الحديث عن (هم الإنجاز المعرفي) من أكثر ما يؤرق الشباب، وأنا هنا أنزع للواقعية فيما سأذكره، ولن أحدثك عن النماذج المثالية التي التمثيل بها أدعى للإحباط وقتل الهمم من التحفيز وشحذ الهمم، كالذي يقرأ 14 ساعة، أو الذي يجلس على تأليف كتابه 10 ساعات يوميًا، فهذه الأمثلة وإن وجدت؛ فهي لا تعدو أن تكون نماذج خاصة لا يصلح تعميمها والدعوة لمحاكاتها؛ لعدم قدرة أكثرية الناس على مجاراتها، وإن وجد من طبقها، فهو لا يقدر على المحافظة عليها؛ لظروف الحياة المتقلبة التي لا يمكن أن يسلم منها إنسان.
ما المطلوب؟ المطلوب أن تجدول يومك، وتوجد لك أوراد يومية معقولة "للورق"، سواء للكتابة أم للقراءة، وتحافظ عليها ولا تقحم عليها أي نشاط آخر، ولا تطيل في الانقطاع عنها لو حدث لك ظرف أعاقك عن إتمام الورد اليومي. وفكرة الورد هي أن تلتزم قراءة قدر معين من الصفحات، وليكن من 70 إلى 150 صفحة يوميًا، ولا تنقص عن هذا المقدار ولا تزد عليه؛ حتى تضمن الاستمرارية. أما الكتابة؛ فجلوسك على الجهاز مدة ساعتين إلى 4 ساعات كافية. ولدينا هنا أنمودج على فائدة المحافظة على الورد المعقول وهو د. عبد الرحمن بدوي (تـ2003م)، فقد ذكر عن نفسه أنه لا يعمل على أبحاثه إلا مدة 4 ساعات يوميًا، ولا يخفى على أحد غزارة إنتاجه وتنوع طرق تصنيفه، بين تأليف وتحقيق وترجمة.
فأنت لست بحاجة -حتى تنجز- أن تنقطع في غابة أو صحراء، أو أن تعمل طيلة يومك (= 18 ساعة)! كلا، فأنت بحاجة للمحافظة على أورادك اليومية "المعقولة" طيلة مكثك في هذا العالم، وبعد سنوات سترى غزارة ما قدمت، سواء من المقروء أم من المكتوب، فلا تستعجل في تحصيل الثمرة النهائية؛ فهي لا تأتي إلا بعد سنوات من العمل المتواصل.
منقول