الحمد لله...
فيكثر على الألسنة مقولة أن كفار قريش كانوا يقرون بربوبية الله تعالى...و كنت قرأت كتاب " تهذيب شرح الطحاوية" لأبي بصير الطرطوسي ـ بارك الله فيه ـ و قال على أن كفار قريش كانوا يقرون ببعض معاني الربوبية....
وتوحيد الربوبية : هو إفراد الله تعالى بأفعاله .
ومن أفعاله الخلق والرزق والتدبير .
وهنا مسألتان : المسألة الأولى : أن أهل الشرك أقروا لله تعالى بما ورد في الآيات فهذا صحيح قال تعالى {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
المسألة الثانية :أنهم أفردوا الله تعالى بالأفعال ولم يجعلوا له شركاء فهذا باطل.وبطلانه بدليلين : أما الأول فإنكارهم لبعض أفعال الله تعالى كالبعث والحشر ونشر الصحف والجزاء وغير ذلك من أفعاله جل جلاله فجميع هذه الأفعال لله تعالى يكفرون بها فهم إذن لم يقروا لله بأفعاله بل كفروا بها قال تعالى {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ..}وقال العاص بن وائل وقد فت عظماً قد أرم [ يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا ]؟!
وأما الثاني : فإنهم يعتقدون أن هناك من المخلوقات من يستقل بتدبير بعض أمور الكون وهذا شرك في الربوبية .فمن أدلة ذلك مارواه الإمام البخاري والإمام مسلم عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : ( هل تدرون ماذا قال ربكم؟ ) ، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ( قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . ولهما من حديث ابن عباس بمعناه وهي سبب نزول قول الله تعالى { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون }.وعليه تعلم أنهم يعتقدون أن الأنواء تنزل الغيث والغيث من رزقهم فأين هذا من الشهادة لهم بأنهم أفردوا الله بأفعاله؟!
ومن ذلك اعتقادهم أن التمائم تدفع الضر لا على وجه السببية بل على جهة الاستقلال أو الشراكة لله تعالى أما دليل ذلك فقوله صلى الله عليه وسلم (( من تعلق تميمة فقد أشرك) ، ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه، وتلا قوله: ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) .ولا وجه لصرف ذلك إلى الشرك الأصغر.فالنصوص الشرعية تبقى على ظاهرها حتى يرد ما يصرفها عن ظاهرها من أدلة أخرى . قال ابن قتيبة في غريب الحديث :التميمة خرزة كانت الجاهلية تعلقها في العنق وفي العضد تتوقى بها وتظن أنها تدفع عن المرء العاهات وكان بعضهم يظن أنها تدفع المنية حيناً. ويدلك على ذلك قول الشاعر [ من الطويل ]
إذا مات لم تفلح مزينة بعده * فنوطي عليه يا مزين التمائما. أنتهى
وقال ابن الأثير الجزري رحمه الله إنما جعلها شركاً لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى الذي هو دافعه .قال فكان المعنى في هذا إن علقها معتقداً أنها تضر وتنفع كشريك لله فهو شرك مخرج من الملة . أنتهى
وقال الإمام ابن عبدالبر:" وهذا كله تحذير ومنع مما كان أهل الجاهلية يصنعون من تعليق التمائم والقلائد يظنون أنها تقيهم وتصرف البلاء عنهم وذلك لا يصرفه إلا الله عز وجل وهو المعافي والمبتلي لا شريك له فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما كانوا يصنعون من ذلك في جاهليتهم ".أ ـ هـ من كتاب التمهيد17/ 161
قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الطيرة : وإنما جعل ذلك شركاً لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعاً أو يدفع ضراً فكأنهم أشركوه مع الله تعالى . أنتهى من فتح الباري 10/213
فكونهم أقروا لله بالخلق والرزق وبعض الأفعال فلا يعني ذلك أنهم موحدون في الربوبية لأن معنى الربوبية أوسع من ذلك لأنه إيمان وتوحيد لله بجميع أفعاله لا بعضها .فتنبه لذلك .ومن الأفعال التي تجعلهم من أهل الشرك العظيم هو اعتقادهم أن معبوداتهم تملك النفع والضر كشركاء لله أو استقلالا.
و الله أعلم و نسبة العلم إليه أسلم.
.