الضوابط الفقهية للأعمال الوقفية - يجب عزل غير الأمناء من النُّظَّار والمُتَولِّين


عيسى القدومي




باب الوقف من الأبواب المهمة التي ينبغي تقرير ضوابطه، ذلك أن عامة أحكام الوقف اجتهادية؛ فلا مناص من الانطلاق في تقريرها من أصول الشريعة العامة الضابطة لباب المصالح والمنافع على وجه الخصوص، ثم من القواعد الفقهية الكلية، ثم يترجم ذلك كله على هيئة ضوابط خاصة في باب الوقف، وهذا ما نتناوله في هذه السلسلة، واليوم مع الضوابط المتعلّقة بالولاية على الوقف ومع الضابط السابع وهو: يجب عزل كلّ خائن من النُّظَّار والمُتَولِّين.

معنى الضابط

من ثبتت خيانته من النُّظَّار والمتولِّين وجب على وليّ الأمر أو القاضي أن يعزله، قال ابن نُجيم: «قولُه: «ويُنزَع لو خائنًا كالوصيِّ، وإن شَرَطَ ألا يُنزَع» أي: ويعزلُ القاضي الواقفَ المتولّي على وقفه لو كان خائنًا، كما يعزل الوصيَّ الخائنَ، نظرًا للوقفِ واليتيم، ولا اعتبار بشرط الواقف أن لا يعزله القاضي والسلطان لأنه شرط مخالف لحكم الشرع، فبطل، واستُفيد منه أنّ للقاضي عزلَ المتولّي الخائن غير الواقف بالأَوْلى، وصرّح في (البزازيّة) أنّ عزل القاضي للخائنِ واجبٌ عليه، ومقتضاه الإثمُ بتركِه، والإثمُ بتوليةِ الخائنِ، ولا شكّ فيه».

فيُعزل من ثبتت خيانته ولو كان هو الواقف نفسه إذا كان قد اشترط نظر الوقف لنفسه، وذلك إذا خان الناظر أو المتولي مصلحة الوقف أو شرط الواقف، لكونه أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين، فهو مسؤول عما ينشأ عن التقصير في حقّ عين الوقف وغلّته، وفقاً للقواعد العامة للمسؤولية.

الناظر من جهة القاضي أو الواقف

وقد فرّق أهل العلم بين النّاظر الذي يكون منصوباً من جهة الواقف، أو من جهة القاضي نفسه، وإجمالاً فالقاضي ليس له أن يعزل الناظر المولَّى من قبل الواقف إلّا بجُنحة ظاهرة، أو خيانة بيّنة، وهذا بالإجماع، إلّا أنّ بعض الحنابلة قالوا: إنْ أمكن الإبقاء على المتولِّي من قِبَل الواقف ولو كان فاسداً، وتلافي ضرره بضمِّ أمينٍ إليه، عُمل بذلك، وإن لم يُمكن ذلك فلا بدّ من عزله.

وجاء في الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام: «ومَنْ ثبتَ فسقُه أو أضرَّ في تصرُّفه مخالفاً للشراء الصحيح عالماً بتحريفه، فإمّا أن ينعزل أو يُعْزَل، أو يُضَم إليه أمين على الخلاف المشهور».

أحوال عزل الناظر

وفي الجملة؛ فالنّاظر يُعزل في أحوالٍ، منها:

- الرِّدَّة، لأنّ المرتدّ تُرفع يدُه عن ماله، فرفعُ يده عن مال غيره أولى.

- ثبوت الخيانة ببيّنة ظاهرة، كأن يبيع بعض مصالح الوقْف لنفسه، وليس للقاضي أن يعزله بمجرّد شكاية المستحقِّين، لأنّ الأصل في يد النّاظر أنها يد أمانة.

- سقوطُ أهليّته للولاية على المال، كأن يطرأ عليه الجنون أو العَتَه أو السَّفَه أو الفسق.

- أصبح عاجزاً عجزاً يمنعه من القيام بشؤون الوقف.

- إذا أهمل القيام بواجبات ولايته، كما لو أهمل عمارة الوقف الضرورية مع قدرته على ذلك، لوجود الغلّة في يده، أو قدرته على الاستدانة على حساب الوقف.

تطبيقات القاعدة

- يجوز لمن ولىّ ناظراً على الوقف أن يعزله، سواء كان من ولّاه النظارة الواقف أو القاضي، لأن القاضي له حق العزل لخيانة تثبت على الناظر أو لفقدانه أهليّة النّظارة.

- عَزل المتَّهم بالخيانة من واجبات القاضي، فإذا تحققت خيانته وجب على القاضي عزلُه، لإزالة الضرر عن الموقوف عليهم.

- يُلغى كلُّ شرطٍ مُخلٍّ وليس فيه مصلحة أو فائدة للوقف، بما في ذلك الشروط التي تُبقي على الخلل الواقع من جهة النّاظر، كما لو اشترط الواقف بألا يُعزل المتولِّي ولو خان! فلا يُراعى شرطه لأنه يضرّ بالوقف.

- إذا اشترط الواقف أن يتولّى بنفسه نظارة وقفه، وألا يعزله القاضي بحال من الأحوال وإن خان وقصّر، عدّ ذلك الفقهاء شرطاً باطلاً مخالفاً للشرع، ولم يعملوا به، وقد أجمع العلماء والفقهاء بأن من شروط الواقفين ما هو صحيح معتبَر يُعمل به، ومنها ما ليس كذلك.

- إذا كان أحدٌ متولياً على أوقاف عدة، وثبتت خيانته في بعضها، ينعزل من الكل؛ لأنه خان في إحداها وهذا أدعى ليخون في غيرها، وليس شرطاً أن يخون في كل الأوقاف حتى يعزل منها جميعاً، وهذا من معنى قولهم: الخيانة لا تتجزّأ.