"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (83)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الحشر": (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ)

المراد بهم يهود بني النضير، حين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة.

والقول الراجح في الآية أن المراد هذا أول حشرهم، وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) على خمسة أقوال:

قال ابن عطية: "اختلف الناس في معنى ذلك بعد اتفاقهم على أن الحشر: الجمع والتوجيه إلى ناحية ما".

القول الأول: أن المراد لأول موضع حشر الناس في القيامة وهو الشام. (ذكره البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, وابن عطية*, والقرطبي*, ومكمل أضواء البيان*) (واقتصر عليه ابن كثير*) (وضعفه ابن عاشور*)

وروي عن ابن عباس أنه قال: من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اخرجوا. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى أرض المحشر ثم يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشام).

قال ابن عاشور: "وليس المراد به حشر يوم القيامة إذ لا مناسبة له هنا ولا يلائم ذكر لفظ (أول) لأن أول كل شيء إنما يكون متحد النوع مع ما أضيف هو إليه, وعن الحسن أنه حمل الآية على حشر القيامة وركبوا على ذلك أوهاماً في أن حشر القيامة يكون بأرض الشام".

القول الثاني: أن المراد هذا أول حشرهم، وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام. (ذكره البغوي*, والماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*) (ورجحه مكمل أضواء البيان*)
وهذ القول هو الراجح في معنى الآية.

(واقتصر ابن جرير* على قوله: "لأول الجمع في الدنيا، وذلك حشرهم إلى أرض الشام").

قال ابن عاشور: "وفي جعل هذا الإخراج وقتاً لأول الحشر إيذان بأن حشرهم يتعاقب حتى يكمل إخراج جميع اليهود, وذلك ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته إذ قال: (لا يبقى دينان في جزيرة العرب). وقد أنفذه عمر بن الخطاب حين أجلى اليهود من جميع بلاد العرب".

قال ابن عاشور: "واللام في قوله: (لأول الحشر) لام التوقيت, وهي التي تدخل على أول الزمان المجعول ظرفاً لعمل, مثل قوله تعالى: (يقول يا ليتني قدمت لحياتي) أي: لوقت حياتي. وقولهم: كتب ليوم كذا. وهي بمعنى (عند). فالمعنى أنه أخرجهم عند مبدأ الحشر المقدر لهم، وهذا إيماء إلى أن الله قدر أن يخرجوا من جميع ديارهم في بلاد العرب".

القول الثالث: أن أول الحشر الجلاء إلى الشام، والحشر الثاني حشر القيامة. (ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, والقرطبي*)
وقيل: الحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب (ذكره البغوي*, والرازي* والقرطبي*)

القول الرابع: أن هذا أول حشر لهم، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط، وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب. (ذكره البغوي*, والزمخشري*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*)

القول الخامس: أن المراد لأول ما حشر لقتالهم, لأنه أول قتال قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ذكره الزمخشري*, والرازي* ومكمل أضواء البيان*)
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/