الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية
- وجوب المبادرة بصرف الرّيع إلى المستحقّين



عيسى القدومي




باب الوقف من الأبواب المهمة التي ينبغي تقرير ضوابطه، ذلك أن عامة أحكام الوقف اجتهادية فلا مناص من الانطلاق في تقريرها من أصول الشريعة العامة الضابطة لباب المصالح والمنافع على وجه الخصوص ثم من القواعد الفقهية الكلية ثم يترجم ذلك كله على هيئة ضوابط خاصة في باب الوقف، وهذا ما نتناوله في هذه السلسلة، واليوم مع الضوابط المتعلّقة بصرف ريع الوقف والضابط الضابط الثالث وهو: وجوب المبادرة بصرف الرّيع إلى المستحقّين.

المستحقّون: هم الذين شَرَطَ الواقف أن يكون الرّيع أو المنفعة أو الانتفاع لهم، أو الذين يقضي الشّرع باستحقاقهم إذا لم يشترط الواقف شيئًا وجعل وقفَه مطلقًا، والمبادرة: المسارعة، وهي ضدّ التلكُّؤ والتأخير، قال المقّري: «حقوق العباد على الفور، لاحتياجهم إليها».


عمارة الوقف مقدّمةٌ على غيرها

وإذا كان كذلك، فقد قال القرافي: «ويُقَدَّمُ الفوريُّ على المُتراخي، لأنّ الأمر بالتعجيل يقتضي الأرجحيّة على ما جُعل له تأخيرُه»، وقد سبق بيان أنّ عمارة الوقف مقدّمةٌ على غيرها وإن لم يشترطها الواقف، وعليه فإذا انقضت العمارة الضروريّة، واستقام شأن الوقف، فإنّه لا يبقى إلّا أنصبة المستحقّين وأرزاقهم، ولا مسوّغ شرعاً لتأخيرها من غير داعٍ أو عذرٍ يقتضي ذلك، بل هذا من الإجحاف والظّلم البيّن.

تطبيقات القاعدة

لا بدّ من فصل الجهات المسئولة عن الصّرف في المؤسسات الوقفية، عن الجهات المسئولة عن التنمية والاستثمار، لأنّ العادة أنّ كلّ صاحب اختصاصٍ يحتاط لاختصاصه، ويبالغ في حماية نطاق عمله من الخلل، فإذا تمّ تحديد النِّسَب بين الاستثمار والصّرف، وتمّ تحديد نِسَب الصّرف والتوزيع ما بين العمارة وأنصبة المستحقّين، وارتبط ذلك بلوائح إداريّة واضحة، ضمنت المؤسسة قيامها بوظيفة النّظارة على أكمل وجه.