالله أعلم.
    * * * * *

    36 - قال الله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير (165)
    * سبب النزول:

    أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - القبلة، ثم مد يديه، وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: (اللهم أين ما وعدتني؟ اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا) قال:
    فما زال يستغيث ربه - عز وجل -، ويدعوه حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فرداه ثم التزمه من ورائه ثم قال: يا نبي الله، كذاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك وأنزل الله - عز وجل -: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).
    فلما كان يومئذ والتقوا فهزم الله - عز وجل - المشركين فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا فاستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعليا وعمر فقال أبو بكر: يا نبي الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم فيكونون لنا عضدا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
    (ما ترى يا ابن الخطاب؟) قال: قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريبا لعمر - فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان، أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد، قال عمر: غدوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو قاعد وأبو بكر وإذا هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال
    : فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الذي عرض علي أصحابك من الفداء، لقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة) - لشجرة قريبة - وأنزل الله - عز وجل -: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) إلى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم) من الفداء ثم أحل لهم الغنائم فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فقتل منهم سبعون، وفر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه، وسأل الدم على وجهه وأنزل الله تعالى: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير) بأخذكم الفداء.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة آل عمران
    من صــ 330 الى صـ 334
    الحلقة (62)

    * دراسة السبب:

    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد ابن كثير - رحمه الله - هذا في تفسيره لكنه لم يتعقبه.
    والصحيح والله أعلم أن هذا لا يصح سببا لنزول الآية الكريمة، لأمرين:
    الأول: أنه قد تبين أن هذه الزيادة في قصة أحد مما انفرد بها عبد الرحمن بن غزوان الملقب (بقراد) وخالف فيها الثقات فهي شاذة لا تصح.
    الثاني: قوله: فلما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء، فيقال: سبحان الله وهل يمكن أن يؤاخذ الله أحدا بذنب قد عفا عنه وغفر لصاحبه؟ فإن قيل: وكيف كان هذا؟
    فالجواب: ما أنزله الله تعالى في سورة الأنفال في قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم (67) لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68) فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم (69). فانظر قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم (68). فالكتاب الذي سبق من الله منع من عذابهم وحال دونه.
    وانظر قوله: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) فقد أحل ذلك لهم وأذن لهم فيه، وختم ذلك بالمغفرة والرحمة. فهل يصح أن يقال بعد ذلك إن ما أصابكم يوم أحد عقوبة على أخذكم الفداء يوم بدر؟
    * النتيجة:
    أن ما ذكر هنا واعتبر سببا لنزول الآية لا يصح لشذوذ الزيادة وخلو الأحاديث الصحيحة منها مع ما فيها من مخالفة سياق القرآن، والآية إنما نزلت تتحدث عن قصة أحد وما جرى فيها من هزيمة المسلمين وأسباب ذلك ودواعيه ...
    * * * * *

    37 - قال الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج الإمام أحمد وأبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله - عز وجل - أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله - عز وجل -: (أنا أبلغهم عنكم) فأنزل الله - عز وجل - هؤلاء الآيات على رسوله: (ولا تحسبن الذين قتلوا).
    2 - أخرج الترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: (يا جابر ما لي أراك منكسرا)؟ قلت: يا رسول الله استشهد أبي، وترك عيالا ودينا، قال: (أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك)؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: (ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك فكلمه كفاحا. فقال: يا عبدي تمن عليك أعطك. قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية. قال الرب - عز وجل -: إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون وأنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذين السببين وغيرهما وجعلوها سببا لنزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
    قال ابن عطية بعد أن ساق الأسباب المذكورة في نزول الآية: (كثرت الأحاديث في هذا المعنى واختلفت الروايات، وجميع ذلك جائز على ما اقتضته من هذه المعاني) اهـ.
    وقال القرطبي بعد ذكر الأسباب: (وبالجملة وإن كان يحتمل أن يكون النزول بسبب المجموع فقد أخبر الله تعالى فيها عن الشهداء أنهم أحياء في الجنة يرزقون ولا محالة أنهم ماتوا وأن أجسادهم في التراب وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين، وفضلوا بالرزق في الجنة من وقت القتل حتى كأن حياة الدنيا دائمة لهم) اهـ.
    والظاهر والله تعالى أعلم أن حديث جابر في قصة والده عبد الله بن عمرو بن حرام لا تصح سببا لنزول الآية:

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة آل عمران
    من صــ 335 الى صـ 339
    الحلقة (63)

    أولا: لما تبين من لا اعتلال إسناده وضعفه.

    ثانيا: أن سياق الآيات لا يعين على ذلك لأن الله يتحدث عن هؤلاء الشهداء بصيغة الجمع فقال: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون (169) فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (170) يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين (171). وهذا يصدق على الجماعة دون الواحد، فضمائر الجمع كثيرة في الآيات المتقدمة مما يبعد إرادة الواحد.
    أما حديث ابن عباس: فهو وإن كان فيه انقطاع بين أبي الزبير وابن عباس إلا أنه مؤيد بما روى مسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وبما روى عبد الرزاق بإسناد صحيح إلى ابن عباس موقوفا عليه.
    وسياق الآيات يدل على ذلك فإن الشهداء في حديث ابن عباس قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ... ) مرغبا لهم في الجهاد مبينا لهم عاقبته وأثره مخبرا لهم عن حياة وسعادة من ماتوا عليه، بخلاف حديث عبد الله بن حرام الذي ليس فيه إلا سؤاله أن يعيده الله ثانية لأجل الجهاد، على أن هذا لا يمنع أن يكون عبد الله بن حرام أحد الشهداء الذين نزلت فيهم الآية بل هو منهم - رضي الله عنهم - جميعا.
    * النتيجة:
    أن حديث جابر - رضي الله عنه - ليس سببا لنزول الآية لما في سنده من الضعف وعدم موافقته لسياق الآيات، أما حديث ابن عباس فهو وإن تكلم في سنده إلا أن له شواهد تجبره ومع هذا فلفظ الآيات يوافقه وأقوال المفسرين تؤيده والله أعلم.
    * * * * *

    38 - قال الله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (172)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما انصرف المشركون عن أحد وبلغوا. الروحاء قالوا لا محمدا قتلتموه ولا الكواعب أردفتم وبئس ما صنعتم ارجعوا، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فندب الناس، فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد وبئر أبي عتبة فأنزل الله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) وقد كان أبو سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة فلم يجدوا بها أحدا وتسوقوا فأنزل الله تعالى:(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).
    2 - وأخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم). قالت لعروة: يا ابن أختي، كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب يوم أحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم) فانتدب منهم سبعون رجلا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير.

    * دراسة السبب:

    هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون ما تقدم وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم، وحجتهم في ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - المتقدم عند البخاري.
    قال الطبري: (إنما عنى الله تعالى ذكره بذلك الذين اتبعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد في طلب العدو أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش منصرفهم عن أحد وذلك أن أبا سفيان لما انصرف عن أحد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أثره حتى بلغ حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة ليرى الناس أن به وأصحابه قوة على عدوهم). اهـ.
    وقال ابن عطية: (والمستجيبون لله والرسول هم الذين خرجوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد في طلب قريش وانتظارهم لهم وذلك أنه لما كان في يوم الأحد وهو الثاني من يوم أحد نادى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس باتباع المشركين وقال: لا يخرج معنا إلا من شاهدنا بالأمس وكانت بالناس جراحة وقرح عظيم ولكن تجلدوا ... إلى أن قال فأنزل الله تعالى في شأن أولئك المستجيبين هذه الآية ومدحهم لصبرهم) اهـ بتصرف.
    ومما يؤيد القول بأنها نزلت في هذه القصة قول الحافظ ابن حجر - رحمه الله - عند شرحه لحديث عائشة حيث قال: (قوله باب: (الذين استجابوا لله والرسول) أي سبب نزولها وأنها تتعلق بأحد) اهـ.
    أما ما أخرجه النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فقد تقدم أن الصحيح فيه أنه من مرسل عكرمة لكنه يعتضد ويقوى بحديث عائشة.
    وإذا نظرت في حديث عائشة وصحة سنده وضممت إليه حديث ابن عباس وما فيه من التصريح بنزول الآية وجمعت الحديثين إلى سياق القرآن تبين لك أن سبب نزولها ما جرى من استجابة الصحابة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في اتباع المشركين من بعد ما أصابهم القرح وعلى هذا جرى المفسرون.
    أما سبب نزول قوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء .. ) الآية فستأتي دراسته إن شاء الله تعالى في النص الذي يليه.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة ثناء الله سبحانه على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أجابوه لما ندبهم للحاق المشركين مع ما فيهم من الجراح والآلام إظهارا للجلد والقوة وإرهابا لأعداء الله وذلك لدلالة سياق القرآن، واتفاق المفسرين، مع ما في الحديثين مجتمعين من صحة السند والتصريح بالنزول والله أعلم.
    * * * * *

    39 - قال الله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174)
    * سبب النزول:

    أخرج النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما انصرف المشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قالوا: لا محمدا قتلتموه ولا الكواعب أردفتم وبئس ما صنعتم، ارجعوا فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد وبنو أبي عتبة فأنزل الله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) وقد كان أبو سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع، فأخذ أهبة القتال والتجارة فلم يجدوا بها أحدا وتسوقوا فأنزل الله تعالى: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء).

    * دراسة السبب:

    هكذا جاء عن عكرمة في سبب نزول قوله تعالى: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) .. الآية وبهذا قال مجاهد أيضا، لكن هذا مخالف لقول جمهور المفسرين وغيرهم من العلماء ولهذا قال ابن عطية: (وشذ مجاهد - رحمه الله - فقال: إن هذه الآية من قوله: (الذين قال لهم الناس) إلى قوله (فضل عظيم) إنما نزلت في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر الصغرى، وذلك أنه خرج لميعاد أبي سفيان في أحد إذ قال: موعدنا بدر من العام المقبل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قولوا: نعم. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بدر وكان بها سوق عظيم، فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه دراهم وقرب من بدر فجاءه نعيم بن مسعود الأشجعي فأخبره أن قريشا قد اجتمعت وأقبلت لحربه هي ومن انضاف إليها، فأشفق المسلمون من ذلك لكنهم قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وصمموا حتى أتوا بدرا فلم يجدوا عدوا ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أدما وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيدا وربحوا في تجارتهم فذلك قوله تعالى: (بنعمة من الله وفضل) أي فضل في تلك التجارة، والصواب ما قاله الجمهور أن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد) اهـ.
    وقال القرطبي: (وشذ مجاهد وعكرمة رحمهما الله تعالى فقالا: إن هذه الآية من قوله: (الذين قال لهم الناس) إلى قوله (عظيم) إنما نزلت في خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر الصغرى) ثم ذكر ما تقدم عن ابن عطية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة آل عمران
    من صــ 340 الى صـ 344
    الحلقة (64)


    وقد ساق ابن القيم - رحمه الله - ما جرى سياقا جميلا مرتبا فقال: (ولما انقضت الحرب انكفأ المشركون، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لإحراز الذراري والأموال فشق ذلك عليهم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه -: (اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون، فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأناجزنهم فيها). قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل، وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة، ولما عزموا على الرجوع إلى مكة أشرف على المسلمين أبو سفيان، ثم ناداهم: موعدكبم الموسم ببدر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (قولوا نعم قد فعلنا) قال أبو سفيان: (فذلكم الموعد) ثم انصرف هو وأصحابه فلما كان في بعض الطريق، تلاوموا فيما بينهم، وقال بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنادى في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم وقال:
    (لا يخرج معنا إلا من شهد القتال) فقال له عبد الله بن أبي: أركب معك؟ قال: (لا) فاستجاب له المسلمون على ما بهم من القرح الشديد والخوف، وقالوا: سمعا وطاعة. واستأذنه جابر بن عبد الله وقال: يا رسول الله إني أحب ألا تشهد مشهدا إلا كنت معك وإنما خلفني أبي على بناته فأذن لي أسير معك فأذن له فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد) وأقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم فأمره أن يلحق بأبي سفيان فيخذله، فلحقه بالروحاء ولم يعلم بإسلامه، فقال: ما وراءك يا معبد؟ فقال: محمد وأصحابه، قد تحرقوا عليكم وخرجوا في جمع لم يخرجوا في مثله. وقد ندم من كان تخلف عنهم من أصحابهم، فقال: ما تقول؟ فقال: ما أرى أن ترتحل حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة. فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم.
    قال: فلا تفعل، فإني لك ناصح، فرجعوا على أعقابهم إلى مكة، ولقي أبو سفيان بعض المشركين يريد المدينة، فقال: هل لك أن تبلغ محمدا رسالة، وأوقر لك راحلتك زبيبا إذا أتيت إلى مكة؟ قال: نعم. قال: أبلغ محمدا أنا قد أجمعنا الكرة لنستأصله ونستأصل أصحابه، فلما بلغهم قوله قالوا: (حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (174).
    فتبين بما ذكره ابن عطية والقرطبي، شذوذ ما ذكراه عن مجاهد وعكرمة رحمهما الله تعالى، من أن السبب خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بدر الصغرى.
    وتبين بما ذكره ابن القيم أن ذلك حصل عند خروجهم إلى حمراء الأسد، وإن كان قد ذكر أن أبا سفيان قد ناداهم فقال: موعدكم الموسم ببدر، وهو ما ذكره عكرمة أيضا في الحديث الذي معنا، لكن عكرمة جعله سبب النزول، وابن القيم وغيره جعلوه موعدا، وسبب النزول خروجهم إلى حمراء الأسد. والله أعلم.
    فإن قيل: ما الدليل الصحيح على هذا الترجيح؟
    فالجواب: أن الدليل ما تقدم في حديث عائشة عند البخاري في استجابتهم لله والرسول وسياق الآيات واحد لا يختلف في خروجهم ثم تخويفهم ثم توكلهم على الله ثم انقلابهم بالنعمة والفضل.
    * النتيجة:
    أن الآية الكريمة نزلت لما استجابوا وخرجوا للقتال بعد تحذيرهم وتخويفهم منه فلم يفت ذلك في عزيمتهم بل زادهم إيمانا بتوكلهم على الله وكانت العاقبة السارة لهم حيث انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء بل واتبعوا رضوان الله والله عظيم الفضل والإحسان حيث قادهم إلى مواقع فضله ورحمته في خروجهم إلى حمراء الأسد، وإنما اخترت هذا لدلالة السياق القرآني عليه والموافقة بين تاريخ النزول وزمن القصة. والله أعلم.
    * * * * *

    40 - قال الله تعالى: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور (186)
    * سبب النزول:

    أخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه، وكان أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وكان كعب بن الأشرف يهجو النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحرض عليه كفار قريش، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون والمشركون يعبدون الأوثان واليهود، وكانوا يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فأمر الله - عز وجل - نبيه بالصبر والعفو، ففيهم أنزل الله:
    (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم)، فلما أبى كعب بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ أن يبعث رهطا يقتلونه، فبعث محمد بن مسلمة وذكر قصة قتله، فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون، فغدوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: طرق صاحبنا فقتل فذكر لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقول ودعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا ينتهون إلى ما فيه، فكتب النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة آل عمران
    من صــ 345 الى صـ 349
    الحلقة (65)


    * دراسة السبب:

    هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد المفسرون هذا الحديث وجعلوه من أسباب نزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي، وغيرهم.
    وقد ذكر المفسرون أيضا في نزولها قصة أبي بكر - رضي الله عنه - مع فنحاص اليهودي وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا بكر الصديق إلى فنحاص يستمده، وكتب إليه بكتاب، وقال لأبي بكر: (لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع) فجاء أبو بكر وهو متوشح بالسيف، فأعطاه الكتاب، فلما قرأه قال: قد احتاج ربكم أن نمده، فهم أبو بكر أن يضربه بالسيف ثم ذكر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تفتاتن علي بشيء حتى ترجع، فكف ونزلت: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله .. ) إلى قوله: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم).
    وقد تبين من دراسة الإسنادين أن حديث كعب بن الأشرف مرسل، وحديث فنحاص اليهودي في قصة أبي بكر فيه انقطاع وإرسال، وبهذا يسقط الاحتجاج بهما على السببية وربما كان هذا هو السبب في إعراض ابن كثير - رحمه الله - عن هذين الحديثين حيث لم يذكرهما مع أنه شديد العناية بالروايات وأسانيدها، ولعل مما يعين على هذا الظن ويومئ إليه قوله - رحمه الله - عند هذه الآية: (يقول تعالى للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر مسليا لهم عما ينالهم من الأذى من أهل الكتاب والمشركين وآمرا لهم بالصفح والصبر والعفو حتى يفرج الله فقال تعالى:
    (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) ثم ساق حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - حين أردفه في عيادته لسعد بن عبادة فذكر الحديث إلى أن قال: فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقا، فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله، فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك. فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون، فلم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا فذكر الحديث ... إلى أن قال:
    وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى، قال الله - عز وجل -: (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا) وقال الله: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم)، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرا فقتل الله به صناديد كفار قريش قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان هذا أمر قد توجه فبايعوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام فأسلموا) فربما أراد ابن كثير - رحمه الله - بسياق هذا الحديث التنبيه إلى أنه سبب نزول الآية والله أعلم.

    * النتيجة:

    أن الأسباب المذكورة لنزول الآية الكريمة قد تبين ضعفها وعدم حجيتها ولا أعلم سببا صحيحا يمكن أن أسطره بين يدي القارئ، وأما حديث أسامة بن زيد فإن سياقه يتفق ولفظ الآية كثيرا لكني لا أجزم بأنه سبب نزولها لعدم الدليل على ذلك والعلم عند الله تعالى.
    * * * * *

    41 - قال الله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم (188)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري، والترمذي والنسائي أن مروان قال: اذهب يا رافع - لبوابه - إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل، معذبا لنعذبن أجمعون. فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عباس: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه). هذه الآية. وتلا ابن عباس: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا). وقال ابن عباس: سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
    2 - أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ... ) الآية.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذين السببين وغيرهما مما لا يستند إلى حجة في الإسناد وتباينت مواقفهم عند النظر فيهما فذهب بعضهم إلى الجمع بينهما وأن الآية نزلت بسببهما ومن هؤلاء القرطبي وابن كثير رحمهما الله تعالى.
    قال القرطبي: (والحديث الأول خلاف مقتضى الحديث الثاني، ويحتمل أن يكون نزولها على السببين لاجتماعهما في زمن واحد فكانت جوابا للفريقين والله أعلم).
    وقال ابن كثير: (ولا منافاة بين ما ذكره ابن عباس وما قاله هؤلاء - أي نزولها بشأن المنافقين - لأن الآية عامة في جميع ما ذكر والله أعلم).
    وذهب بعض المفسرين إلى أنها في أهل الكتاب خاصة ومن هؤلاء الطبري وابن عاشور، قال الطبري بعد أن ساق الأقوال في نزولها: (وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا .. ). الآية قول من قال: عنى بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله جل وعز أنه أخذ ميثاقهم ليبينن للناس أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يكتمونه، لأن قوله: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا) في سياق الخبر عنهم، وهو شبيه بقصتهم، مع اتفاق أهل التأويل على أنهم المعنيون بذلك).
    وقال ابن عاشور بعد أن ساق الآية: (تكملة لأحوال أهل الكتاب المتحدث عنهم ببيان حالة خلقهم بعد أن بين اختلال أمانتهم في تبليغ الدين، وهذا ضرب آخر جاء به فريق آخر من أهل الكتاب فلذلك عبر عنهم بالموصول للتوصل إلى ذكر صلته العجيبة من حال من يفعل الشر والخسة ثم لا يقف عند حد الانكسار لما فعل أو تطلب الستر على شنعته، بل يرتقي فيترقب ثناء الناس على سوء صنعه ويتطلب المحمدة عليه) والراجح - والله أعلم - ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - في شأن نزولها في أهل الكتاب وما ذكره من الدليل على ذلك؛ لأنه لما قال: ما لكم ولهذه الآية إنما أنزلت في أهل الكتاب تلا قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) وهذا نظر ظاهر منه - رضي الله عنه - إلى السياق القرآني وأثره في تفسير كلام الله وهذا هو اللائق بترجمان القرآن - رضي الله عنه - وهو أقرب طريق إلى الصواب في معرفة التفسير والله أعلم.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه وذلك لصحة سند الحديث، وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن. ولم يظهر لي من وجه صحيح ما هو الشيء الذي سألهم عنه فكتموه. وأما الحديث عن المنافقين وتخلفهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسيأتي في موضعه مع قصته في سورة براءة إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
    * * * * *

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد


    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة آل عمران
    من صــ 350 الى صـ 357
    الحلقة (66)

    42 - قال الله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّ هُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
    * سَبَبُ النُّزُولِ:

    أخرج الترمذي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة فأنزل الله تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).
    * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي.
    قال الطبري: (وذُكر أنه قيل لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة فأنزل اللَّه هذه الآية). اهـ.
    وقال ابن عطية: (وروي أن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: يا رسول الله، قد ذكر اللَّه تعالى الرجال في الهجرة ولم يذكر النساء في شيء من ذلك فنزلت الآية). اهـ.
    والراجح - واللَّه أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - لوجهين:
    الأول: أن هذا لم يصح عنها - رضي الله عنها - للعلة المذكورة في إسناد الحديث.
    الثاني: أن السياق القرآني لا يؤيد هذا ولا يسعفه، وإنما يؤيد أن الآية جاءت جواباً من اللَّه لهؤلاء الذين يدعونه رهباً ورغباً بقولهم: (فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .. ) إلى قولهم .. (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194).
    ثم قال: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ).
    ولو كانت الآية نزلت بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - لانقطع الاتصال بين الدعاء والجواب وهذا لا يخفى على من تأمله.
    ولهذا قال الطبري مؤيداً لهذا المعنى بعد سياق الآية: (يعني تعالى ذكره فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف اللَّه عنهم أنهم دعوا به ربهم بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيراً ذكراً كان العامل أو أنثى) اهـ.
    وقال ابن كثير بعد سياق الآية: (ومعنى الآية أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا ما سألوا مما تقدم ذكره فاستجاب لهم ربهم عقب ذلك بفاء التعقيب كما قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقوله تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) هذا تفسير للإجابة أي قال لهم مخبرًا أنه لا يضيع عمل عامل منكم لديه، بل يوفى كل عامل بقسط عمله من ذكر أو أنثى) اهـ.
    *النتيجة:
    أن الآية لم تنزل بسبب قول أم سلمة - رضي الله عنها - وإنما جاءت جوابًا من اللَّه سبحانه لهؤلاء الخاشعين الذين يدعون ربهم رغبةً في جزائه وعطائه ورهبة من عقابه وعذابه فاجابهم المنعم المتفضل إلى ما طلبوا ونجاهم مما هربوا والله ذو الفضل العظيم، وإنما اخترت هذا لدلالة سياق الآيات عليه وعدم وجود معارض راجح صحيح والله أعلم.

    * * * * *
    43 - قال الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)
    * سَبَبُ النُّزُولِ:

    أخرج النَّسَائِي عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما جاء نعي النجاشي قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (صلوا عليه) قالوا: يا رسول اللَّه، نصلي على عبد حبشي؟ فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ).
    * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذا الحديث وغيره عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
    والظاهر عندي واللَّه أعلم أن الآية إنما تتحدث عن مؤمني أهل الكتاب كعبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره وبيان ذلك أن يقال:
    إذ قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، قد تقرر أنها نزلت في اليهود كما تقدم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم ذكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حال المؤمنين في تفكرهم وذكرهم لربهم ودعائهم إياه وما أجابهم به وتفضل عليهم ثم عاد بعد ذلك إلى ذكر الطائفة الأخرى من أهل الكتاب فأثنى عليهم بإيمانهم وخشوعهم وما لهم من الأجر عند الله على ذلك.
    ولعل مما يعضد هذا الفهم وأن الحديث عن طائفتين من أهل الكتاب كافرة؛ ومؤمنة أن اللَّه قال عن الكافرة: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) أي نبذوا الكتاب. بينما وصف الأخرى بأنهم (لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) فهاتان طائفتان متقابلتان.
    فإن قال قائل: لماذا قدم الحديث عن الفئة الكافرة وأخّرَ الحديث عن الطائفة المؤمنة ولم يجعل الحديث عنهما متصلاً؟
    فالجواب: أن الحديث عن الفئة الكافرة قدمه لصلته بما قبله من الحديث عنهم في وصفهم لربهم بأنه فقير وهم أغنياء وما تلى ذلك من مقالات السوء التي لا ينقطعون عنها.
    وأخّر الحديث عن مؤمني أهل الكتاب لأنهم يتلون في الرتبة والمنزلة

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 358 الى صـ 364
    الحلقة (67)

    الذين آمنوا وهاجروا وهذا ليس بغريب في القرآن، فلو نظرت إلى الآيات في سورة الحشر لوجدت الله قدم المهاجرين بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ .. ) ثم أتبعهم بالأنصار في قوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ثم أتبعهم (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ... )، ومثله: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ).
    أما الحديث عن النجاشي، فضعيف لضعف الحديث في ذلك، وعدم المناسبة بين سياق القرآن وسياق الحديث.
    * النتيجة:
    أن الآية لم تنزل على سبب صحيح بل هي تتحدث عن المؤمنين من أهل الكتاب في إيمانهم وخشوعهم لِلَّهِ وما أعد الله لهم من النعيم المقيم بعد الحديث عن الكافرين منهم ليظهر ويتبين عدل الله بين عباده وأنه لا يظلم أحداً. واللَّه أعلم.

    * * * * *
    سورة النساء
    44 - قال الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (3)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة - رضي الله عنها -: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) قالت: هي اليتيمة في حجر وليها فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء.
    قالت عائشة: ثم استفتى الناس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد، فأنزل الله - عز وجل -: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) قالت: فبين الله في هذه أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء، قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها.
    2 - أخرج البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها وكان لها عذق وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) أحسبه قال: كانت شريكته في ذلك العذق وفي ماله.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب النزول عن عائشة - رضي الله عنه - وقد أورده جمهور المفسرين مع غيره من الأسباب التي ذكرت لهذه الآية، وقبل الكلام على حديث عائشة الأول سأنقل كلام الحافظ ابن حجر على حديثها الثاني وفيه: (أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها) فقال: (هكذا قال هشام عن ابن جريج فأوهم أنها نزلت في شخص معين، والمعروف عن هشام ابن عروة التعميم، وكذلك أخرجه الإسماعيلي، من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج ولفظه: (أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة .. ) وكذا هو عند المصنف من طريق ابن شهاب عن عروة، وفيه شيء آخر نبه عليه الإسماعيلي، وهو قوله: (فكان لها عذق فكان يمسكها عليه) فإن هذا نزل في التي يرغب عن نكاحها، وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوجها لغيره، ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها) اهـ محل الشاهد. ومراد الإسماعيلي بالتنبيه الآخر أن لفظ الحديث يخالف سياق القرآن.
    وبهذا يتبين أن حديث عائشة - رضي الله عنها - الثاني قد وقع فيه وهم فلا يحتج به على السببية أما الحديث الأول لعائشة - رضي الله عنها - في حكم نكاح اليتامى فهو أحد الأقوال في سبب نزول الآية ولهذا قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: وإن خفتم يا معشر أولياء اليتامى ألا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه وتبلغوا بصداقهن صدقات أمثالهن، فلا تنكحوهن، ولكن انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع.
    وقال بعضهم: بل معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الأربع، حذرا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم وذلك أن قريشا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل فإذا صار معدما، مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به فنهوا عن ذلك.
    ومن طريق عكرمة فنزلت هذه الآية: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء).
    وقال بعضهم: كانوا يشددون في اليتامى ولا يشددون في النساء ينكح أحدهم النسوة فلا يعدل بينهن فنزلت الآية: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى).
    لكن هذه الأسباب المذكورة لا تقارب حديث عائشة - رضي الله عنها - من جهة الإسناد والرتبة لأنها مراسيل لعكرمة وسعيد بن جبير والحسن.
    ولعل هذا هو السبب في اقتصار ابن كثير - رحمه الله - على حديث عائشة - رضي الله عنها - دون سائر المذكورات.
    وقد قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله - بعد أن ساق الأسباب السابقة: (وأقرب هذه الأقوال وأصحها: قول عائشة - إن شاء الله تعالى - وقد اتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) ليس له مفهوم، إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة اثنتين أو ثلاثا أو أربعا كمن خاف فدل ذلك على أن الآية نزلت جوابا لمن خاف وأن حكمها أعم من ذلك).
    فإن قال قائل: عائشة لم تسند هذا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
    فالجواب من ابن عاشور: (وهو أن سياق كلامها يؤذن بأنه عن توقيف، ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتدادا بأنها ما قالت ذلك إلا عن معاينة حال النزول، وأفهام المسلمين التي أقرها الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا سيما وقد قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه فيكون إيجاز لفظ الآية اعتدادا بما فهمه الناس مما يعلمون من أحوالهم).
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكرته عائشة - رضي الله عنها - في اليتيمة التي يرغب في مالها وجمالها ويريد أن يتزوجها وليها لكنه لا يقسط لها في صداقها ولا يعطيها حقها منه، فأمروا أن يتركوهن ويلتمسوا غيرهن من النساء اللاتي يطالبن بحقوقهن أو يطالب بها أولياؤهن لصحة سنده، وتصريحه بالنزول وموافقته للفظ الآية واتفاق جمهور المفسرين عليه. وسيأتي مزيد بحث لهذا إن شاء الله تعالى عند نزول قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن). والله أعلم.
    * * * * *

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 365 الى صـ 372
    الحلقة (68)

    45 - قال الله تعالى: (وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا (6)
    * سبب النزول:

    أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم عليه ويصلح في ماله، إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء عن عائشة - رضي الله عنها - في ذكر نزول الآية بدون قصة وقد أورده بعض المفسرين عند ذكر الآية كالقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور لكنهم لم يشيروا إلى أن الحديث سبب نزولها.
    وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: فقال: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل).
    وهذا الحديث ليس فيه ذكر لسبب النزول لكن إذا ضممته إلى حديث عائشة في قولها: أنزلت في والي اليتيم، وقولها: إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف، فإنه يوافقه من وجهين:
    الأول: أن الرجل في حديث عمرو بن شعيب هو ولي اليتيم، والآية أنزلت في والي اليتيم.
    الثاني: أن الرجل قال إني فقير ليس لي شيء، وهذا يوافق قولها: إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف، ولعل مما يعضد هذا النظر سياق الآية فإنه يوافق كثيرا حديث عمرو بن شعيب ففي الآية: (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) وفي الحديث: (كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر).
    ولقائل أن يقول إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث أخذا واستنباطا من الآية فوافق لفظه لفظها.
    فالجواب: أن هذا ممكن لكن يعكر عليه قول عائشة: أنزلت في والي اليتيم فإن هذا مشعر بوجود سبب، ولو لم يوجد حديث عمرو بن شعيب لكان الجزم ممكنا بأنها أرادت التفسير ولم ترد الحديث عن سبب نزول معين والله أعلم.
    * النتيجة:
    الحديث المذكور لا يتضمن التصريح بالسببية، لكن بضم الحديثين إلى بعضهما، وانضمامهما إلى الآية الكريمة يغلب على الظن نزول الآية بسبب سؤال الرجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكله من مال اليتيم والعلم عند الله تعالى.
    * * * * *

    46 - قال الله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما (11)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه عن جابر - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا ينكحان إلا ولهما مال قال: فقال: (يقضي الله فى ذلك) قال: فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما، فقال: (أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك).
    ولفظ أبي داود: (فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقضي الله فى ذلك) قال: ونزلت سورة النساء: (يوصيكم الله في أولادكم) الآية.
    2 - أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن جابر - رضي الله عنه - قال: عادني النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ منه، ثم رش علي فأفقت، فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله، فنزلت: (يوصيكم الله في أولادكم).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، فأما حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة ابنتي سعد بن الربيع فقد ذكره جمع من المفسرين وجعلوه من أسباب نزولها كالبغوي، وابن العربي، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، وابن عاشور.
    قال ابن العربي بعد أن ساق هذا الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل الذي عليه يدور الإسناد: (هو مقبول لهذا الإسناد).
    وقال القرطبي: (إن هذه الآية نزلت في ورثة سعد بن الربيع، وقيل: نزلت في ورثة ثابت بن قيس بن شماس، والأول أصح عند أهل النقل فاسترجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الميراث من العم) اهـ باختصار.
    وقال ابن كثير بعد أن ساق الحديثين حديث الإغماء وحديث ابنتي سعد: (والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات، وإنما كان يورث كلالة ولكن ذكرنا الحديث هاهنا تبعا للبخاري فإنه ذكره هاهنا، والحديث الثاني عن جابر - في قصة ابنتي سعد - أشبه بنزول هذه الآية والله أعلم) اهـ.
    وقال ابن حجر معلقا على اختلاف الروايات: (وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدة - يعني (يوصيكم الله) - كما أخرج أحمد وأصحاب السنن وصححه الحاكم من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ثم ساق الحديث ... وهذا ظاهر في تقدم نزولها - لأنها نزلت بعد أحد - نعم وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر إنما نزلت في قصة ابنتي سعد بن الربيع، وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معا، ويحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين، وآخرها وهي قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) في قصة جابر، ويكون مراد جابر فنزلت: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر) أي ذكر الكلالة المتصل بهذه الآية والله أعلم) اهـ.
    هكذا قال - رحمه الله - وإنما ذكرت كلامه لأبين قوله في قصة ابنتي سعد بن الربيع وأنها إن لم تكن السبب الوحيد لنزول الآية فهي أحد السببين.
    وأما قوله: يحتمل أن يكون نزول أولها في قصة البنتين، وآخرها وهي قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) في قصة جابر ففي هذا الكلام عندي نظر ظاهر، إذ كيف يكون آخرها في قصة جابر وهي قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) مع أن هذه بإجماع العلماء يراد بها الإخوة لأم، وهذا ما لا يصدق على جابر، ولا يتفق مع حال أخواته لأنهن شقيقاته، فسبحان من لا يضل ولا ينسى.
    أما حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة الإغماء فالاختلاف فيه جد كبير فقد جاء أيضا في القصة نفسها أن الآية التي نزلت هي قوله تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة)، وجاء أيضا أن الآية التي نزلت هي آخر آية من سورة النساء في الكلالة، وقد تقدم قريبا أن سبب نزول قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر) قصة ابنتي سعد بن الربيع وهذا الاختلاف أدى إلى الإطالة في دراسة أسانيدها، خلاصتها اجتهاد بعض الرواة في تعيين الآية. وستأتي إن شاء الله تعالى دراسة الأسباب المعنية في مواضعها أما الآية التي هنا فلا صلة لها بقصة جابر - رضي الله عنه - في قضية الإغماء والله أعلم.

    * النتيجة:

    أن هذه الآية نزلت بسبب شكوى زوج سعد بن الربيع - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمهما الذي أخذ مال ابنتي سعد، ولم يدع لهما شيئا، وذلك لأن الحديث يحتمل التحسين كما أنه صريح في السببية، وقد قال به جمع من العلماء مع موافقته لسياق القرآن والله أعلم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 373 الى صـ 380
    الحلقة (69)

    47 - قال الله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم (12)
    * سبب النزول:

    أخرج ابن ماجه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: مرضت فأتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني هو وأبو بكر معه وهما ماشيان، وقد أغمي علي فتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصب علي من وضوئه، فقلت: يا رسول الله كيف أصنع؟ كيف أقضي في مالي؟ حتى نزلت آية الميراث في آخر النساء: (وإن كان رجل يورث كلالة) (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، ولم يذكر هذا الحديث جمهور المفسرين عند تفسيرهم لها، وهذا هو الصواب لأمور:
    1 - أن ابن عيينة اضطرب في تعيين الآية كما تقدم بيان ذلك عند دراسة السبب السادس والأربعين.
    2 - قوله حتى نزلت آية الميراث في آخر النساء (وإن كان رجل يورث كلالة) مع أن هذه الآية ليست في آخر النساء، بل في أولها.
    3 - أن قوله: (وإن كان رجل يورث كلالة) لا يناسب قصة جابر في هذا الحديث لأن الآية تتحدث عن ميراث الأخوة لأم، بينما كان جابر - رضي الله عنه - شقيقا لأخواته وليس أخا من الأم كما هو معلوم، وفي ظني أن الذي أوجد الاشتباه تكرر لفظ الكلالة في الآيتين، وإلا فالفرق ظاهر بين الآيتين كظهوره بين الحكمين والله أعلم.

