{وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}



سالم الناشي






- يقوم المجتمع المسلم على مبدأ (الأخوة في الله)، وأساسه التأليف بين القلوب؛ لذا امتن الله -تعالى- على نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن تكفل وحده بالتأليف بين قلوب عباده المؤمنين، فقال -تعالى-: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (الفرقان: 63). وهذا يدل على أهمية الترابط والحب بين المسلمين.

- وسمى الله هذا (التأليف) نعمة؛ فقال -جل وعلا-: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران:103). فبنعمة الله صرنا إخوانا متحابين متعاونين، لا أعداء متباغضين متحاربين؛ لذا لا غرابة أن تكون صفة الحب في الله ملازمة للإيمان، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10).

- وإيمان المسلم ناقص إن لم توجد إخوة صادقة.. يقول الشيخ ابن باز - رحمه الله -: «الواجب على المسلم أن يحب الخير لإخوانه، ويكره لهم الشر، ولا يجوز له أن يحقد على أحد بغير الحق، ولا أن يحسده، ولا أن يحب له السوء، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». ويقول ابن باز -رحمه الله- مؤكدا معنى الأخوة في الله، وأن كراهية الخير لهم مرض يوجب التوبة: «الواجب على المسلم أن يحب لإخوانه الخير والهدى والصلاح، وأن يكره لهم كل شر، وألا يحقد عليهم، ومن وجد من نفسه أنه يكره الخير لإخوانه فهذا مرض في قلبه؛ فعليه التوبة إلى الله من ذلك».

- ولا يجد حلاوة الإيمان إلا من تجرد من علاقة المصلحة المادية، والمنفعة الشخصية، وجعل حبه لأخيه خالصا لله -عز وجل-؛ لذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان» وذكر منها: «أن يحب المرء لا يحبه إلا لله»؛ وفي رواية «ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ». هذا في الدنيا، أما يوم القيامة فالأمر أعظم وأجل؛ إذ ينادي اللَّهُ -تبارك وتعالى- يَومَ القِيامَةِ فيقولُ: «أيْنَ المُتَحابُّونَ بجَلالِي؟ اليومَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلِّي». وذكر - صلى الله عليه وسلم - سَبْعَةً يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، منهم: «ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه».


- وفي صحيح مسلم: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر: «أنَّ رَجُلًا زارَ أخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَى، فأرْصَدَ اللَّهُ له، علَى مَدْرَجَتِهِ، مَلَكًا فَلَمَّا أتَى عليه، قالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُ أخًا لي في هذِه القَرْيَةِ، قالَ: هلْ لكَ عليه مِن نِعْمَةٍ تَرُبُّها؟ قالَ: لا، غيرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في اللهِ عزَّ وجلَّ-، قالَ: فإنِّي رَسولُ اللهِ إلَيْكَ، بأنَّ اللَّهَ قدْ أحَبَّكَ كما أحْبَبْتَهُ فِيهِ».

- وهذا من كريم فضله وامتنانه -سبحانه-، أن يبشر عبده في الدنيا بمحبته له -جل وعلا-، لا لكثير عمل، سوى أن هذا العبد أحب أخاه في الله حبا خالصا.

- والأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا، بل هي مستمرة في الآخرة، يقول -تعالى-: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف:67).