"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (50)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.
قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى في سورة "الصافات": (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ)

القول الأقرب في قوله: (قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) أن المراد تزينون لنا الباطل وتظهرون لنا الصدق والنصح فتخدعوننا وتوهموننا أن طريقتكم هي الصواب وأن مقصودكم نصرة الحق.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المراد بالآية على أربعة أقوال:

القول الأول: أن المراد تزينون لنا الباطل وتظهرون لنا الصدق والنصح فتخدعوننا وتوهموننا أن طريقتكم هي الصواب وأن مقصودكم نصرة الحق. (ذكره الماتريدي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
(وأشار إليه ابن جرير*) بقوله: "تخدعوننا بأقوى الوجوه".
وهذا القول أقرب الأقوال.

قال ابن عطية:
"من المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا {إنكم كنتم تأتوننا} من الجهة التي يحسنها تمويهكم وإغواؤكم ويظهر فيها أنها جهة الرشد والصواب، فتصير عندنا كاليمين التي بيمين السانح الذي يجيء من قبلها.
فكأنهم شبهوا أقوال هؤلاء المغوين بالسوانح التي هي عندهم محمودة".

القول الثاني: أن المراد باليمين الإسلام والإيمان والخير.
وعدي الفعل بحرف (عن) ليتضمن معنى (تصدوننا), فيكون المعنى تأتوننا صاديننا عن اليمين. أي: عن الإسلام والخير.
(ذكره ابن جرير*, والماتريدي*, والبغوي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*)

قال الزمخشري: اليمين لما كانت أشرف العضوين وأمتنهما وكانوا يتيمنون بها استعيرت لجهة الخير وجانبه، فقيل: أتاه عن اليمين، أي: من قبل الخير وناحيته، فصده عنه وأضله.

القول الثالث:
أن المراد باليمين القوة والغلبة والشدة والقدرة والقهر فتضلونا بذلك وتحملونا على الضلال وتقسرونا عليه.
كما في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً}
(ذكره ابن جرير*, والبغوي* والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)

القول الرابع: أن المراد باليمين القسم. أي: كنتم تحلفون لنا أن الذي تهدوننا إليه هو الحق.
والمعنى: (كنتم تأتوننا عن اليمين) أي: من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها. (ذكره البغوي*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*)

(وابن عاشور*) ذكر الأقوال الأربعة التي ذكرها ابن عطية, فإنه نقل كلام ابن عطية بنصه واكتفى بذلك.
تنبيه:
هذا القول خطاب من الأتباع لرؤسائهم وقادتهم وزعمائهم كما سبق.
هذا هو القول الراجح. (اقتصر عليه البغوي*, والرازي*, وابن عاشور*)
وقيل: هذا قول الإنس للشياطين (اقتصر عليه ابن جرير*, والماتريدي*, وابن كثير*)
(وذكر القولين ابن عطية*, والقرطبي*)

(وجمع بينهما الزمخشري*) فقال: "وهذا من خطاب الأتباع لرؤسائهم، والغواة لشياطينهم".
والله تعالى أعلم.

للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/