    * النتيجة:

    أن هذا الحديث ليس سبب نزولها لاضطرابه في متنه وإسناده ومخالفته لسياق القرآن، وإعراض المفسرين عنه. والله أعلم.
    * * * * *

    48 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا (19)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج البخاري وأبو داود والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن). قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك.
    2 - أخرج أبو داود عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فأحكم الله عن ذلك ونهى عن ذلك.
    3 - أخرج النسائي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده، فكان ذلك لهم في الجاهلية، فأنزل الله - عز وجل -: (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذه الأحاديث أو بعضها عند بيانهم لسبب نزول هذه الآية منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والسعدي والشنقيطي، وابن عاشور.
    قال الطبري: (إنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها كان ابنه أو قريبه أولى بها من غيره ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت فحرم الله تعالى ذلك على عباده، وحظر عليهم نكاح حلائل آبائهم ونهاهم عن عضلهن عن النكاح) اهـ.
    وقال السعدي: (كانوا في الجاهلية إذا مات أحدهم عن زوجته، رأى قريبه، كأخيه وابن عمه ونحوهما، أنه أحق بزوجته من كل أحد، وحماها عن غيره أحبت أو كرهت، فإن أحبها، تزوجها على صداق يحبه دونها، وإن لم يرضها عضلها فلا يزوجها إلا من يختاره هو، وربما امتنع من تزويجها، حتى تبذل له شيئا من ميراث قريبه، أو من صداقها). اهـ.
    وقال الشنقيطي: (وقد كان من مختلقات العرب في الجاهلية إرث الأقارب أزواج أقاربهم كان الرجل منهم إذا مات وألقى ابنه وأخوه مثلا ثوبا على زوجته ورثها وصار أحق بها من نفسها إن شاء نكحها بلا مهر، وإن شاء أنكحها غيره وأخذ مهرها، وإن شاء عضلها حتى تفتدي منه إلى أن نهاهم الله عن ذلك بقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها). اهـ.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الرجل إذا مات فيهم كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، أو زوجها من يشاء، أو لم يزوجها عضلا منهم وظلما فأنزل الله الآية إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل وتبيانا لحقوق الطرفين، وإنما اخترت هذا السبب دون سواه لصحة إسناده، وصراحة ألفاظه، واتفاقه مع سياق الآية وأقوال المفسرين.
    وأما السببان الآخران المذكوران عن ابن عباس، وأبي أمامة - رضي الله عنه - فقد تقدم الكلام في بيان ضعفهما وعدم نهوضهما للاحتجاج بهما.
    *تنبيه:
    تقدم في كلام بعض المفسرين أنهم كانوا في الجاهلية يفعلون هذا، ومما لا يخفى أن هذا الذي وقع لم يكن في الجاهلية، إنما كان في الإسلام، ويؤيده النداء بـ (يا أيها الذين آمنوا) فلعل مراد العلماء أن أصل الفعل ابتداء كان في الجاهلية، وامتد حتى مجيء الإسلام فكانوا يفعلونه فيه والله أعلم.
    * * * * *
    49 - قال الله تعالى: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما (24)
    * سبب النزول:
    أخرج مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي، والنسائي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، بعث جيشا إلى أوطاس. فلقوا عدوا. فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا. فكأن ناسا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله - عز وجل - في ذلك: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن.
    وفي رواية للنسائي عن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: أصابوا سبيا لهن أزواج فوطئوا بعضهن، فكأنهم أشفقوا من ذلك فأنزل الله - عز وجل -: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم).

    * دراسة السبب:

    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد جمهور المفسرين حديث أبي سعيد الأول منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والشنقيطي.
    قال القرطبي بعد أن ذكر حديث أبي سعيد: (وهذا نص صحيح صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرج أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن وطء المسبيات ذوات الأزواج فأنزل الله تعالى في جوابهم (إلا ما ملكت أيمانكم) وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو الصحيح إن شاء الله تعالى). اهـ.
    وقال ابن كثير في معنى الآية: (أي وحرم عليكم من الأجنبيات المحصنات وهن المزوجات إلا ما ملكتموهن بالسبي، فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن فإن الآية نزلت في ذلك). اهـ ثم ساق الحديث.
    وقال الشنقيطي: (وقال بعض العلماء: المراد بالمحصنات، المتزوجات، وعليه فمعنى الآية وحرمت عليكم المتزوجات؛ لأن ذات الزوج لا تحل لغيره إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من الكفار، فإن السبي يرفع حكم الزوجية الأولى في الكفر وهذا القول هو الصحيح، وهو الذي يدل القرآن لصحته إلى أن قال .. ويؤيده سبب النزول). اهـ ثم ساق الحديث.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة هو ما جاء في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - حين ظهروا على عدوهم فتحرجوا من غشيان نسائهم من أجل أزواجهم لأن الحديث في ذلك صريح صحيح يتفق مع لفظ الآية وإجماع المفسرين عليه والله أعلم.
    * * * * *

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد




    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 381 الى صـ 386
    الحلقة (70)


    50 - قال الله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما (32)
    * سبب النزول:

    أخرج الإمام أحمد والترمذي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله يغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث فأنزل الله: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية الكريمة منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
    وقد تبين بدراسة السند ضعف الحديث إلى أم سلمة - رضي الله عنها - وأن الصواب فيه أنه من مراسيل مجاهد ولأجل شهرته ذكره المفسرون قال الطبري: (وذكر أن ذلك نزل في نساء تمنين منازل الرجال وأن يكون لهم ما لهم فنهى الله عباده عن الأماني الباطلة، وأمرهم أن يسألوه من فضله إذ كانت الأماني تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحق). اهـ.
    وقال ابن العربي: (يروى أن أم سلمة قالت: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا نغزو ... ) اهـ.
    وصرح في موضع آخر بهذا حيث قال عن روايات الحديث: (وهي أحاديث حسان لم تبلغ درجة الصحة) اهـ.
    وقال ابن عطية: (سبب الآية أن النساء قلن: ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشركناهم في الغزو، وروي أن أم سلمة قالت ذلك أو نحوه) اهـ.
    وقال ابن كثير: (الآية نهت عن تمني عين نعمة الآخر يقول: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) أي في الأمور الدنيوية وكذا الدينية لحديث أم سلمة وابن عباس وهكذا قال عطاء بن أبي رباح نزلت في النهي عن تمني ما لفلان وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون). اهـ بتصرف يسير.
    والظاهر والله أعلم أن الحديث وإن لم يصح سنده إلى أم سلمة - رضي الله عنها - فإنه مؤيد بوجهين:
    أ - سياق الآية ومطابقته لسياق الحديث من وجوه:
    1 - إن الآية نهت أن يتمنى المفضول ما حازه الفاضل، وهذا يطابق قولها في الحديث يغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث، فإنها أرادت بهذا أن تغزو النساء كالرجال وأن يكون ميراثها مساويا لميراث الرجال، وهذا هو التمني.
    2 - قوله في الآية: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن) يوافق في الحديث يغزو الرجال ولا نغزو ولنا نصف الميراث، فإنها تتحدث عن رجال ونساء وهو ما بينته الآية.
    3 - قوله: (واسألوا الله من فضله) يوافق في الحديث رغبتها في الغزو وفضله أخروي ويوافق رغبتها في النصف الثاني من الميراث وهو فضل دنيوي فأرشدها الله وغيرها إلى - سؤاله من فضله فإن خزائن السماوات والأرض بيديه.
    وختم الآية بالعلم مناسب كل المناسبة إذ بعلمه ميز بين الجنسين وقدر لكل واحد منهما ما يستحقه وفرض عليه من التكاليف ما يطيقه فسبحان العليم الخبير.
    ب - أن الحديث مؤيد بقول جماهير السلف يتابعهم ويوافقهم عليه جمهور المفسرين ولا ريب أن مثل هذا يوجب للمرء جزما أن للحديث أصلا.
    * النتيجة:
    أن سبب النزول المذكور لم يصح سنده إلى أم سلمة - رضي الله عنها - وإنما هو من مراسيل مجاهد - رحمه الله - لكن الحديث يعتضد بسياق الآية القرآني كما تقدم وبقول المفسرين به وتقديمهم إياه والله أعلم.

    * * * * *
    51 - قال الله تعالى: (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدا (33)
    * سبب النزول:

    أخرج أبو داود عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع وكانت يتيمة في حجر أبي بكر فقرأت: (والذين عاقدت أيمانكم) فقالت: لا تقرأ (والذين عاقدت أيمانكم) إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام، فحلف أبو بكر ألا يورثه، فلما أسلم أمر الله تعالى نبيه - عليه الصلاة والسلام - أن يؤتيه نصيبه، زاد عبد العزيز: فما أسلم حتى حمل على الإسلام بالسيف.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة ولم أجد فيما أعلم أحدا من المفسرين ذكر هذا الحديث إلا ابن كثير - رحمه الله - مع اختلاف يسير في لفظه حيث جاء فيه فقرأت عليها (والذين عاقدت أيمانكم) فقالت: لا ولكن (والذين عقدت أيمانكم .. ) ثم ذكر الحديث إلى أن قال: وهذا قول غريب.
    قلت: ولعل غرابته سبب إعراض المفسرين عنه، فإن المعروف في تفسير قوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم) أنها فيمن جرى بينهم تحالف وتعاقد على المعونة والنصرة، وقد قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (ولكل جعلنا موالي) أي ورثة ويعني بقوله: (مما ترك الوالدان والأقربون) من تركة والديه وأقربيه من الميراث فتأويل الكلام، ولكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والده وأقربوه من ميراثهم له، وقوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم): أي والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات وقد كان هذا في ابتداء الإسلام ثم نسخ بعد ذلك وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا) اهـ بتصرف.
    فإذا تقرر أن قوله تعالى: (والذين عقدت أيمانكم) فيمن جرى بينهم تحالف وتعاقد فكيف يقال إن سبب نزولها أبو بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى الإسلام فحلف أبو بكر أن لا يورثه مع أن الصلة بينهما صلة نسب وقرابة وليست صلة حلف ومعاقدة.
    * النتيجة:
    أن الحديث المذكور في سبب نزول الآية الكريمة لم يصح سنده، ومتنه أيضا غريب لمناقضته ومخالفته لظاهر الآية فلا يكون سببا لنزولها لا سيما وقد أعرض عنه المفسرون والله أعلم.
    * * * * *

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 386 الى صـ 394
    الحلقة (71)

    52 - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)
    * سَبَبُ النُّزُولِ:

    1 - أخرج أبو داود والترمذي، عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمّهُم علي في المغرب فقرأ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فخلط فيها فنزلت: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ).
    2 - أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: حرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنهما، فأنزل الله على نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)، إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حرم علينا إنما قال: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) وكانوا يشربون الخمر.
    حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أمَّ أصحابه في المغرب، خَلَط في قراءته فأنزل اللَّه فيها آية أغلظ منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق.
    ثم نزلت آية أغلظ من ذلك: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) فقالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على فرشهم، كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان فأنزل الله: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا) إلى آخر الآية فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم).
    3 - أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: (يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) قال: فدعي عمر، فقرئت عليه. فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء فنزلت الآية التي في النساء: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقام الصلاة نادى: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء. فنزلت الآية التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ (فهل أنتم منتهون) قال: فقال عمر: انتهينا، انتهينا.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة حيث ورد فيها ثلاثة أسباب الأول لعلي والثاني لأبي هريرة والثالث لعمر رضي الله عنهم جميعا.
    فأما حديث علي - رضي الله عنه - في شأن التخليط في القراءة فقد ذكره جمهور المفسرين منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
    قال الطبري بعد أن ساق حديث علي: (وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية، تأويل من قال: ذلك نهي من الله المؤمنين عن أن يقربوا الصلاة وهم سكارى من الشراب قبل تحريم الخمر للأخبار المتظاهرة عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ذلك كذلك نهي من الله وأن هذه الآية نزلت فيمن ذكرت أنها نزلت فيه) اهـ.
    وقال ابن العربي بعد أن ساق الحديث: (وهذا حديث صحيح من رواية العدل عن العدل) اهـ.
    وقال ابن عطية: (سبب النهي عن قرب الصلاة في حال سكر أن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شربت الخمر عند أحدهم قبل التحريم .. فذكر الحديث إلى أن قال: فنزلت الآية) اهـ.
    أما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقد تقدم الكلام على إسناده وما فيه من الضعف الشديد.
    وأما حديث عمر - رضي الله عنه - فقد تبين من دراسته أنه حديث صحيح، وقبل الحديث عن الجمع بين هذه الأحاديث، لا بد من البيان لحديث علي - رضي الله عنه - وأنه قد وقع في سنده ومتنه اضطراب يوجب القدح فيه، لكن لعل مما يعضده ويقويه ما يلي:
    1 - موافقة لفظه للفظ الآية القرآني فإنهم صلوا وهم سكارى، وخلطوا في القراءة وهذا عين ما نهت عنه الآية.
    2 - أن جمهور المفسرين ذكروه سببا لنزول الآية مما يدل على اعتبارهم له وصحته عندهم وكلام ابن العربي المتقدم يدل على هذا.
    3 - أن حديث أبي هريرة على ما فيه من الضعف، يشهد له، فقد جاء فيه (حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أم أصحابه في المغرب، خلط في قراءته فأنزل الله فيها آية أغلظ منها: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى).
    أما الجمع بين الأحاديث فيمكن القول إن حديث علي وأبي هريرة متطابقان في لفظيهما، وحديث عمر لا ينافيهما لأنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فربما كان دعاؤه أحد أسباب نزول الآية.
    * النتيجة:
    أن حديث علي - رضي الله عنه - المذكور في سبب نزول الآية لم يسلم من النقد سندا ومتنا ولعله يعتضد بما تقدم ويكون سببا لنزول الآية الكريمة وذلك لموافقته لسياق القرآن واحتجاج المفسرين به وتصريحه بالنزول. والله أعلم.
    * * * * *

    53 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (43)
    * سبب النزول:

    أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش، انقطع عقد لي، فأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية حيث ذكر بعض المفسرين هذه القصة عند تفسيرهم لهذه الآية كالطبري والبغوي والقرطبي وابن كثير.
    قال ابن العربي: (ولقد عجبت من البخاري بوب في كتاب التفسير في سورة النساء على الآية التي ذكر فيها التيمم، وأدخل حديث عائشة فقال: (وإن كنتم مرضى أو على سفر) وبوب في سورة المائدة فقال: باب (فلم تجدوا ماء) وأدخل حديث عائشة بعينه وإنما أراد أن يدل على أن الآيتين تحتمل كل واحدة منهما قصة عائشة) اهـ.
    وقال ابن كثير: (ذكر سبب نزول مشروعية التيمم وإنما ذكرنا ذلك هاهنا لأن هذه الآية التي في النساء متقدمة النزول على آية المائدة، وبيانه أن هذه نزلت قبل تحريم الخمر، والخمر إنما حرم بعد أحد بيسير في محاصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني النضير، وأما المائدة فإنها من آخر ما نزل لا سيما صدرها فناسب أن يذكر السبب هنا وبالله الثقة) اهـ.
    * النتيجة:
    وسيأتي إن شاء الله تعالى بحث موسع لهذه المسألة المعضلة عند آية سورة المائدة وبيان النتيجة هناك والله أعلم.
    * * * * *


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 395 الى صـ 400
    الحلقة (72)

    54 - قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا (51) أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا (52)
    * سبب النزول:

    أخرج النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة، قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا؟ ونحن - يعني: أهل الحجيج وأهل السدانة - قال: أنتم خير منه فنزلت: (إن شانئك هو الأبتر) ونزلت: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت) إلى قوله: (فلن تجد له نصيرا).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور.
    قال الطبري: (إن الله وصف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما، وأنهم قالوا إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به، وإن دين أهل التكذيب لله ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله، وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف وأنه قائل ذلك) اهـ.
    وقال ابن كثير: قوله: (ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) أي يفضلون الكفار على المسلمين بجهلهم وقلة دينهم، وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم) اهـ.
    والظاهر - والله أعلم - أن الصحيح في السبب المذكور أنه مرسل لكنه يعتضد بأمرين:الأول: مطابقة السبب المذكور للفظ الآية فإن القائل في الآية من الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، والرجل المذكور في الحديث كعب بن الأشرف اليهودي.
    وقوله: (ويقولون للذين كفروا) هو قوله لكفار قريش أنتم خير من محمد.
    وقوله تعالى: (أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) هم اليهود كما أخبر الله عنهم بقوله: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل).
    الثاني: أن هذا السبب قد قال به جمهور المفسرين واعتمدوه سببا لنزول الآية ولا ريب أن اجتماع المفسرين على قول كهذا مع ما يحتف به من قرائن يوجب غلبة الظن أن للحديث أصلا، أما نزول آية الكوثر فستأتي دراستها إن شاء الله تعالى في سورة الكوثر.
    * النتيجة:
    أن الحديث المذكور وإن كان مرسلا فإن قرائن السببية تحيط به وذلك لموافقته للفظ الآية، وتصريحه بالنزول، واحتجاج المفسرين به على النزول
    والله أعلم.
    * * * * *
    55 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59)
    * سبب النزول:

    أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: نزلت: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي، إذ بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السرية.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد أورد المفسرون هذا الحديث وجعلوه سبب نزولها منهم الطبري والبغوي وابن العربي والقرطبي وابن كثير والطاهر بن عاشور وقد ورد بسط هذه القصة في موضع آخر عن علي - رضي الله عنه -فقد قال: بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب، فقال: أليس أمركم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف).
    قال أبو عمر ابن عبد البر: (وكان في عبد الله بن حذافة دعابة معروفة ومن دعابته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره على سرية فأمرهم أن يجمعوا حطبا ويوقدوا نارا فلما أوقدوها أمرهم بالتقحم فيها فأبوا فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطاعتي وقال من أطاع أميري فقد أطاعني، فقالوا: ما آمنا بالله واتبعنا رسوله إلا لننجو من النار، فصوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلهم وقال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق قال الله تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم) وهو حديث صحيح الإسناد مشهور) اهـ.
    وهذا الكلام من ابن عبد البر يدل على أنه يرى أن أمير السرية المذكور في حديث علي - رضي الله عنه - هو عبد الله بن حذافة المذكور في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - لأن سياق الحديث الذي ذكره يوافق حديث علي - رضي الله عنه - تماما.
    وقد تبع ابن القيم ابن عبد البر على هذا فقال بعد سياقه لحديثي ابن عباس وعلي - رضي الله عنهم -: (وهذا هو عبد الله بن حذافة السهمي).
    ففسر الأمير المبهم في حديث علي، بالرجل المذكور في حديث ابن عباس وهو عبد الله بن حذافة.
    * النتيجة:
    أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده، وصراحة لفظه، واحتجاج المفسرين به وموافقته للفظ الآية. والله أعلم.
    * * * * *


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 401 الى صـ 406
    الحلقة (73)

    56 - قال الله ثعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)
    * سبب النزول:
    أخرج الإمام أحمد والبخاري، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عروة بن الزبير أن الزبير كان يحدث: أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في شراج الحرة، كانا يسقيان بها كلاهما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للزبير: (اسق ثم أرسل إلى جارك) فغضب الأنصاري وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال للزبير: (اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر). فاستوعى النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ للزبير حقه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على الزبير برأي أراد فيه سعة له وللأنصاري، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير حقه في صريح الحكم.
    قال عروة: قال الزبير: والله ما أحسب هذه الآية أنزلت إلا في ذلك (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما).
    وفي رواية للبخاري: فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد اختار هذا الحديث سببا لنزول الآية بعض المفسرين كالبغوي والقرطبي وابن كثير.
    قال القرطبي بعد أن ساق الأسباب المذكورة لنزول الآية: (وإذا كان سبب نزول هذه الآية ما ذكرناه من الحديث ففقهها أنه - عليه الصلاة والسلام - سلك مع الزبير وخصمه مسلك الصلح فقال: (اسق يا زبير)). اهـ. وهذا يدل على اختياره لهذا السبب.
    وقال أبو العباس القرطبي: (قوله: (إن رجلا من الأنصار) قيل: إن هذا الرجل كان من الأنصار نسبا، ولم يكن منهم نصرة ودينا، بل كان منافقا لما صدر عنه من تهمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجور في الأحكام لأجل قرابته ولأنه لم يرض بحكمه ولأن الله تعالى قد أنزل فيه (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) هذا هو الظاهر من حاله ويحتمل أنه لم يكن منافقا، ولكن أصدر ذلك منه بادرة نفس وزلة شيطان) اهـ.
    فقوله: ولأن الله تعالى قد أنزل فيه (فلا وربك لا يؤمنون) يدل على أنه يرى القصة سببا لنزول الآية.
    وذهب بعض أهل العلم إلى أن الآية نزلت فيمن ذكرهم الله بقوله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت .. ).
    قال الطبري: (وهذا القول أعني قول من قال: عنى به المحتكمان إلى الطاغوت اللذان وصف الله شأنهما في قوله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) أولى بالصواب، لأن قوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) في سياق قصة الذين أسدى الله الخبر عنهم بقوله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك) ولا دلالة تدل على انقطاع قصتهم، فإلحاق بعض ذلك ببعض ما لم تأت دلالة على انقطاعه أولى) اهـ.
    وقال ابن العربي مؤيدا: (اختار الطبري أن يكون نزول الآية في المنافق واليهودي ثم تتناول بعمومها قصة الزبير وهو الصحيح) اهـ.
    وقال ابن عاشور: (والظاهر عندي أن الحادثتين وقعتا في زمن متقارب ونزلت الآية في شأن حادثة بشر المنافق فظنها الزبير نزلت في حادثته مع الأنصاري) اهـ.
    فهذا ما احتج به الفريقان، فالأولون احتجوا بصحة إسناد القصة والتنصيص على أنها سبب النزول من قبل الزبير وغيره وهو صاحب القصة.
    والآخرون احتجوا بسياق الآيات القرآني وأنها نزلت فيمن يريد التحاكم إلى الطاغوت من المنافقين.
    والظاهر والله أعلم أن القول الثاني أسعد بالصواب لوجوه:
    الأول: أن سياق الآيات متصل بعضه ببعض لم يفصل بينها فاصل غريب ففي أولها قول الله: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت .. ) وفي آخرها قوله سبحانه:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك .. ) فالآيات في أولها وآخرها تتحدث عن التحاكم إلى الله أو الطاغوت ومن المعلوم أن وحدة اللفظ دليل وحدة المعنى.
    الثاني: أن الزبير - رضي الله عنه - كان لا يجزم بأن الآية نزلت في قصته فقد قال ابن حجر - رحمه الله -: (والراجح رواية الأكثر وأن الزبير كان لا يجزم بذلك).
    ولا ريب أن تردد صاحب القصة في الجزم بنزولها يوجب لغيره التردد والريب.
    الثالث: قال ابن حجر: (روى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي، قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها فأنزل الله هذه الآيات إلى قوله: (ويسلموا تسليما) اهـ.
    وهذا اختيار مجاهد أيضا كما رواه ابن أبي حاتم عنه.
    ولا يخفى أن الشعبي ومجاهدا من كبار التابعين وقد صحبا صحابيين كبيرين فالأول قد صحب ابن مسعود في الكوفة والثاني قد صحب ابن عباس في مكة ولا شك أن هذه القرينة توجب لقولهما أصلا، كيف لا وقد عرفت منزلة هذين الصحابيين في تفسير القرآن، وسموهما فيه.
    فإن قيل: فلماذا حسب الزبير - رضي الله عنه - أن الآية نزلت فيه؟
    فالجواب ما ذكره ابن عاشور في قوله: (الظاهر عندي أن الحادثتين وقعتا في زمن متقارب ونزلت الآية في شأن حادثة المنافق فظنها الزبير نزلت في حادثته مع الأنصاري) اهـ.
    * النتيجة:
    أن الآية لم تنزل بسبب قصة الزبير مع الأنصاري لأن الزبير لم يكن يجزم بذلك وإذا كان صاحب القصة مترددا فغيره أولى بالتردد، ولأن السياق القرآني يدور حول تحاكم المنافقين إلى الطاغوت، واعتبار السياق أولى لبعده عن الاحتمال. والله أعلم.
    57 - قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا (77)
    * سبب النزول:
    أخرج النسائي عن ابن عباس - ر. يمبا - أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة، فقال: (إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم) فلما حوله الله إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا، فأنزل الله - عز وجل -: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وعلى هذا جمهور المفسرين كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
    قال الطبري: (ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا قد آمنوا به وصدقوه قبل أن يفرض عليهم الجهاد، وقد فرض عليهم الصلاة والزكاة وكانوا يسألون الله أن يفرض عليهم القتال، فلما فرض عليهم القتال شق عليهم ذلك وقالوا ما أخبر الله عنهم في كتابه) اهـ.
    وقال ابن العربي: (كان المسلمون سراعا إلى القتال قبل أن يفرض القتال فلما أمر الله سبحانه بالقتال كاع عنه قوم ففيهم نزلت: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم) اهـ.
    وقال ابن كثير: (كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصلاة والزكاة وإن لم تكن ذات النصب وكانوا مأمورين بمواساة الفقراء منهم، وكانوا مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليتشفوا من أعدائهم ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبا لأسباب كثيرة فلم يؤمروا بالجهاد إلا بالمدينة لما صارت لهم دار ومنعة وأنصار، ومع هذا لما أمروا بما كانوا يودونه جزع بعضهم منه وخافوا من مواجهة الناس خوفا شديدا وقالوا: (ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب) أي لولا أخرت فرضه إلى مدة أخرى فإن فيه سفك الدماء ويتم الأولاد وتأيم النساء) اهـ بتصرف.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة هو حديث ابن عباس المتقدم لصحة سنده وصراحته في السببية، وكذا موافقته للفظ الآية الكريمة واحتجاج المفسرين به والله أعلم.
    * تنبيه:
    استشكل بعض المفسرين وقوع هذا الفعل من كبار الصحابة وذهبوا لأجل هذا إلى تأويلات بعيدة.
    وعندي أنه لا إشكال إذ لا دليل في الآية يدل على أن جميع الصحابة وقع منهم هذا بل الآية نص على أن الذي قال هذا فريق منهم بقوله: (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال ... )
    ثم إن عبد الرحمن بن عوف وأصحابه من كبار الصحابة كانوا من أوائل المجاهدين في غزوة بدر وغيرها كما هو بين معلوم في قصة قتل أبي جهل والله أعلم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد




    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 407 الى صـ 412
    الحلقة (74)


    58 - قال الله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (83)
    * سبب النزول:

    أخرج مسلم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لما اعتزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه قال: دخلت المسجد. فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب. فقال عمر فقلت: لأعلمن ذلك اليوم. قال: فدخلت على عائشة. فقلت: يا بنت أبي بكر أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك. قال: فدخلت على حفصة بنت عمر. وقلت لها: يا حفصة أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ والله لقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحبك ولولا أنا لطلقك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبكت أشد البكاء. فقلت لها: أين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: هو في خزانته في المشربة. فدخلت فإذا أنا برباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعدا على أسكفة المشربة مدل رجليه على نقير من خشب. وهو جذع يرقى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم قلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فنظر رباح إلى الغرفة. ثم نظر إلي فلم يقل شيئا. ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإني أظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظن أني جئت من أجل حفصة. والله لئن أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقها لأضربن عنقها. ورفعت صوتي فأومأ إلي أن ارقه. فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير. فجلست. فأدنى عليه إزاره. وليس عليه غيره. وإذا الحصير قد أثر في جنبه. فنظرت ببصري في خزانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع. ومثلها قرظا في ناحية الغرفة. وإذا أفيق معلق.
    قال: فابتدرت عيناي. قال: (ما يبكيك يا ابن الخطاب؟) قلت: يا نبي الله وما لي لا أبكي؟ وهذا الحصير قد أثر في جنبك. وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى. وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار. وأنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوته. وهذه خزانتك فقال: (يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟) قلت: بلى. قال: ودخلت عليه حين دخلت وأنا أرى في وجهه الغضب. فقلت: يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك. وقلما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول. ونزلت هذه الآية. آية التخيير: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن) (وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)، وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: يا رسول الله أطلقتهن؟ قال: (لا) قلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى. يقولون: طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟ قال: (نعم إن شئت) فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه. وحتى كشر فضحك وكان من أحسن الناس ثغرا. ثم نزل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ونزلت. فنزلت أتشبث بالجذع، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده. فقلت: يا رسول الله إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين. قال: (إن الشهر يكون تسعا وعشرين) فقمت على باب المسجد. فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. ونزلت هذه الآية: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله - عز وجل - آية التخيير.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة واختار هذا من المفسرين ابن كثير - رحمه الله - فقد قال بعد إنكار المبادرة إلى الأمور قبل تحققها: (ولنذكر هاهنا حديث عمر بن الخطاب حين بلغه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلق نساءه فذكر الحديث مختصرا وفيه نزول هذه الآية الكريمة) اهـ.
    وأما ابن عطية فقد جعل الأمر محتملا فقال عن السبب: (فإما أن يكون ذلك في أمر السرايا وإما أن يكون ذلك في سائر الأمور الواقعة، كالذي قاله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه جاء وقوم في المسجد يقولون طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه .. ) اهـ.
    وذهب بعض العلماء إلى أن المقصود بهذه الآية هم المنافقون الذين
    تحدث الله عنهم بقوله: (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (81).
    قال الطبري: (وإذا جاء هذه الطائفة المبيتة غير الذي يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر من الأمن، فالهاء والميم في قوله: (وإذا جاءهم) من ذكر الطائفة المبيتة.
    يقول جل ثناؤه: (وإذا جاءهم) خبر عن سرية للمسلمين غازية بأنهم قد أمنوا من عدوهم بغلبتهم إياهم، أو الخوف يقول: أو تخوفهم من عدوهم بإصابة عدوهم منهم أذاعوا به يقول أفشوه وبثوه في الناس قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل أمراء سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) اهـ.
    وقال البغوي: (قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث السرايا فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيفشون ويحدثون به قبل أن يحدث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيضعفون به قلوب المؤمنين فأنزل الله: (وإذا جآءهم) يعني المنافقين) اهـ.
    وقال ابن عطية: (قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن) قال جمهور المفسرين: الآية في المنافقين حسبما تقدم من ذكرهم، والآية نازلة في سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعوثه، والمعنى: أن المنافقين كانوا يشرهون إلى سماع ما يسوء النبي - صلى الله عليه وسلم - في سراياه، فإذا طرأت لهم شبهة أمن للمسلمين أو فتح عليهم حقروها وصغروا شأنها وأذاعوا بذلك التحقير والتصغير، وإذا طرأت لهم شبهة خوف للمسلمين أو مصيبة عظموها وأذاعوا بذلك التعظيم) اهـ.
    وقال ابن عاشور: (وإذا جاءهم أمر من الأمن) عطف على جملة (ويقولون طاعة) فضمير الجمع راجع إلى الضمائر قبله العائدة إلى المنافقين وهو الملائم للسياق .. إلى أن قال: والكلام مسوق مساق التوبيخ للمنافقين، واللوم لمن يقبل مثل تلك الإذاعة من المسلمين الأغرار) اهـ.
    فإن قال قائل: إذا كان الله يتحدث عن المنافقين كما تقدم فكيف وصف أولي الأمر بأنهم منهم؟
    فالجواب: قد قال الزجاج: (وكان ضعفة المسلمين يشيعون ذلك معهم من غير علم بالضرر في ذلك، فقال الله - عز وجل -: ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوه من قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن قبل أولي الأمر منهم، أي من قبل ذوي العلم والرأي منهم لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعفة المسلمين من النبي - صلى الله عليه وسلم - وذوي العلم، وكان يعلمون مع ذلك هل ينبغي أن يذل أو لا يذل) اهـ.
    وقال ابن عاشور: (وصف أولي الأمر بأنهم منهم جار على ظاهر الأمر وإرخاء العنان، أي أولو الأمر الذين يجعلون أنفسهم بعضهم، وإن كان المتحدث عنهم المؤمنين فالتبعيض ظاهر) اهـ.
    قلت: قوله فالتبعيض ظاهر يريد به (ولو ردوه) وما بعدها أنها في المؤمنين الضعفاء وما قبلها في المنافقين، ولم يرد أن الآية بكمالها في المؤمنين في قوله: وإن كان المتحدث عنهم المؤمنين لأن التبعيض ينتفي حينئذ.
    * النتيجة:
    أن الآية الكريمة لم تنزل بسبب قصة عمر - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين آلى من نسائه لأن زيادة السبب لم تثبت من حيث السند فقد تبين أنها شاذة، وكذلك سياق الآيات لا يؤيد نزولها في قصة الإيلاء وإنما السياق ظاهر في توبيخ المنافقين ولوم من يتابعهم من المؤمنين، وذلك لأن السياق نص في أن الذي يأتي أمر من الأمن أو الخوف. وأين هذان من قضية الإيلاء؟ فليس فيها أمن أو خوف. وعلى هذا جرى جمهور المفسرين والله أعلم.
    * * * * *

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 413 الى صـ 417
    الحلقة (75)

    59 - قال الله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا (88)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: لما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد، رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا) وقال: إنها طيبة، تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الفضة).
    2 - أخرج الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن عوف: أن قوما من العرب أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المدينة فأسلموا، وأصابهم وباء المدينة: حماها فأركسوا، فخرجوا من المدينة فاستقبلهم نفر من أصحابه - يعني أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لهم: ما لكم رجعتم؟ قالوا: أصابنا وباء المدينة،فاجتوين ا المدينة. فقالوا: أما لكم في رسول الله أسوة؟ فقال بعضهم: نافقوا، وقال بعضهم: لم ينافقوا، هم مسلمون فأنزل الله - عز وجل -: (فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد أورد جمهور المفسرين هذين السببين وأوردوا مع ذلك غيرهما من الأسباب التي سيقت لنزول الآية الكريمة ومن هذه الأسباب ما قال مجاهد - رحمه الله -: (نزلت في قوم خرجوا من أهل مكة حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا واستأذنوا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرجوع إلى مكة ليأتوا ببضائع، فاختلف فيهم المؤمنون، ففرقة تقول إنهم منافقون وفرقة تقول هم مؤمنون فبين الله - عز وجل - نفاقهم) اهـ.
    وقال الضحاك: (هم ناس تخلفوا عن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاموا بمكة وأعلنوا الإيمان ولم يهاجروا فاختلف فيهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتولاهم ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتبرأ من ولايتهم آخرون، وقالوا: تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يهاجروا فسماهم الله منافقين، وبرأ المؤمنين من ولايتهم وأمرهم أن لا يتولوهم حتى يهاجروا) اهـ.
    هذا خلاصة ما ذكر في الآية الكريمة من أسباب، ولا بد فيها من تأمل ونظر والبداية بحديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فإن الحديث نص في أن القصة كانت في غزوة أحد وأنها كانت بسبب رجوع رأس المنافقين بثلث الجيش، وإذا نظرت إلى مطابقة هذه القصة للآية التي معنا والتي قيل إنها نزلت بسببها وجدت أنه لا تعارض بينهما، لكن الآية التي معنا متصلة بما بعدها اتصالا وثيقا، فالله - عز وجل - يقول فيها: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا (89).
    وقد نص جماعة من العلماء على أن الضمير في قوله: (ودوا) يعود على المنافقين، فقد قال الطبري: (ودوا لو تكفرون كما كفروا) أي: تمنى هؤلاء المنافقون الذين أنتم أيها المؤمنون فيهم فئتان أن تكفروا) اهـ.
    وقال القرطبي: (أي تمنوا أن تكونوا كهم في الكفر والنفاق شرع سواء) اهـ.
    وقال ابن عاشور: (الأظهر أن ضمير (ودوا) عائد إلى المنافقين فى قوله: (فما لكم في المنافقين فئتين) اهـ.
    وإذا كان الأمر كذلك فان الله اشترط لولايتهم أن يهاجروا في سبيل الله في قوله: (فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله) وأمر بأخذهم وقتلهم حيث وجدوا إن هم تولوا عن الهجرة في قوله: (فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) وهنا ينشأ إشكالات:
    الأول: اشتراط الهجرة فإن سبب نزول الآية ليس فيه ذكر الهجرة مطلقا وإنما فيه التخلف عن الجهاد، ولهذا أول ابن العربي الهجرة في سبيل الله هنا بهجر الأهل والولد والمال، والجهاد في سبيل الله.
    الثاني: سبب النزول يتحدث عن منافقي المدينة، والآية تتناول الهجرة في سبيل الله وعلى هذا فإلى أي مكان يهاجر منافقو المدينة إذا كانوا هم مقيمين في بلاد الهجرة، ولهذا قال الطبري: (فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيما من المنافقين وأهل الشرك، فلم يكن عليه فرض هجرة لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه) اهـ.
    الثالث: أن الله - عز وجل - أمر بأخذهم وقتلهم حيث وجدوا إذا تولوا عن الهجرة في سبيله والآية تتحدث عن منافقين كما سلف، ومعلوم لكل من شم رائحة العلم فضلا عمن ذاقه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقتل المنافقين أو يأذن في قتلهم مع بشاعة ما صنعوا خشية أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه.
    فبأي وجه من الوجوه وافق سبب النزول سياق الآيات وطابق؟
    وأما حديث عبد الرحمن بن عوف في القوم الذي اجتووا المدينة فخرجوا منها فاختلف الصحابة فيهم فنزلت الآية فالحديث ضعيف كما تقدم فلا يحتج به على السببية.
    ثم إن هؤلاء قد هاجروا إلى المدينة، فلا يبقى معنى لقوله: (حتى يهاجروا في سبيل الله .. ).
    وعلى هذا فالأمر دائر بين ما ذكره مجاهد والضحاك لموافقته السياق القرآني للآيات وفي الآية الحقائق التالية:
    1 - أن هؤلاء منافقون يظهرون الإسلام والإيمان ويبطنون الكفر لقوله: (فما لكم في المنافقين فئتين) وقوله: (ودوا لو تكفرون كما كفروا).
    2 - أن هؤلاء مطالبون بالهجرة في سبيل الله لإثبات إيمانهم، فليسوا من منافقي المدينة في شيء لأنهم غير مطالبين بالهجرة، وسواء كانت هجرتهم من مكة أو غيرها فالآية لم تعين شيئا.
    3 - أن هؤلاء المنافقين إن لم يهاجروا في سبيل الله إلى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاز أخذهم وقتلهم حيث وجدوا.
    وما ذكره مجاهد والضحاك يوافق الحقائق السابقة وإن كنت إلى قول مجاهد أميل لأن الله قال: (فما لكم في المنافقين فئتين) والتعريف بالمنافقين للعهد الذهني أي المعهودون في أذهانكم، وهذا يوافق قول مجاهد: (حتى أتوا المدينة يزعمون أنهم مهاجرون فارتدوا) فالصحابة يعرفونهم، بخلاف من ذكر الضحاك أنهم مقيمون في مكة.
    فإن قال قائل: عجبا من قولك، كيف تأتي إلى حديث يرويه الشيخان نص على أن سبب نزول الآية كذا، ثم تقول ليس هو سبب نزولها؟
    فالجواب: أن القرآن يحكم ولا يحكم عليه، ولست أطعن في حديث الشيخين ولكني أضعف دلالته على النزول، لأن الله قال: (ومن أصدق من الله حديثا) وقال: (ومن أصدق من الله حديثا قيلا) وإذا كان الله قد بين صفة من نزلت فيه بيانا يخالف ما ذكره زيد بن ثابت - رضي الله عنه - فحتما ولا بد أن يكون قول ربنا هو المقدم على قول كل أحد.
    وهذا القول عليه أكثر المفسرين كالطبري وابن عطية والقرطبي والسعدي وابن عاشور.
    أما غيرهم فقد ساق الأسباب وسكت عن الترجيح.
    أما ابن العربى فمال إلى حديث زيد بن ثابت، فقال بعد سياق الأسباب: (والصحيح ما رواه زيد) اهـ.
    وقال ابن حجر: (هذا هو الصحيح في سبب نزولها) اهـ يعني حديث زيد.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره مجاهد - رحمه الله - لصحة إسناده إليه وموافقته لسياق الآيات القرآني، وأقوال المفسرين والله أعلم.
    * * * * *


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 418 الى صـ 423
    الحلقة (76)

    60 - قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا (94)
    * سبب النزول:

    1 - أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا) قال: كان رجل في غنيمة له فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه فأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك إلى قوله: (تبتغون عرض الحياة الدنيا): تلك الغنيمة.
    ولفظ أحمد والترمذي: مر رجل من بني سليم بنفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يسوق غنما له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا. فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا).
    2 - أخرج أحمد عن عبد الله بن أبي حدرد - رضي الله عنه - بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إضم فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ومحلم بن جثامة بن قيس فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مر بنا عامر الأشجعي على قعود له متيع ووطب من لبن فلما مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله بشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد بعض المفسرين هذين الحديثين كالطبري وابن كثير واقتصر بعضهم على إيراد حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ومن هؤلاء البغوي وابن العربي والقرطبي وابن عاشور، واقتصر ابن عطية على حديث ابن أبي حدرد.
    وقد ورد في سبب نزول الآية غير ما تقدم فعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (قال بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فيها المقداد بن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح فقال: أشهد أن لا إله إلا الله فأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه: أقتلت رجلا يشهد أن لا إله إلا الله لأذكرن ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله فقتله المقداد، فقال: (ادع لي المقداد. يا مقداد، أقتلت رجلا يقول: لا إله إلا الله، فكيف لك بلا إله إلا الله غدا؟) قال: فأنزل الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمقداد: (كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، وكذلك كنت تخفي إيمانك بمكة من قبل) اهـ.
    وإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن الجمع بين هذه الأحاديث؟ ابن حجر - رحمه الله - لما شرح حديث ابن عباس الثابت في الصحيح قال:(وروى البزار في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى ثم ساق حديث المقداد باختصار، ثم قال: وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها ويستفاد منها تسمية القائل.
    وأما حديث عبد الله بن أبي حدرد - رضي الله عنه - فقال عنه: وورد في سبب نزولها عن غير ابن عباس شيء آخر ثم ساق الحديث وقال: وهذه عندي قصة أخرى ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معا) اهـ.
    والظاهر - والله أعلم - أن الجمع بين الأدلة لا يستقيم هنا لأن الأحاديث غير متكافئة في أسانيدها فحديث عبد الله بن أبي حدرد لم يصح سنده كما تقدم.
    وفي شيء من متنه مخالفة للآية، فإن الله بين في الآية أن العلة من قتله ابتغاء عرض الحياة الدنيا بقوله: (تبتغون عرض الحياة الدنيا) وفي الحديث أن محلما قتله لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية.
    ثم هذا أيضا يخالف ما ذكره ابن عباس في الحديث الصحيح فإنه قال: (فلحقه المسلمون)، وهذا يعني أنه ليس محلما فقط هو الذي لحقه ومما يؤيد هذا من الآية أن الله أتى بضمير الجمع من أولها في قوله: (يا أيها الذين آمنوا) إلى آخرها بقوله: (إن الله كان بما تعملون خبيرا)، وبعيد أن يأتي الله بضمائر الجمع الكثيرة هذه وهو يتحدث عن واحد.
    أما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في قصة المقداد فإسناده لم يصح مرفوعا بل الصحيح فيه أنه مرسل وقد تقدم تفصيل ذلك.
    ثم هو يخالف حديث ابن عباس الصحيح فقد جاء فيه: (فلحقه المسلمون)، وفي الحديث الآخر وبقي رجل لم يبرح، فإذا كان قد بقي فكيف يلحق؟
    ثم ضمائر الجمع الكثيرة هذه يقال فيها ما قيل في قصة محلم.
    وبناء على ما تقدم يكون الراجح في سبب نزولها حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين وغيرهما لعدم وجود المعارض الصحيح الصريح.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكره ابن عباس - رضي الله عنهما - في الحديث: (كان رجل في غنيمة له) وذلك لصحة سنده وصراحة ألفاظه وموافقته لسياق الآيات القرآني، واعتماده من أكثر المفسرين والله أعلم.
    * * * * *


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 424 الى صـ 429
    الحلقة (77)

    61 - قال الله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95)
    * سبب النزول:

    أخرج الترمذي والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر) عن بدر والخارجون إلى بدر لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم: إنا أعميان يا رسول الله، فهل لنا من رخصة؟ فنزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ... فضل الله المجاهدين ... على القاعدين درجة) فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه) على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد ورد هذا الحديث عند الطبري وابن كثير ولم يتعقباه بشيء.
    وقد تبين من دراسة سند الحديث أن ما زاد على قوله: (والخارجون إلى بدر ... ) مدرج من كلام ابن جريج، وعلى هذا ينتفي الاحتجاج به على السببية.
    وقوله في المتن أيضا: لما نزلت غزوة بدر، لم ينزل في شأن الغزوة قبل ابتدائها شيء بل المعروف أن الله وعدهم إحدى الطائفتين فلو نزل في الغزو شيء لم يكن لوعده بالعير معنى.
    وأيضا فإن سياق الآية المذكور في الحديث ليس كاملا بل قد سقط منه عدد من الجمل.
    ومما يؤيد ضعف هذا الحديث إعراض أكثر المفسرين عن ذكره، بل لم يذكره إلا من له عناية بسرد ما ورد في الآية من روايات.
    * النتيجة:
    أن السبب المذكور لا يصح في نزول الآية لاعتلاله سندا وغرابته متنا.
    * * * * *

    62 - قال الله تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95)

    * سبب النزول:
    أخرج البخاري وأحمد والدارمي ومسلم والترمذي والنسائي عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين) قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ادعوا فلانا). فجاءه ومعه الدواة واللوح، أو الكتف فقال: (اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله). وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله).
    وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) قال فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان رجلا أعمى، فأنزل الله تبارك وتعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله - عز وجل -: (غير أولي الضرر).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذا المقطع من الآية وعلى هذا القول جمهور أهل التفسير كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور وغيرهم.
    قال الطبري: (أي لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل الله من أهل الإيمان بالله ورسوله المؤثرون الدعة والخفض والقعود في منازلهم على مقاساة حزونة الأسفار والسير في الأرض، ومشقة ملاقاة أعداء الله بجهادهم في ذات الله وقتالهم في طاعة الله، إلا أهل العذر منهم بذهاب أبصارهم، وغير ذلك من العلل التي لا سبيل لأهلها للضرر الذي بهم إلى قتالهم وجهادهم في سبيل الله والمجاهدون في سبيل الله، ومنهاج دينه لتكون كلمة الله هي العليا) اهـ.
    وقال البغوي: (أي ليس المؤمنون القاعدون عن الجهاد من غير عذر والمؤمنون والمجاهدون سواء، غير أولي الضرر فإنهم يساوون المجاهدين لأن العذر أقعدهم) اهـ.
    وقال السعدي: (أي لا يستوي من جاهد من المؤمنين بنفسه وماله، ومن لم يخرج للجهاد ولم يقاتل أعداء الله.
    ففيه الحث على الخروج للجهاد، والترغيب في ذلك، والترهيب من التكاسل والقعود عنه من غير عذر.
    وأما أهل الضرر كالمريض، والأعمى، والأعرج، والذي لا يجد ما يتجهز به فإنهم ليسوا بمنزلة القاعدين من غير عذر.
    فمن كان من أولي الضرر، راضيا بقعوده، لا ينوي الخروج في سبيل ألله، لولا وجود المانع ولا يحدث نفسه بذلك فإنه بمنزلة القاعد لغير عذر.
    ومن كان عازما على الخروج في سبيل الله، لولا وجود المانع يتمنى ذلك ويحدث به نفسه فإنه بمنزلة من خرج للجهاد، لأن النية الجازمة إذا اقترن بها مقدورها من القول أو الفعل ينزل صاحبها منزلة الفاعل) اهـ.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول قوله تعالى: (غير أولي الضرر) شكاية ابن أم مكتوم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرارته وعجزه عن الجهاد وذلك لصحة سند الحديث وصراحة اللفظ وموافقة السياق القرآني واتفاق المفسرين على ذلك والله أعلم.
    * * * * *


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 430 الى صـ 437
    الحلقة (78)


    63 - قال الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا (97)
    * سبب النزول:

