﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
"﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ ﴾؛ أي: انصبه ووجِّهه
﴿ لِلدِّينِ ﴾ الذي هو الإسلام والإيمان والإحسان؛
بأن تتوجَّه بقلبك وقصدك وبدنك إلى إقامة شرائع الدين الظاهرة؛ كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ونحوها،
وشرائعه الباطنة؛ كالمحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة،
والإحسان في الشرائع الظاهرة والباطنة، بأن تعبد الله فيها كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك،
وخصَّ الله إقامة الوجه؛
لأن إقبال الوجه تبعٌ لإقبال القلب، ويترتَّب على الأمرين سعيُ البدن،
ولهذا قال: ﴿ حَنِيفًا ﴾؛
أي: مُقْبِلاً على الله في ذلك، معرِضًا عمَّا سواه،
وهذا الأمر الذي أمرناك به هو
﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾، ووضع في عقولهم حسنها، واستقباح غيرها.

فإن جميع أحكام الشرع، الظاهرة والباطنة،
قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم الميلَ إليها،
فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق،
وهذه حقيقة الفِطَر،
ومَن خرج عن هذا الأصل، فلِعارِضٍ عرض لفطرته أفسدها؛
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه)).
﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾؛
أي: لا أحد يبدِّل خلق الله، فيجعل المخلوق على غير الوضع الذي وضعه الله
﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي أمرناك به
﴿ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾؛ أي:
الطريق المستقيم الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته،
فإنَّ مَن أقام وجهه للدين حنيفًا فإنه سالك الصراط المستقيم في جميع شرائعه وطرقه؛
﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
، فلا يتعرَّفون الدين القيم، وإن عرفوه لم يسلكوه"
"فسدِّد وجهك واستمِرَّ على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم الذي هداك الله لها،
وكمَّلها لك غاية الكمال،
وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها،
فإنه تعالى - فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره؛
كما فى قوله - تعالى -: ﴿ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾،
وفي الحديث: ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم)).
"فأخبر أنه فطر عباده على إقامة الوجه حنيفًا، وهي عبادة اللّه وحده لا شريك له،[تفسير السعدى]
***********
فإقامة الوجه لله تعالى دون غيره هي حقيقة لا إله إلا الله
وهذه الحقيقة هي التي فطر الناس عليها.
فأمر الله تعالى بإقامة الوجه لله تعالى والميل عن إقامة الوجه لغيره.
فإقامة الوجه هو عبادة الله تعالى وهو الاستسلام وينافيه الشرك و الكبر.
والحنيف هو المائل عن الشرك قصدا الى التوحيد , وينافيه الوقوع في الشرك.
وفي صحيح البخاري، (عن أبي هريرة رضي الله عنه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، وينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"
ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم).

فقبح الشرك المناقض لحقيقة الإسلام مفطور على معرفته كل بني آدم