"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (80)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الإسراء": (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا)

القول الأقرب في الآية أن المراد الكفار خاصة. (والتقدير: وإن من قرية ظالمة)

والمعنى: مهلكوها بالموت والاستئصال أو معذبوها بأنواع العذاب.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية على قولين:
الأول: أن الآية في عموم الخلق.
والمعنى: ما من قرية إلا هالك أهلها بالفناء، وإما أن يهلكوا بعذاب مستأصل إذا تركوا أمر الله وكذبوا رسله. (اقتصر عليه ابن جرير*) (واقتصر عليه أيضاً ابن كثير* فيما يبدو) (وذكره الماتريدي*) (وضعفه ابن عاشور*)

فتكون هذه الآية كقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت)، وكقوله: (كل من عليها فان).

وقد يستعمل الهلاك في موضع الموت, كقوله: (إن امرؤ هلك)
وقوله: (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا)

قيل: "فقد قدر الله أن يجيء يوم القيامة ووجه هذه الأرض خال من الحياة، فالهلاك ينتظر كل حي قبل ذلك اليوم الموعود. كذلك قدر العذاب لبعض هذه القرى بما ترتكب من ذنوب".

وضعف هذا القول ابن عاشور فقال: "وليس المقصود شمول ذلك القرى المؤمنة على معنى أن لا بد للقرى من زوال وفناء في سنة الله في هذا العالم، لأن ذلك معارض لآيات أخرى، ولأنه مناف لغرض تحذير المشركين من الاستمرار على الشرك.
فلو سلمنا أن هذا الحكم لا تنفلت منه قرية من القرى بحكم سنة الله في مصير كل حادث إلى الفناء لما سلمنا أن في ذكر ذلك هنا فائدة"

القول الثاني: أن المراد الكفار خاصة. (والتقدير: وإن من قرية ظالمة)
والمعنى: مهلكوها بالموت والاستئصال أو معذبوها بأنواع العذاب.
(اقتصر عليه ابن عاشور* وضعف القول الأول كما سبق) (ومال إليه القرطبي*) (وذكر القولين الزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والشنقيطي*)
(وذكر القولين أيضاً البغوي* فيما يبدو)
وهذ القول هو الأقرب والله أعلم.

قال ابن عاشور: "التهديد منهم بأن كل قرية مثل قريتهم في الشرك لا يعدوها عذاب الاستيصال وهو يأتي على القرية وأهلها، أو عذاب الانتقام بالسيف والذل والأسر والخوف والجوع".


قال الرازي: "قيل: المراد: وإن من قرية من قرى الكفار، ولا بد أن تكون عاقبتها أحد أمرين: إما الاستئصال بالكلية وهو المراد من الإهلاك أو بعذاب شديد دون ذلك من قتل كبرائهم وتسليط المسلمين عليهم بالسبي واغتنام الأموال وأخذ الجزية".

قال القرطبي: "يقوي ذلك قوله: (وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون).

وقوله: (كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) أي: في اللوح المحفوظ.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/