"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (78)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "النمل": (فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا)
القول الأقرب في الآية أن المراد بمن في النار موسى نفسه, فإنه حين حل في موضع النور وفي محيطه صح أن يوصف بأنه في النور, والمراد بمن حول النار الملائكة.

ومثل هذا القول في القرب القول بأن المراد بورك من في مكان النار، ومن
حول مكانها, ومكانها: البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: (نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة)

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.

قال البغوي: "مذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور، ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه ناراً".

واختلف المفسرون في المراد بقوله: (من في النار ومن حولها) على خمسة أقوال:
القول الأول: أن المراد به الله تعالى, وكانت النار نوره تعالى, ومن حولها هم الملائكة.
(ذكره ابن جرير*, والبغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*) (واقتصر عليه ابن كثير*) (وضعفه الشنقيطي*)

القول الثاني: أن المراد به الملائكة, ومن حولها موسى والملائكة (ذكره البغوي*, وابن عطية*) (ورجحه الشنقيطي*)

القول الثالث: أن المراد به موسى نفسه, فإنه حين حل في موضع النور وفي محيطه صح أن يوصف بأنه في النور, والمراد بمن حول النار الملائكة. (ذكره البغوي*, والقرطبي*) (ورجحه الرازي*) (واقتصر عليه ابن عاشور*)
(وذكره الماتريدي* لكن لم يذكر أن المراد بمن حول النار الملائكة)

وهذا القول الثالث هو الأقوى والأرجح, ويوازيه في القوة القول الرابع, وهو القول الآتي.


القول الرابع: أن المراد بورك من في مكان النار، ومن حول مكانها.
ومكانها: البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى: (نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة) (ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, والرازي*)

واعترض ابن عاشور على هذا فقال: "هذا التبريك تبريك ذوات لا تبريك مكان بدليل ذكر {مَنْ} الموصولة في الموضعين".

قلت: لكن يؤيده أن الله تعالى ذكر في آيات أخرى أن هذه البقعة مباركة, كما في قوله تعالى: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)
وقوله: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ)
وقوله: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ)
وقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)
قال الزمخشري: "المراد بالمبارك فيهم الظاهر أنه عام في كل من كان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشام، ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله: (ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)".

القول الخامس: أن المراد بوركت النار, فالبركة راجعة إلى النار.
(ذكره الماتريدي*, وابن جرير*, والبغوي*, وابن عطية*, والقرطبي*, والشنقيطي*)

قال البغوي: "ومن قد تأتي بمعنى ما، كقوله تعالى: (فمنهم من يمشي على بطنه)، و"ما" قد يكون صلة في الكلام، كقوله: (جندٌ ما
هنالك), ومعناه: بورك في النار وفيمن حولها، وهم الملائكة وموسى عليه السلام".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/