الرجوع إلى العلماء وقاية من الفتن


د. بسام الشطى



قال الله -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء: 83)، قال العلامة عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- في معنى الآية: «هذا تأديب من الله لعباده على فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة، عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، (أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة)، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها».

ومن حكمةِ الله -تعالى- ورحمتِه أن يصطفي من الناسِ أئمةَ هدى وعلمٍ وصلاحٍ وحكمة، يهتدي بهم الناسُ في ظلمات الجهل والشبه والضلال {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}. (السجدة: 24)، فإذا فقدَ الناسُ هؤلاءِ الأئمة ضلَّوا الطريقَ المستقيم، ووقع الناس في الضلال المبين كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا؛ فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا}.

ولما كان العلماءُ بهذه المنزلةِ جعلهم اللهُ مرجعَ الأمةِ في السؤالِ عند وقوع الفتن والمحن، قال الحسن البصري-رحمه الله-: الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم، وإذا أدبرت عرفها كل جاهل، وإنما أمر الله -تعالى- بالرجوع لأهل العلم والفقه أيام الفتن والمحن؛ لأن من أعظمِ مكائد الشيطان لأهل الهوى والغاليين والخوارج أنَّه يُزيِّن لهم اتِّباعَ الهوى وركوبَ رؤوسِهم وسوءَ الفهم في الدِّين، ويُزهِّدهم في الرجوع إلى أهل العلم؛ لئلاَّ يُبصِّروهم ويُرشدوهم إلى الصواب، وليبقوا في غيِّهم وضلالهم، والله -تعالى- يقول: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (ص: 26).

ومن القواعد الراسخة عند أهل العلم أن أمر البت في النوازل والحوادث المستجدة وإيضاح حكم الشرع فيها، ليس لأحد أن يخوض فيه إلا العلماء أهل البصيرة في الدين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالمًا مجتهدًا عالمًا مجتهدًا، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولايات والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين، وبأن يستفتيه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدَّعي ذلك لنفسه، ولا يلزم الرعية حكمه في ذلك بقول دون قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فمن هو دون السلطان في الولاية أولى بأن لا يتعدى طوره» ا.هـ.

لذلك فإن ما يحدث من وقوع كثير من الشباب في الفتن إنما هو بسبب تجاهلهم لأهل العلم الراسخين من العلماء الربانين، الموثوق بعلمهم ودينهم، ولاشك أن هذا أمر خطير ينذر بشرٍّ عظيم؛ لأن الشباب إذا لم يصدروا عن أقوال العلماء الراسخين فسوف يصدرون عن أقوال المتعالمين وأصحاب الأهواء وحدثاء الأسنان، ولا يخفى خطر ذلك على البلاد والعباد.

فعلى المرء أن يتقى الله -تعالى-، فالواجبُ على النَّاسِ جميعًا الأخذُ برأي العلماءِ والصدورُ عن قولِهم.