إن الغفلة حجاب عظيم على القلب يجعل بين الغافل وبين ربه وحشة عظيمة لا تزول إلاَّ بذكر الله تعالى.
فهى داء عضال، ومرض فتاك، أهلك الماضين، وأوقع الأحياء في بعد عن التزود ليوم الدين، صرف الكثيرين عن ربهم، وأرداهم الموت فكانوا من الخاسرين، سهوا عن طلب النجاة لأنفسهم، وغفلوا عن التزود للقاء ربهم، فاستيقظوا من غفلتهم وهم موسدون في قبورهم، مرتهنون بأعمالهم، يتمنى الواحد منهم أن يرجع إلى الدنيا كي يقدم زاداً يجده بين يدي ربه عندما تنشر الصحائف، وتفضح الخلائق بما قدموا من مساوىء أعمالهم.
قال ابن القيم - رحمه الله -: (على قدر غفلة العبد عن الذكر يكون بعده عن الله) (الوابل الصيب)
قال ابن القيم: " إن أعظم الأسباب التي يحرم بها العبد خير الدنيا والآخرة ولذة النعيم في الدارين ويدخل عليه عدو منها هو الغفلة المضادة للعلم والكسل المضاد للإرادة والعزيمة هذان اصل بلاء العبد وحرمانه منازل السعداء وهما من عدم العلم " مدارج السالكين (1\112).
يقول ابن القيم رحمه الله:
الذكر أصلُ موالاة الله عز وجل ورأسُها، والغفلةُ أصلُ معاداة الله ورأسُها، فإنَّ العبدَ لا يزالُ يذكرُ ربَّه عزَّ وجلَّ حتى يحبَّه اللهُ فيواليه، ولا يزالُ العبدُ في غفلةٍ عن ربِّه حتى يبغضَهُ اللهُ فَيُعَادِيه

قال ابن القيم: " لا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت " الوابل الصيب .

قال ابن القيم: " إن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة " الوابل الصيب
" أن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز و جل "
الوابل الصيب


قال ابن القيم : " إن حجاب الهيبة لله عز وجل رقيقُ في قلوب الغافلين " آفة حجاب الغفلة وسعار الشهوة (ص: 9).
يذكر ابن القيم: أن من أسباب الغفلة: فراغ القلب، وانشغاله، وإطلاق البصر ثم " .... تنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه " الجواب الكافي (ص: 127)بتصرف.
قال ابن القيم- رحمه الله-:
" إن الغافل بينه وبين الله عز و جل وحشة لا تزول إلا بالذكر "
الوابل الصيب


قال ابن القيم: " فإذا اطمأنت من الشك إلى اليقين ومن الجهل إلى العلم ومن الغفلة إلى الذكر ومن الخيانة إلى التوبة ومن الرثاء إلى الإخلاص ومن الكذب إلى الصدق ومن العجز إلى الكيس ومن صولة العجب إلى ذلة الإخبات ومن التيه إلى التواضع ومن الفتور إلى العمل فقد باشرت روح الطمأنينة، وأصل ذلك كله ومنشؤه من اليقظة ... " الروح (ص: 255-223) .
قال ابن الجوزي: " متى تكامل [العقل] فقدت لذة الدنيا فتضاءل الجسم و قوي السقم و اشتد الحزن؛ لأن العقل كلما تلمح العواقب أعرض عن الدنيا و إلتفت إلى ما تلمح و لا لذة عنده بشيء من العاجل ، و إنما يلتذ أهل الغفلة عن الآخرة و لا غفلة لكامل العقل " صيد الخاطر - (ج 1 / ص 371)
قال الشيخ السعدي رحمه الله: (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) الذين نسوا اللّهَ فأنساهم أنفسَهم، فإنَّهم حُرموا خير الدنيا والآخرة، وأعرضوا عمَّن كلُّ السعادةِ والفوزِ في ذكرِه وعبوديَّتِه، وأقبلوا على من كلُّ الشقاوة والخيبة في الاشتغال به.

قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا) غَفَلَ عن الله، فعاقبه بأن أَغْفَلَهُ عن ذكره؛ (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) أي: صار تبعاً لهواه؛ حيث ما اشتهتْ نفسُه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخُسرانه؛ فهو قد اتَّخذ إلهه هواه؛ كما قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) الآية. (وَكَانَ أَمْرُهُ) أي: مصالح دينه ودنياه (فُرُطًا) أي: ضائعة معطَّلة، فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنَّه لا يدعو إلا لما هو متصف به.


إن الغافل عن نفسه هو الغافلُ عن ذنوبه، الغافلُ عن أعماله، يجمع المصائبَ تِلْوَ المصائب، والبلايا مع البلايا، والفتن مع الفتنِ، والعظائم مع العظائم، وهو لا يدري ما تجمَّع عليه وما تَحَصَّلَ له من سوء عاقبة ما اجترحته يداه، ونطق به لسانه، ومشت إليه قدماه أو نظرت إليه عيناه، أو سمعته أذناه، فلا يبالي أأصبحَ مطيعاً أم عاصياً، أمضى ومشى إلى طاعة الله أم إلى معصيته.


غفلت عن المصير فضل سعيي *** فـيـا ويلاهُ من سوء المصيرِ
ويـا ويل الذي ضحى بأخرى *** لعـيش بهارجِ العمر القصيرِ
ويـا ويـلي غررت بما دعتنيِ *** إلـيـه الـنفس من وهمٍ وزورِ
فـقـد هتفت بي الأهواءُ يوماً *** وزيـنـت الـمظاهرَ بالقشورِ
وأهـدتـنـي جناحاً من خيالٍ *** لـيـحـملني إلى أفقِ السرورِ
وقـالـت لـلضمير الآن فارقدْ *** فـمـا مـتع تنال مع الضّميرِ
وغـابـتْ خـشيةُ الجبّار عنّي *** فـألـقـيت الزمام إلى الغرورِ
فـأظـهـر شوك دربي ياسميناً *** ومـنّـانـي البقاء على الدهورِ
وخـلّـى بين ضعفيَ والخطايا *** وقـال مقهقهاً : " وإلى السعير
فـيـا ويـلاه مـاذا قد دهاني *** فـلـم أنصت لتحذير النذيرِ؟
وأطـلـقت الندامة صوت حقٍ *** يـنـاقـش كل أسرار الضميرِ
وهـل تـجدي الندامة من فتيلٍ *** إذا لـم يـغـشها عفو القديرِ؟
فـبـادر قـبل موتكَ يا بنَ فانٍ *** وفـانـيـةٍ إلـى باب الغفورِ
تـذلـل لـلـعـليّ وتب إليه *** فـمـا لك غير ربك من مجيرِ