    أخرج البخاري والنسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: إن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سواد المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأتي السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضربه فيقتله، فأنزل الله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم).
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة. وقد أورد هذا الحديث في سبب نزولها الطبري والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
    والناظر المتأمل في الآية والحديث يجد أن الآية تتحدث عن الهجرة فقط بقوله: (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) بينما الحديث يزيد على ذلك ذكر القتال لقوله: فيأتي السهم، إلى آخره.
    ولهذا قصر السعدي الوعيد في الآية على ترك الهجرة موافقة للآية فقال: (هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات، فإن الملائكة الذين يقبضون روحه، يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم ويقولون لهم: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم، فحيثما كان العبد في محل، لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعا وفسحة من الأرض، يتمكن فيها من عبادة الله كما قال تعالى: (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) اهـ بتصرف.
    وذهب أكثر المفسرين إلى أن الآية نازلة في قوم آمنوا بمكة ولم يهاجروا إلى المدينة مع قدرتهم على ذلك فمنهم من مات بمكة ومنهم من خرج به المشركون إلى بدر قهرا فقتل هناك.
    قال الطبري: (وذكر أن هاتين الآيتين (يعني الآية التي معنا والتي بعدها) والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا، وآمنوا بالله ورسوله، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين هاجر، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين فأبى الله قبول معذرتهم التي اعتذروا بها التي بينها في قوله خبرا عنهم: (قالوا كنا مستضعفين في الأرض) اهـ.
    وقال البغوي: (نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا منهم فلان وفلان، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار) اهـ بتصرف.
    وقال ابن عطية: (المراد بهذه الآية جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان به، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم) اهـ.
    وهذا الكلام المتقدم يتفق مع سبب النزول.
    والظاهر - والله أعلم - أن في سبب النزول اختصارا ومحل هذا الاختصار قصة خروجهم (أعني المسلمين) مع المشركين يوم بدرة لأن الحديث نص في أن السهم يرمى فيصيب أحدهم فيقتله، أو يضرب فيقتل، والقسمة العقلية في مثل هذا لا تحتمل إلا طرفين لا وسط بينهما فإما أن يكون هؤلاء القتلى المذكورون في الحديث مسلمين يقاتلون في جيش المسلمين فهم شهداء لا يستحقون التثريب والعتاب بل حقهم الثناء والثواب، وهذا لم تدل عليه الآية.
    وإما أن يكون هؤلاء مسلمين خرجوا في جيش المشركين فقتلوا فاستحقوا التقريع والتوبيخ. وهذا الذي دلت عليه الآية بقوله: (ظالمي أنفسهم) وبقوله: (فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا).
    فإن قيل: الآية لم تتحدث عن خروجهم مع المشركين إلى بدر وإنما تحدثت عن تركهم الهجرة.
    فالجواب: أن هذا صحيح لأن أصل المعصية هو تركهم الهجرة فلو كانوا قد هاجروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ما استطاع المشركون إكراههم على الخروج معهم ولم يكن لهم سبيل إلى ذلك، فالآية تحدثت عن أصل الذنب وتركت ما ترتب عليه.
    * النتيجة:
    أن سبب نزول الآية الكريمة حديث ابن عباس المذكور لصحة سنده، وتصريحه بالنزول، واتفاق جمهور المفسرين على القول به، وعدم اختلافه مع لفظ الآية. والله أعلم.
    * * * * *

    64 - قال الله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا (102)
    * سبب النزول:

    أخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعسفان، فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر، فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآيات بين الظهر والعصر: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فأخذوا السلاح، قال: فصففنا خلفه صفين، قال: ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع، فرفعنا جميعا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا، جلس الآخرون، فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، قال: ثم ركع، فركعوا جميعا، ثم رفع، فرفعوا جميعا، ثم سجد النبي - صلى الله عليه وسلم - والصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما جلس، جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم، ثم انصرف، قال: فصلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرتين: مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم.
    * دراسة السبب:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرهم لهذه الآية لكن منهم من ساق الحديث باعتباره صفة من صفات صلاة الخوف كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية دون إشارة واضحة إلى أنه سبب نزول الآية.
    ومنهم من ساق الحديث باعتباره سبب نزولها كالقرطبي فإنه ذكر الحديث عند تفسيره للآية إلى أن قال: (فنزل جبريل - عليه السلام - بهذه الآية بين الظهر والعصر (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) وقال: وهذا كان سبب إسلام خالد - رضي الله عنه -) اهـ.
    وابن كثير فإنه قال: (ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أولا قبل ذكر صفتها ثم ساق حديثا عن علي - رضي الله عنه - في نزولها وقال في آخره وهذا سياق غريب جدا، ولكن لبعضه شاهد من رواية أبي عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت. ثم ساق الحديث إلى أن قال في آخره، وهذا إسناد صحيح وله شواهد كثيرة) اهـ.
    وابن عاشور فقد قال: (إن سببها (يعني الآية) أن المشركين لما رأوا حرص المسلمين على الصلاة قالوا: هذه الصلاة فرصة لنا لو أغرنا عليهم لأصبناهم على غرة فأنبأ الله بذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونزلت الآية) اهـ.
    والحديث كما تبين من دراسة إسناده معلول بعلتين:
    الأولى: الانقطاع بين مجاهد وأبي عياش، الثانية: إعلاله بالإرسال فمن نظر إلى هاتين العلتين جزم بضعفه، ومن نظر إلى تصحيح الحديث من قبل بعض الأئمة الكبار واشتهاره عند أئمة التفسير ورواة الأخبار والسير كاد يجزم بأنه صحيح.
    والظاهر - والله أعلم - أن الحديث من مراسيل مجاهد ولا يمنع هذا أن يكون للحديث أصلا إذا علمنا أن مجاهدا ممن قرأ التفسير على ابن عباس - رضي الله عنهما - ووقفه عند كل آية، مع ما يحتف بهذا من تصحيح الأئمة الكبار له واشتهاره عند المفسرين وأهل السير.
    * النتيجة:
    أن الحديث سبب نزول الآية الكريمة وإن كان من مراسيل مجاهد لكنه يعتضد بإمامته في التفسير وتلقيه عن ابن عباس وموافقته لسياق القرآن واشتهاره عند المفسرين وأهل السير والمغازي، مع تصحيح بعض الأئمة الكبار له مما يشعر أن للحديث أصلا، والله أعلم.
    * * * * *

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Jun 2022
    المشاركات
    2,228

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد

    الثاني: التساهل في رواية الفضائل فقد روي عنه قوله: (نحن إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا) ولا يعني هذا إخراج الموضوعات لكن النظر يختلف في تحديد الموضوع من الضعيف عند العلماء.
    1) من أعظم فوائده, أنه من مصلحة طلبة العلم عدم تنقيح أحمد له. مرجع عظيم لدراسة أحول الرواة من خلال مروياتهم.
    2) توسيع الأفق والمدارك, فالاف الاحاديث فيه, لأحمد كلام في رواتها, بل وهن صراحة بعض متونها وردها. وهذا رد على مزاعم ابي موسى المديني, وكأنه لم يقرأ المسند.
    3) قد تجد فيه احاديث أصح من أحاديث الصحيحين, بسبب علو إسناد أحمد, وايضا بقية طبقات السند, خصوصا مايرويه عن شيوخه يحيى بن سعيد القطان و عبد الرحمن بن مهدي, أقطاب علم علل الحديث دون منازع, عن الثقات.
    4) ماذكره ابو موسى المديني في القرون الوسطى, أقرب لعاطفته والتخرص على الإمام أحمد, والناس مع وهن الخلافة وهنت عقولها وترددت هممها. حسنتهم الوحيدة أنهم نسخوا هذه الكتب عبر القرون حتى وصلتنا, فجزاهم الله خيرا على هذا الشيء فقط.
    5) فيه بعض الأحكام على الشيوخ. مرجع في العلل.
    6) يكفي أن مؤلفه أحمد, وبالتالي اي حديث فيه نعلم أن أحمد نقله دون تدليس أو تغيير حرف في الألفاظ, سواء كان الحديث صحيحا أو مكذوبا.
    7) كتاب لا يمكن الملل منه.

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



    المحرر في أسباب نزول القرآن
    المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
    المجلد الاول

    سورة النساء
    من صــ 438 الى صـ 444
    الحلقة (79)

    65 - قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)
    * سَبَبُ النُّزُولِ:

    أخرج الترمذي عن قتادة بن النعمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان أهل بيت منا يُقال لهم: بنو أُبيرقٍ بشر وبُشير ومبشر، وكان بُشير رجلاً منافقاً يقول الشعر، يهجو به أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ينحله بعض العرب ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، أو كما قال الرجل، وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قال: وكانوا أهل بيتِ حاجةٍ وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافِطَة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضَافِطَة من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حِمْلاً من الدرمك فجعله في مَشْرُبَة له، وفي المشربة سلاح، درع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنُقِّبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي إنه قد عُدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذُهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أُبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نُرى فيما نُرى إلا على بعض طعامكم، قال: وكان بنو أُبيرق قالوا:ونحن نسأل في الدار، والله ما نُرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجل منا له صلاح وإسلام، فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال:
    أنا أسرق؟ فواللَّه ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنها أيها الرجل فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقلت: إن أهل بيت منا أهلُ جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مَشْرُبَةً له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (سآمر في ذلك) فلما سمع بنو أُبيرق أتوا رجلاً منهم يُقال له أُسير بن عروة فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك ناس من أهل الدار، فقالوا: يا رسول اللَّه إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بيِّنة ولا ثبت، قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكلمته، فقال: (عمدت إلى أهل بيت ذُكر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينه) قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أُكلم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:
    الله المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) بني أُبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ) أي مما قلت لقتادة: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا). (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ) إلى قوله (غَفورًا رَّحِيمًا) أي: لو استغمْروا اللَّه لغفر لهم: (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إلى قوله (وَإِثْمًا مُبِينًا) قولهم للبيد: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ) إلى قوله (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) فلما نزل القرآن أتى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالسلاح فرده إلى رفاعة. فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخاً قد عشا أو عسا - الشك من أبي عيسى - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال:
    يا ابن أخي، هو في سبيل اللَّه، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً، فلما نزل القرآن لحق بُشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللَّه: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116). فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت:أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير.
    * دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
    هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث في سبب نزولها، وأورده بعضهم بسياق مقارب للمذكور، لكن الجميع اتفقوا على أن نزولها كان في بني أبيرق، كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
    قال ابن العربي: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ .. ) الآية: (هذه الآية نزلت في شأن بني أُبيرق سرقوا طعام رفاعة بن زيد واعتذر عنهم قومهم بأنهم أهل خير فذكره مختصرًا إلى أن قال نهى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة). اهـ.
    وقال ابن عطية: (سببها باتفاق من المتأولين أمر بني أُبيرق وكانوا إخوة ... فساق الحديث). اهـ.
    وقال القرطبي: (في هذه الآية تشريف للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكريم وتعظيم وتفويض إليه وتقويم أيضًا على الجادة في الحكم، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق). اهـ.
    وقال ابن كثير: (وقد ذكر مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وابن زيد وغيرهم في هذه الآية أنها نزلت في سارق بني أُبيرق على اختلاف سياقاتهم وهي متقاربة. ثم ساق الحديث) اهـ.
    وقال ابن عاشور: (جمهور المفسرين على أن هاته الآية نزلت بسبب حادثة رواها الترمذي حاصلها أن إخوة ثلاثة يُقال لهم: بشر وبُشير ومبشر أبناء أُبيرق .. فساق الحديث). اهـ.
    هذه أقوال المفسرين في شأن نزول الآيات. وقد تبين من دراسة سند الحديث أنه مرسل، وهو وإن كان ضعيفًا من جهة إسناده لكنه يعتضد بأمرين:الأول: موافقته للسياق القرآني موافقة تامة، ومن المعلوم أن المطابقة بين سياق الآيات وسبب النزول قرينة تعضد السبب وتقويه.
    الثاني: اعتماد المفسرين من السلف والمتأخرين له وتعويلهم عليه مما يدل على أن له أصلاً، ومن البعيد جدًا أن يعتمد المفسرون قديمًا وحديثًا على سبب ليس له أصل.
    * النتيجة:
    أن السبب المذكور في نزول تلك الآيات معلول بالإرسال ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات واللَّه أعلم.
    * * * * *

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •