أَعُبَّادَ المَسِيحِ لَنَا سُؤَالٌ** نُرِيدُ جَوَابَهُ مِمَّنْ وَعَاهُ
إذا ماتَ الإِلهُ بِصُنْع قومٍ** أمَاتُوهُ فَما هذَا الإِلهُ؟
وَهَلْ أرضاه ما نَالُوهُ مِنْهُ؟ ** فبُشْرَاهمْ إذا نالُوا رِضَاهُ
وَإِنْ سَخِطَ الذِي فَعَلُوهُ فيه** فَقُوَّتُهُمْ إِذًا أوْهَتْ قُوَاهُ
وَهَلْ بَقِيَ الوُجُودُ بِلَا إِلهٍ** سَمِيعٍ يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَاهُ؟
وَهَلْ خَلَتِ الطِّبَاقُ السَّبْعُ لَمَّا ** ثَوَى تَحتَ التُّرَابِ، وَقَدْ عَلاَهُ؟
وَهَلْ خَلَتِ الْعَوَالِمُ مِن إِلهٍ ** يُدَبِّرُهَا، وَقَدْ سُمِرَتْ يَدَاهُ؟
وَكَيْفَ تَخَلَّتِ الأَمْلَاكُ عَنْهُ ** بِنَصْرِهِمُ، وَقَدْ سَمِعُوا بُكاهُ؟
وكيف أطاقَتِ الخشباتُ حملَ ** الإله الحقِّ مشدودًا قَفاه؟
وَكيْفَ دَنَا الحَدِيدُ إِلَيْهِ حَتَّى ** يُخَالِطَهُ، وَيَلْحَقَهُ أذَاهُ؟
وَكيْفَ تَمكَّنَتْ أَيْدِي عِدَاهُ ** وَطَالَتْ حَيْثُ قَدْ صَفَعُوا قَفَاهُ؟
وَهَلْ عَادَ المَسِيحُ إِلَى حَيَاةٍ ** أَمِ المُحْيي لَهُ رَبٌّ سِوَاهُ؟
وَيَا عَجَباً لِقَبْرٍ ضَمَّ رَبًّا ** وَأَعْجَبُ مِنْهُ بَطْنٌ قَدْ حَوَاهُ
أَقَامَ هُنَاكَ تِسْعًا مِنْ شُهُورٍ ** لَدَى الظُّلُمَاتِ مِنْ حَيْضٍ غِذَاهُ
وَشَقَّ الْفَرْجَ مَوْلُودًا صَغِيرًا ** ضَعِيفاً، فَاتِحًا لِلثَّدْي فَاهُ
وَيَأْكُلُ، ثمَّ يَشْرَبُ، ثمَّ يَأْتِي ** بِلَازِمِ ذَاكَ، هَلْ هذَا إِلهُ؟
تَعَالَى اللهُ عَنْ إِفْكِ النَّصَارَى ** سَيُسأَلُ كُلُّهُمْ عَمَّا افْتَراهُ
أَعُبَّادَ الصَّلِيبِ، لأَيِّ مَعْنًى ** يُعَظَّمُ أوْ يُقَبَّحُ مَنْ رَمَاهُ؟
وَهَلْ تَقْضِي العقولُ بِغَيْرِ كَسْرٍ ** وَإحْرَاقٍ لَهُ، وَلِمَنْ بَغَاهُ؟
إِذَا رَكِبَ الإِلهُ عَلَيْهِ كَرْهاً ** وَقَدْ شُدَّتْ لِتَسْمِيرٍ يَدَاهُ
فَذَاكَ المَرْكَبُ المَلْعُونُ حَقًّا ** فَدُسْهُ، لا تَبُسْهُ إِذْ تَرَاهُ
يُهَانُ عَلَيْهِ رَبُّ الْخَلقِ طُرًّا ** وتَعْبُدُهُ؟ فَإِنَّكَ مِنْ عِدَاهُ
فإِنْ عَظَّمْتَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ قَدْ ** حَوَى رَبَّ العِبَادِ، وَقَدْ عَلاَهُ
وَقَدْ فُقِدَ الصَّلِيبُ، فإِنْ رَأَيْنَا ** لَهُ شَكْلاً تَذَكَّرْنَا سَنَاهُ
فَهَلَّا للقبورِ سَجَدْتَ طُرًّا ** لِضَمِّ القبرِ رَبَّكَ في حَشَاهُ؟
فَيَا عَبْدَ المِسيحِ أَفِقْ، فَهَذَا ** بِدَايَتُهُ، وَهذَا مُنْتَهاهُ
من إغاثة اللهفان للامام ابن القيم