تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أيُّهـا العـالِم إيّـاك الـزَلَـل *** و احـذَرِ الهفـوةَ فالخَطبُ جَلَـلْ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي أيُّهـا العـالِم إيّـاك الـزَلَـل *** و احـذَرِ الهفـوةَ فالخَطبُ جَلَـلْ


    أيُّهـا العـالِم إيّـاك الـزَلَـل *** و احـذَرِ الهفـوةَ فالخَطبُ جَلَـلْ
    هفـوةُ العـالِـمِ مُـستَعظَمَـةٌ *** إن هَفَا يوماً أصبَحَ في الخَلْـقِ مَثَلْ
    إن تكُـن عنـدَكَ مُـستَحقَـرةٌ *** فـهيَ عِنـدَ اللهِ و النـاسِ جَبَـلْ
    أنتَ مِلـحُ الأرضِ ما يُصلحُـهُ *** إن بَــدا فيـهِ فَسـادٌ أو خَـلَـلْ
    ***

    أبى العصمةَ إلا لكتابه الذي
    ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ و لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) ، و لنبيّه صلى الله عليه و سلّم في تبليغ الرسالة ، و ذلك مقتضى حفظ دينه ، و إقامة حجّته على خلقه .
    و اصطفى تعالى لحمل العلم من كلّ خلفٍ عدولَه و خصّهم بالفهم و الاستنباط السليم ، فسخّروا ما آتاهم الله من فضله في إقامة الحجّة و بيان المحجّة ، و استشعروا عِظَم واجب التبليغ و التوقيع عن ربّ العالمين فقاموا به خيرَ قيامٍ ، تحمُّلاً و أداءً ، و كان حقّاً على من عرَف فضلهم ، و خبرَ سبقهم أن يتقرّب إلى الله بحبّهم و الذبّ عن أعراضهم ، كيفَ و هم أهل الذكر الذين أُمرنا بسؤالهم و طاعتهم ، كما في قوله تعالى : ( وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) [ النحل : 43 ] .
    و ما ابتُليَ عالمٌ بجاهلٍ بقدرهِ ، طاعنٍ في دينه أو علمه ، إلاّ قيّض الله له من ينافح عنه و يذبّ عن عِرضه ، و هذا واجب كفائيٌّ في أقلِّ أحواله .
    و إن فرَّطَ في القيام بواجب الذبّ عن العلماء أقوامٌ ، فقد أفرَط آخرون في هذا الباب ، فجانبوا الصواب ، و صاروا إلى الممنوع ؛ بمجاوزةِ المشروع ، حيث غلَوا في علمائهم ، و تعصبّوا لآرائهم و أقوالهم ، و نصّبوا أنفسهم للتبرير و الدفاع عن زلاّتهم ، و هذا من أشنع أنواع التعصّب ، في التقليد و التمذهُب .
    و صار أهل الحقّ – و هم أوسط الناس و أعدلهم – إلى إعمال الدليل ، و التماس العذر للعالم في زلّته ، و التأدّب في ردّ مقالته و عَدَم المبالغة في تعظيم العالِم ( المستَفتَى و غيرِه ) بأخذ كلّ ما يصدُر عنه ، أو اعتقاده إصابَتَه الحقَّ في كلّ ما يُفتي فيه أو يُخبِر به ، لأنَّه من بني البَشر ، ( و كلُّ بني آدَم خطّاء ، و خير الخطائين التوّابون ) كما أخبر صلى الله عليه وسلم
    [ فيما رواه الترمذي و ابن ماجة و أحمد بإسنادٍ حسن ] ، و العالِم في هذا كغيره ؛ معرَّضٌٌٌ للخطأ ، و الوَهمِ ، و النسيان .
    *******

    التحذير من زلات العلماء وقوعاً فيها و متابعةً عليها
    قال ابن القيّم :
    ( العالِم يزِلُّ و لا بُدَّ ، إذ لَيسَ بمعصومٍ ، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله ، و يُنزَّل قوله منزلة قول المعصوم ، فهذا الذي ذمَّه كلّ عالِم على وجه الأرض ، و حرَّموه ، و ذمُّوا أهلَه )
    [ إعلام الموقعين : 2 / 173 ] .
    و قال الإمام الشاطبي عقبَ إيراد كلام ابن عبد البر في خطَر زلّة العالم :
    ( لابد من النظر في أمور تبنى على هذا الأصل :
    منها : أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ، و لا الأخذ بها تقليداً له ، و ذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع ، و لذلك عُدَّت زلةً ، و إلا فلو كانت معتداً بها لم يُجعل لها هذه الرتبة ، و لا نُسِب إلى صاحبها الزلل فيها ، كما أنه لا ينبغي أن يُنسب صاحبها إلى التقصير ، و لا أن يُشنَّعَ عليه بها ، و لا يُنتَقَصَ من أجلها ، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتاً ، فإن هذا كله خلاف ما تقضي رتبته في الدين ...
    و منها : أنه لا يصح اعتمادها خلافاً في المسائل الشرعية ، لأنها لم تصدر في الحقيقة عن اجتهاد ، و لا هي من مسائل الاجتهاد ، و إن حصل من صاحبها اجتهاد فهو لم يصادف فيه محلاً ، فصارت في نسبتها إلى الشرع كأقوال غير المجتهد , و إنما يُعد في الخلاف الأقوال الصادرة عن أدلة معتبرة في الشريعة ، كانت مما يقوى أو يضعف ، و أما إذا صدرت عن مجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته فلا ، فلذلك لا يصح أن يعتد بها في الخلاف ، كما لم يعتد السلف الصالح بالخلاف في مسألة ربا الفضل ، و المتعة ، و محاشي النساء ، و أشباهها من المسائل التي خفيت فيها الأدلة على من خالف فيها )
    [ الموافقات ، للشاطبي : 4/170 و ما بعدها ] .
    و رُويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : ( ثلاث يهدمن الدين زلة العالم ، و جدال المنافق بالقرآن ، و أئمة مضلون )

    و في مسند أبي حنيفة [ 1 / 68 ] أنَّ رجلا قال لمعاذ حين حضره الموت أوصني ، فقال : ( اتق زلة العالم ) ،

    و رويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : ( ويل للأتباع من عثرات العــالم ) . قيل : و كيف ذاك ؟ قال : ( يقول العالم شيئاً برأيه ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله صلى الله عليه وسلم فيترك قوله ذلك ، ثم يمضي الاتباع ) [
    الموافقات ، للشاطبي : 3 / 318
    و عند الدارمي عن ‏محمد بن واسع ‏ ‏قال : ‏كان ‏ ‏مسلم بن يسار ‏ ‏يقول :‏ ‏( إياكم ‏ ‏و المراء ‏ ‏فإنها ساعة جهل العالم و بها يبتغي الشيطان‏ زلته ) .
    و قال الفُضيل بن عياض رحمه الله : ( إني لأرحم ثلاثة : عزيز قوم ذلّ ، و غني قوم افتقر ، و عالماً تلعب به الدنيا ) .
    و قال الإمام الذهبي رحمه الله : ( من يتتبّع رُخَص المذاهِب ، و زلاّت المجتهدين فقد رقَّ دِينه )
    [ سير أعلام النبلاء : 8 / 81 ] .
    و حكى الزركشي أن القاضي المالكي إسماعيل بن إسحاق الأزدي رحمه الله ، قال : ( دخلت على المعتضد ، فَدَفَع إليَّ كتاباً نظرت فيه ، و قد جمع فيه الرخص من زلل العلماء ، و ما احتج به كل منهم ، فقلت : إن مصنف هذا زنديق . فقال : ألم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت : الأحاديث على ما رُوِيَت ، و لكن من أباح المسكر لم يبح المتعة ، و من أباح المتعة لم يبح المسكر ، و ما من عالم إلا و له زلّة ، و من جمع زلل العلماء ، ثم أخذ بها ذهـب دينه ، فأمَر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب )
    [ البحر المحيط : 6 / 326 ] .
    ***********
    قال الشاطبي بعد أن سرد جملة من الآثار في التحذير من زلة العالم :
    ( و هذا كله ، و ما أشبهه ، دليل على طلب الحذر من زلة العالم ، و أكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشارع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه ، و الوقوف دون أقصى المبالغة في البحث عن النصوص فيها ، و هو و إن كان قَصَد و لا تعمد و صاحبه معذور و مأجور ، لكن مما ينبني عليه في الاتباع لقوله فيه خطر عظيم ،
    و قد قال الغزالي :
    إن زلة العالم بالذنب قد تصير كبيرةً وهي في نفسها صغيرةٌ ، و ذَكر منها أمثلةً ، ثم قال : فهذه ذنوب يتبع العالم عليها ، فيموت العالم ، و يبقى شرُّه مستطيراً في العالَم أياماً متطاولةً ، فطوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه ، و هكذا الحكم مستمرٌ فى زلته فى الفتيا من باب أولى ، فإنه ربما خفي على العالِم بعض السنة أو بعضُ المقاصد العامة فى خصوص مسألته فيفضي ذلك إلى أن يصير قوله شرعاً يُتَقَلَّد ، و قولاً يُعتبر في مسائل الخلاف ، فربما رجع عنه ، و تبين له الحق فيفوته تدارُك ما سار في البلاد عنه ، و يضل عنه تلافيه فمن هنا قالوا : زلة العالم مضروب بها الطبل )
    [ الموافقات : 4 / 170 ] .
    و قال - رحمه الله – في هذا المعنى أيضاً :
    ( تستعظم شرعاً زلة العالم و تصير صغيرته كبيرة من حيث كانت أقواله و أفعاله جارية في العادة على مجرى الاقتداء فإذا زل حملت زلته عنه قولاً كانت أو فعلا لأنه موضوع مناراً يُهتدى به فإن علم كون زلته زلة صغرت في أعين الناس وجسر عليها الناس تأسيا به و توهموا فيها رخصة علم بها و لم يعلموها هم تحسينا للظن به و إن جهل كونها زلة فأحرى أن تحمل عنه محمل المشروع و ذلك كله راجع عليه )
    [ في الموافقات : 3 / 317 ] .
    و قال ابن القيّم :
    ( و من المعلوم أن المَخُوفَ في زلة العالم تقليده فيها إذ لولا التقليد لم يُخَف من زلة العالم على غيره فإذا عَرَف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين فإنه اتباع للخطأ على عمد و من لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه و كلاهما مفرط فيما أمر به )
    [
    إعلام الموقعين : 2 / 192 ] .
    و قد أحسن من قال : « زلة العالم كالسفينة تغرق ، و يغرق معها خلق كثير »
    [ أدب الدنيا و الدين ، ص : 46 ، و انظر : الموافقات ، للشاطبي : 3 / 318 ] .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أيُّهـا العـالِم إيّـاك الـزَلَـل *** و احـذَرِ الهفـوةَ فالخَطبُ جَلَـلْ


    (إذا أجاب العالِمُ تَقِيَّةً، والجاهِلُ بجَهلٍ، فمتى يتبَيَّنُ الحَقُّ؟!)


    لَمَّا قيلَ لأحمَدَ بنِ حَنبَلٍ في مِحنةِ خَلْقِ القُرآنِ:
    قد أجاب أصحابُك
    ، وقد أَعذَرْتَ فيما بينك وبينَ اللهِ عزَّ وجَلَّ،
    وقد أجاب القَومُ وبَقِيتَ أنت -يعني: بَقِيتَ في الحَبْسِ والضِّيقِ-،
    أجاب أحمدُ:
    (يا عَمِّ، إذا أجاب العالِمُ تَقِيَّةً، والجاهِلُ بجَهلٍ، فمتى يتبَيَّنُ الحَقُّ؟!)
    (المحنة على الإمام أحمد))
    إكراهَ العالمِ ليس كإكراهِ غيرِه، فإنَّه قد يَضِلُّ بعضُ النَّاسِ بتقيَّةِ العالمِ وأخْذِه بالرُّخصةِ.
    وفي هذا المعنى قول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله – حين سئل عن العالم وهل يأخذ بالتقية
    قال: (إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟)
    وصدق الإمام أحمد رحمه الله،
    فإنه ما وقع اللبس والغبش في الأمة إلا بمداهنة العلماء
    . وقد كان الامام احمد رحمه الله مثلاً في ذلك،
    فلم يداهن ولم يلن حين فتن على القول بخلق القرآن
    لما علم من افتتان الناس وانطماس وجه الحق لو فعل ذلك
    ، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر؛ فأمره ونهاه فقتله))
    قال ابنُ بطَّال:
    (أجمع العُلَماءُ على أنَّ من أُكرِهَ على الكُفرِ فاختار القتل، أنَّه أعظَمُ أجرًا عند الله ممَّن اختار الرُّخصةَ) .
    وقال ابنُ العربي:
    (إنَّ الكُفرَ وإن كان بالإكراهِ جائزًا عند العُلَماء، فإنَّ من صبر على البلاءِ ولم يفتَتِنْ حتى قُتِلَ، فإنَّه شهيدٌ، ولا خِلافَ في ذلك، وعليه تدُلُّ آثارُ الشَّريعةِ التي يطولُ سَرْدُها) .
    وقال ابنُ كثير:
    (الأفضَلُ والأَولى أن يثبُتَ المسلِمُ على دينِه ولو أفضى إلى قَتْلِه) .
    وعن خبَّابِ بنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((قد كان مَنْ قَبْلَكم يُؤخَذُ الرَّجُلُ فيُحفَرُ له في الأرضِ فيُجعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمنشار، فيوضَعُ على رأسِه فيُجعَلُ نِصفَيِن، ويُمشَطُ بأمشاطِ الحديدِ ما دونَ لحمِه وعَظْمِه، فما يصُدُّه ذلك عن دينِه)) .
    قال القُرطبيُّ:
    (فوصْفُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا عن الأُمَمِ السَّالفةِ على جِهةِ المدحِ لهم، والصَّبرِ على المكروِه في ذاتِ اللهِ، وأنَّهم لم يكفُروا في الظَّاهِرِ، وتبَطَّنوا الإيمانَ؛ لِيَدفَعوا العذابَ عن أنفُسِهم، وهذه حُجَّةُ من آثَرَ الضَّربَ والقَتلَ والهوانَ على الرُّخصةِ) .
    ويتأكَّدُ الصَّبرُ في حَقِّ من يقتدي به عامَّةُ النَّاسِ ويتَّبِعونه في تصَرُّفاتِه وأقوالِه، فلو تلفَّظ مِثلُ هذا بالكُفرِ رخصةً مع احتمالِ أنَّ الكثيرَ من النَّاسِ لا يَعرِفون حقيقةَ الأمرِ، وهو أنَّ ما أظهره خِلافُ ما يبُطنِهُ،
    فيؤدِّي هذا التصَرُّفُ إلى فتنتِهم،
    بل قد يصِلُ الأمرُ إلى التحريمِ في حَقِّه؛ بسَبَبِ ما يُسَبِّبُه من فسادٍ
    (المحنة على الإمام أحمد))

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: أيُّهـا العـالِم إيّـاك الـزَلَـل *** و احـذَرِ الهفـوةَ فالخَطبُ جَلَـلْ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    . وقد كان الامام احمد رحمه الله مثلاً في ذلك،
    فلم يداهن ولم يلن حين فتن على القول بخلق القرآن
    نعم
    وقال حين اكره على التراجع: "إن أصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يقر به حكم طاغية". وقال حين طلب منه الاعتذار: "لن أعتذر عن العمل مع الله"
    وقال: لماذا أسترحم؟ إن سُجنت بحق فأنا أرضى حكم الحق،
    وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل"

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •