"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (70)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "البقرة": (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)
القول بأن المراد بالكرسي العرش نفسه قول قريب والله تعالى أعلم.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالكرسي على أربعة أقوال:

القول الأول: أنه علم الله تعالى (ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*, وابن عاشور*)

قال الرازي: " لأن العلم موضع العالم، وهو الكرسي فسميت صفة الشيء باسم مكان ذلك الشيء على سبيل المجاز, لأن العلم هو الأمر المعتمد عليه، والكرسي هو الشيء الذي يعتمد عليه، ومنه يقال للعلماء: كراسي، لأنهم الذين يعتمد عليهم كما يقال لهم: أوتاد الأرض".

القول الثاني: أنه العرش نفسه (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*) (وضعفه القرطبي*, وابن كثير*) (ورجحه ابن عاشور*)
وهذا القول هو الأقرب والله تعالى أعلم.

قال ابن عاشور: "وهذا هو الظاهر لأن الكرسي لم يذكر في القرآن إلا في هذه الآية وتكرر ذكر العرش، ولم يرد ذكرهما مقترنين فلو كان الكرسي غير العرش لذكر معه كما ذكرت السماوات مع العرش في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}"اهـ

ومما يلحظ أن الكرسي لم يرد له ذكر في القرآن في غير هذا الموضع, ولم يذكر في السنَّة الثابتة شيء يدل على عظمته وأنه غير العرش, فهذا والله أعلم من القرائن على أنه هو العرش نفسه.

وأما حديث أبي ذر رضي الله عنه (ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة) فهو حديث ضعيف لا يصح.

وأما ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه موضع القدمين للرب تبارك وتعالى فهذا من يرى أن له حكم الرفع فلا محيد له عن أن يقوي هذا القول.
ولكن الجزم بأن له حكم الرفع فيه بعض النظر والاحتمال, ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال.

القول الثالث: أنه موضع القدمين للرحمن (ذكره ابن جرير*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير* وابن عاشور*)

(وذكره البغوي* لكن لم يذكر أنه موضع القدمين, بل ذكر أنه موضوع أمام العرش) (وكذلك الزمخشري*)
(وكذلك قال الرازي*): "في الأخبار الصحيحة أنه جسم عظيم تحت العرش".

ورجح ابن عطية أنه مخلوق عظيم بين يدي العرش، والعرش أعظم منه.
وكذلك قال القرطبي: "والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش والعرش أعظم منه".

القول الرابع: أنه ملك الله وسلطانه (ذكره البغوي*, والزمخشري*, والرازي*)
(وذكره الماتريدي*) وعبر عنه بقوله: "قدرته وعظمته".

قال البغوي: قيل: ملكه وسلطانه، والعرب تسمي الملك القديم كرسياً.
قال الزمخشري: تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك.

: "وقد جاء التعبير في هذه الصورة الحسية في موضع التجريد المطلق على طريقة القرآن في التعبير التصويري، لأن الصورة هنا تمنح الحقيقة المراد تمثيلها للقلب قوة وعمقاً وثباتاً. فالكرسي يستخدم عادة في معنى الملك.
فإذا وسع كرسيه السماوات والأرض فقد وسعهما سلطانه. وهذه هي الحقيقة من الناحية الذهنية. ولكن الصورة التي ترتسم في الحس من التعبير بالمحسوس أثبت وأمكن".

وابن جرير رحمه الله قوى القول الثاني, وهو القول بأنه العرش نفسه, ثم رجح القول الأول, وقال: وأصل الكرسي العلم. ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب "كراسة" ومنه قول الراجز في صفة قانص: حتى إذا ما احتازها تكرسا. يعني علم.
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/