قضايا الأعيان: هي القضايا التي تقع لصحابي بعينه، أو صحابية بعينها. أو لصحابة معينين فينظر إلى كل مسألة بعينها. وهي صور ورد الشرع بآحادها، وفُهم من الشرع قصده لهذه الآحاد، فلذلك يقولون: قضايا الأعيان لا تصلح دليلاً للعموم. لأنها قضية خاصة في شيء واقع أحاط بها أشياء من الشروط أو انتفاء الموانع التي أوجبت أن يكون مخالفاً لغيره وليس فيها لفظ عام أو حكم عام يستدل بعمومه بل هي حادثة وقعت فحكم فيها بحكم يخصه. إذ قد يكون في القضية ما أوجب الحكم ونحن لا نعلم به، بخلاف دلالة الألفاظ فهي على عمومها. وقضايا الأعيان الصادرة عن الرسول عليه الصلاة والسلام إنما يثبت حكمها في نظيرها.
وضابط قضايا الأعيان: أن يكون هناك أصل يعارضها أي أن أن تأتي على وجه لا يمكن إلحاق الغير بها، وتخالف أصلاً، ولا يوصف الحديث بكونه قضية عين إلا إذا كان الأصل خلافه فإذا جاءت مخالفة للأصل فتخصها في قضية عين أي هذا الشخص بعينه الذي ورد فيه النص


وفيما يلي نقول عما سبق:
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (25/ 385)
وهذه الأمور ترجع إلى كل قضية بعينها وتسمى مثل هذه المسألة عند أهل العلم: قضايا الأعيان، وليس لها حكم عام أو لفظ عام يستدل بعمومه، وقضايا الأعيان قد يكتنفها من الأشياء ما يجعل
حكمها هكذا، ولو اختلف الأمر لاختلف الحكم.


شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 271)
فإن قال قائل: كيف وقع في قلب النبي صلي الله عليه وسلم أن هذا الرجل جاء يسأل عن البر؟
فالجواب: قضايا الأعيان لا يسأل عنها، هذه قضية عين يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن وابصة رضي الله عنه يسأل عن البر، فلما أتى إليه قال له: (أجئت تسأل عن البر) ويحتمل أن هذا من فراسة النبي صلى الله عليه وسلم فالمهم: أن قضايا الأعيان يصعب جدا أن يدرك الإنسان أسبابها.


الشرح الممتع على زاد المستقنع (11/ 297)
ولكن لنا أن نقول: ما ورد عن الصحابة قضايا أعيان، وقضايا الأعيان ليست توقيفية؛ لأن قضايا الأعيان يعني أننا ننظر إلى كل مسألة بعينها، وإذا كان قضايا أعيان فهو اجتهاد، فالقول الراجح في هذه المسألة أنه يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، أو من ينيبه الإمام في القضاء، والناس يختلفون.


الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 372)
والآثار الواردة عن الصحابة رضي الله عنهم في ذلك قضايا أعيان، اقتضت الحال أن يقدروا هذا التقدير، وقضايا الأعيان لا تقتضي العموم؛ إذ قد يكون في القضية ما أوجب الحكم ونحن لا نعلم به، بخلاف دلالة الألفاظ فهي على عمومها، وهذه من قواعد أصول الفقه.
فمثلاً لو جاء شخص وسألنا، قال: إن ابني فقد، فقلنا: انتظر خمس سنين، عشر سنين، أربع سنين، فهل هذه القضية تكون عامة لكل عين؟ لا، في هذه العين نفسها فقط؛ لأنه من الجائز أن يكون المفتي نظر لهذا الشخص بعينه، فرأى أنه إذا مضت خمس سنين أو عشر أو أكثر تبين أمره، وربما يكون آخر يتبين أمره بأقل من ذلك، وربما يكون آخر يتبين أمره بما فوق ذلك، حسب حال الرجل.


تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (5/ 316، بترقيم الشاملة آليا)
قلنا هذه قضية عين يحتمل أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه علم أن هناك تفريطاً وتساهل في الوديعة فضمَّنها المُودَع ويحتمل أنه رضي الله عنه أراد أن يسد الباب حتى لا يدعي المُودَعُونَ أنها تلفت من بين أموالهم وهم يكذبون وقضايا الأعيان لا عموم لها لأنها قضية خاصة في شيء واقع يكون أحاط بها أشياء من الشروط أو انتفاء الموانع أوجبت أن يكون مخالفاً لغيره، إذاً الصواب القول بأن الوديعة إذا تلفت فلا ضمان على المودع إلا إذا تعدى أو فرط فهذه هي القاعدة.


تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (5/ 317، بترقيم الشاملة آليا)
السائل: ما هو الضابط في قضية العين؟
الشيخ: قضية العين ليس فيها لفظ عام بل هي حادثة وقعت فحكم فيها بكذا فليس هناك لفظ عام وعمر رضي الله عنه لم يقل (أي وديعة تلفت من بين مال المُودَع ففيها الضمان) بل حكم بقضية معينة لها ملابساتها التي أوجبت أن يحكم بها.
السائل: إذا وجد نص خرج عن القاعدة الأصلية أو عن حكم عام فهل تكون هذه قضية عين؟
الشيخ: كل شيء هو قضية عين لكن إذا كان عندنا لفظ عام يدل على خلافه أخذنا باللفظ العام.


شرح زاد المستقنع للشنقيطي (84/ 6، بترقيم الشاملة آليا)
والذين قالوا بالمنع قالوا: إن قضايا الأعيان لا تصلح دليلاً على العموم، وهذا أصل اعتبره العلماء رحمة الله عليهم؛ لكن عندهم خلاف في تطبيق القاعدة.
وقضايا الأعيان: هي الصور التي ورد الشرع بآحادها، وفُهم من الشرع قصده لهذه الآحاد، فلذلك يقولون: قضايا الأعيان لا تصلح دليلاً للعموم.
وضابط هذه القاعدة: أن يكون الأصل على خلاف ما ورد به النص،


شرح زاد المستقنع للشنقيطي (115/ 10، بترقيم الشاملة آليا)
فهو عكس الوجه الأول، فالوجه الأول يرى أنه عام في الحال وفي الأفراد، سواء وجد عذر أو لم يوجد عذر، والوجه الثاني يقول: هذه قضية عين، والقاعدة في الأصول: (أن قضايا الأعيان لا تصلح دليلاً للعموم)، ولا يوصف الحديث بكونه قضية عين إلا إذا كان الأصل خلافه.


شرح زاد المستقنع للشنقيطي (243/ 20، بترقيم الشاملة آليا)
الجمع بين حديث: (تداووا)، وحديث: (وإن شئتِ صبرت ولك الجنة)
......................
وهذا الحديث الجواب عنه من وجوه: الوجه الأول: أن الأصل التداوي، وهذه القضية قضية عين لا عموم لها، والقاعدة: (قضايا الأعيان لا تصبح دليلاً للعموم).
فما هو ضابط قضية العين؟ قضية العين: أن تأتي على وجه لا يمكن إلحاق الغير بها، وتخالف أصلاً، فإذا جاءت مخالفة للأصل فتخصها في قضية عين -هذا الشخص بعينه-....


شرح زاد المستقنع للشنقيطي (251/ 19، بترقيم الشاملة آليا)
كيفية الجمع بين قاعدة: (قضايا الأعيان لا تصلح دليلاً للعموم) وقاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)
السؤال
كيف نجمع بين هاتين القاعدتين: (قضايا الأعيان لا تَصْلُح دليلاً للعموم) و (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)؟
الجواب
اختصاراً: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) أي: إذا نزلت آية في كتاب الله، أو حكم عليه الصلاة والسلام بحكم وكان في حادثة معينة، وجاء لفظ الآية ولفظ حكمه عليه الصلاة والسلام عاماً فإن العبرة بعموم لفظه لا بخصوص سببه، الذي من أجله جاءت هذه الحادثة.
............
أما القاعدة الثانية: (قضايا الأعيان لا تَصْلُح دليلاً للعموم) فهذا النوع -في الحقيقة- فِعلاً يُشْكِل.
(قضايا الأعيان): القضية التي وقعت لصحابي بعينه، أو صحابية بعينها، لا تصلح دليلاً للعموم.
لما وقعت قضية اليهودي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد خزيمة بن ثابت رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته له بالدرع بشهادة رجلين، وحكم بها، مع أن الله تعالى فرض علينا في الحقوق المالية وما في حكمها شهادة الرجلين من الرجال أو عن كل رجل امرأتان.
فقبل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة رجل واحد؛ لكنها في قضية معينة، وهي قضية خزيمة بن ثابت وقال له: (ما الذي حملك على ذلك؟ قال: أصدقك في وحي السماء ولا أصدقك في درع!) أي: إذا كنت في وحي السماء أصدقك أفلا أصدقك في درع؟! فشهد له بذلك، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين.
لكن هل كل من صدق النبي صلى الله عليه وسلم نجعل شهادته بشهادة رجلين؟ نقول: لا.
(قضايا الأعيان لا تَصْلُح دليلاً للعموم).
............
إذاً: كيف يجعلونها قضية عين؟ من فوائد المشايخ رحمة الله عليهم أنهم ضبطوا قضية العين أن يكون هناك أصل يعارضها، فالأصل عندنا أن الرضاعة للصغير، فلما جاءت الرضاعة للكبير على خلاف الأصل استثنيت وصارت قضية عين وما في حكمه، بحيث تقول: من كان مثل سالم فله أن يفعل مثل فعل سالم.