"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (63)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الإسراء": (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا)

القول الأقرب أن المراد بقوله: (مستوراً) أنه مخفي عن الأبصار فلا يرى. والمعنى أن هذا الحجاب يحجبهم عن الانتفاع بالقرآن مع أنهم لا يحسون به ولا يشعرون.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بقوله: (مستوراً) على قولين:
القول الأول: أن قوله: (مستوراً) أي: ساتراً, فهو مفعول بمعنى فاعل. (ضعفه ابن عطية*)

القول الثاني: أن المراد أنه مستور ومخفي عن الأبصار فلا يرى (رجحه ابن جرير*, وابن عطية*) (وذكره ابن عاشور*)
(وذكر القولين دون ترجيح البغوي*, والزمخشري*, والقرطبي*, وابن كثير*, والشنقيطي*)

وهذا القول الثاني هو الأقرب والله أعلم.
ويكون المعنى والله أعلم أن هذا الحجاب يمنعهم ويحجبهم عن الانتفاع بالقرآن مع أن هذا الحجاب والمانع لا يحسون به ولا يشعرون, ولكنه سبب وحائل يمنعهم من التأثر, ولهذا قال بعد هذه الآية: (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً).

وكما قال تعالى في سورة "يس": (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُ مْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)
وهم لا يشعرون بهذه الحجب والسدود التي تمنعهم من الإيمان.

قال ابن عطية: "أظهر ما فيه أن يكون نعتاً للحجاب، أي مستوراً عن أعين الخلق لا يدركه أحد برؤية كسائر الحجب، وإنما هو من قدرة الله وكفايته وإضلاله".

(ورجحه الرازي* لكنه فسر الحجاب بعدم رؤية الكفار للنبي وهم الذين كانوا يؤذون النبي إذا قرأ القرآن على الناس)
(ورجح القرطبي* هذا التفسير الذي ذكره الرازي)
(وذكره الماتريدي*, والشنقيطي* كأحد القولين في الآية).

(وذكره ابن عاشور* كأحد المعنيين المرادين بالآية) فقال: "وهو هنا مستعار للصرفة التي يصرف الله بها أعداء النبي عليه الصلاة والسلام عن الإضرار به للإعراض الذي يعرضون به عن استماع القرآن وفهمه, وجعل الله الحجاب المذكور إيجاد ذلك الصارف في نفوسهم بحيث يهمون ولا يفعلون...
وقد ثبت في أخبار كثيرة أن نفراً هموا الإضرار بالنبي فما منهم إلا وقد حدث له ما حال بينه وبين همه وكفى الله نبيه شرهم"اهـ

قلت: هذا القول الذي ذكره الماتريدي والرازي ومن ذكر معهما فيه بعد والله أعلم.
والأقرب أن المراد حجاب يمنعهم ويحجبهم عن الانتفاع بالقرآن والتأثر به كما سبق.
يدل على ذلك قوله في الآية التي بعدها: (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً).

وذكر ابن عاشور قولاً ثالثاً فقال: "وصف الحجاب بالمستور مبالغة في حقيقة جنسه، أي حجاباً بالغاً الغاية في حجب ما يحجبه هو حتى كأنه مستور بساتر آخر، فذلك في قوة أن يقال: جعلنا حجاباً فوق حجاب. ونظيره قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً}".

قلت: هذا الذي ذكره ابن عاشور بعيد.
ولذا قال ابن عطية: "قيل: هو على جهة المبالغة كما قالوا: شعر شاعر، وهذا معترَض بأن المبالغة أبداً إنما تكون باسم الفاعل ومن اللفظ الأول، فلو قال: حجاباً حاجباً لكان التنظير صحيحاً".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/