أعوذ بالله من "كلمة أنا" أم من "رؤية الأنا"









عبد المنعم الشحات


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-،أما بعد:

من الشائع أن تسمع هذه العبارات تتردد في كلام كثير منا

"أنا – وأعوذ بالله من كلمة أنا – قد فعلت كذا وكذا ...

وسبقت إلى كذا وكذا ....

وأنا – وأعوذ بالله من كلمة أنا – أحسن من فعل كذا وأول من قال كذا ..."

وعندما تحلل مثل هذه الحوارات تجد أنها تكرار للآتي:

1- كلمة أنا

2- عبارة "أعوذ بالله من كلمة أنا"

3- صيغ أفعل التفضيل (أول، أحسن، ...)

4- تاء الفاعل (فعلت، قلت، ...)

وهذا المتكلم قد لبس عليه الشيطان أنه طالما احترز وذكر عبارة "أعوذ بالله من كلمة أنا" فقد برئ من الرياء والسمعة ومن الكبر والعجب وغيرها من الأمراض الفتاكة.

وأما من علم أن التحرج من ذكر كلمة "أنا" يعد بدعة مخالفة لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه يكرر هذا الحوار مع حذف هذه "الاستعاذة البدعية" وهو يظن أنه قد نجا من البدع التي عرفها "هو" ووقع فيها غيره من "الجهلاء"

وهنا تلبيس آخر من الشيطان على طائفة ممن يعرف بعض السنن ويجهل البعض الآخر، ويعرف بعض الآفات ويغفل عن آفات أشد فتكاً

والحق أن كلمة أنا من الكلمات التي لا مناص للإنسان من استخدامها في موضعها وقد تكون إخباراً عن النفس بعيبها أو اعترافاً عليها بذنبها، وقد تكون ذكراً للنفس ببعض الصفات الحسنة والأفعال الجميلة، وقد يكون هذا كذباً وقد يكون صدقاً، وإذا كان صدقاً فقد يكون لمصلحة وقد يكون سمعة أو رياء أو كبراً أو عجبا ...

وعلى ذلك فالمشكلة ليست في قول كلمة "أنا"، وإنما في رؤية "الأنا" والتي تعظم في نفس صاحبها متى لم يتدبر في أمور ثلاثة :-

1- عظيم فضل ربه عليه وسابغ نعمه (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)(النحل: من الآية53)

2- عيوب نفسه وجهلها ولذا كان من دعاء سيد الاستغفار أن تقول (أعوذ بك من شر ما صنعت)

3- النعم التي منَّ الله بها على غيره من الناس كما قال -صلى الله عليه وسلم-(الكبر بطر الحق وغمط الناس)

وبعد فما أقبح هذه النماذج من الحديث على النفس:-

- قول إبليس اللعين: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)

- قول قارون: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)

- (قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)

وما أجمل هذه النماذج من الحديث عن النفس:-

- قول الخليل (يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا)

- وقول غلامه الحليم (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)

- وقوله درة التاج من نسلهما محمد -صلى الله عليه و سلم-(أنا سيد ولد آدم ولا فخر)

- وقول الكريم بن الكريم يوسف عليه السلام (أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا)

وما أجمل هذه النماذج من مناجاة الله عز وجل إذا واطأ القلب فيها اللسان.

- قوله صلى الله عليه وسلم:(اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)


- قوله صلى الله عليه وسلم:(اللهم فاطر السماوات و الأرض عالم الغيب و الشهادة رب كل شيء ومليكه أشهد ألا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم).