واجب اللسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ومن واجبات اللسان إنكار المنكر، كما جاء في الحديث الصحيح: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فغير وجعل الخطبة قبل الصلاة لكي يجبر الناس على الاستماع؛ لأنهم صاروا ينصرفون، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة؛ بياناً للسنة وللحكم الشرعي، وأمراً بالمعروف ونهياَ عن المنكر، فقال: -أي الأمير- قد تُرك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (رواه مسلم رحمه الله).
وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» (رواه مسلم). واتخاذ اللسان آلة للمنافحة عن الحق، والرد على أهل الباطل، واحتساب الأجر بهذا العمل، في بيان الدين، ونفي تحريف الغالين عنه، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، من أعظم العبادات عند الله أن تنافح عن دينه يا عبد الله، وأن تستخدم لسانك للذب عما يقوله أعداء الإسلام، وأصحاب الترهات، الذين يريدون تشويه الإسلام، وتغيير أحكامه، والعبث بحلاله وحرامه، كما يفعل الكثيرون اليوم، عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال: «اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق بالنبل» فأرسل إلى ابن رواحه فقال: اهجهم فهجاهم فلم يرضِ فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه -يعني أخرجه من فمه- فجعل يحركه -كما يخرج المقاتل سيفه استعداداً للمبارزة والمنازلة في المعركة- ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله ﷺ: «لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريشاً بأنسابها وإن لي فيهم نسباً حتى يلخص لك نسبي»، فأتاه حسان، أي: أتى أبا بكر، ثم رجع فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعر من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله ﷺ يقول لحسان: «إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله» وقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «هجاهم حسان فشفا واشتفى وقال في شعره ذلك» :

هجوت محمداً براً حنـيـفـــاً *** وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمداً فأجبت عنـه *** وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمداً براً حـنـيـفــاً *** رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعـرضــــي *** لعرض محمد منكم وقاء

إلى أن قال في آخره شعره رضي الله تعالى عنه:
فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصـره ســـــواء
وجبريل رسول الله فيـنـــــا *** وروح القدس ليس له كفاء
رواه مسلم رحمه الله في صحيحه. وكما أن الشريعة أمرت باستعمال اللسان في الذب عن الدين، وهجاء الأعداء، وتوضيح الأحكام، وبيان هذه الشريعة، كذلك فقد نهت عن كل ما يسخط الرب بهذا اللسان، كالسب، والاستهزاء، والغيبة، والنميمة، والشتيمة، والتنقص، ونحو ذلك من آفات اللسان، وكذلك يدخل فيه التكلف والتفاصح مباهاة، كما جاء عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلل البقرة» (رواه الترمذي وحسنه). ومعنى البليغ، أي: المبالغ والمتكلف للفصاحة من الرجال، أي" من بينهم؛ لأن الغالب فيهم الذي يتخلل بلسانه، أي: يأكل بلسانه، أو يدير لسانه حول أسنانه مبالغة في إظهاره وبيانه، كما تتخلل البقرة، أي: بلسانها، فيتشدق بالكلام بلسانه، ويلفه كما تلف البقرة الكلأ بلسانها لفاً، وخص البقرة؛ لأن جميع البهائم تأكل النبات بأسنانها، وهي أي: البقرة تجمعه بلسانها، وأما من كانت بلاغته خلقية غير متكلفة فغير مبغوض، وكذلك من أراد أن يتعلم العربية الفصيحة ويطبقها دون إرادة المباهاة فليس بمذموم.
عباد الله: ولأجل خطورة هذا اللسان، كان الدعاء من النبي ﷺ وهو خارج لصلاة الفجر: «اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا واجعل في سمعي نورا واجعل في بصري نورا» (الحديث رواه مسلم رحمه الله). اللهم هبنا لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وأعنا على نصرة دينك بألسنتنا يا رب العالمين، اللهم اجعل قوّالين بالحق ومن العاملين به، إنك على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وافسحوا لإخوانكم يفسح الله لكم.