تفسير سورة الزمر من كتاب تيسير المنان مختصر جامع البيان
للشيخ جمال القرش
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، ماكثين فيه أبدا، المتفرد بنعوت الجلال والإكرام والخلق والأمر فلا يشرك في حكمه أحدا.... والصلاة والسلام على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد
فقد امتن الله عز وجل على أمة الإسلام بأفضل رسله وخير كتبه، فجعله خاتما لها، ومصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا، وجمع بين ثناياه العطرة ما اجتمع للأولين والآخرين.
وندب الشارع الحكيم إلى النظر في آياته وأحكامه، والتأمل في وجوه إعجازه وإحكامه، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) [ص: 29]، ولذا كانت علوم القرآن العظيم - ومنها علم التفسير- أكرم أصناف العلوم عند الله مكانة، وأوفرها فضلا
وقد تأملت في كتب التفاسير فوجدت كتاب الإمام العالم الجليل العلامة أبي جعفر، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير ابن غالب الطبري الموسوم بـ(جامع البيان في تأويل القرآن) من أجلها وأعظمها، وأكثرها فوائد وأقيمها، فهو صاحب التصانيف المشهورة، أبرز الأئمة الذين اعتنوا بالتفسير الإمام الجليل، المجتهد المطلق، إمام عصره، من أهل آمل طبرستان، وُلِدَ بها سنة 224 هـ ، ورحل من بلده في طلب العلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة ، وتوفي 310 هـ وطوَّف في الأقاليم، قال عنه ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير.
سُمِعَ بمصر والشام والعراق، ثم ألقى عصاه واستقر ببغداد، وبقي بها إلى أن مات سنة 310 هـ. [طبقات المفسرين للسيوطي، 83]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تفسير محمد بن جرير الطبري أقرب التفاسير إلى الكتاب والسنة، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي اهـ (1)
وقد رغبت في انتقاء و اقتباس نفائس ودرر من هذا التفسير العظيم مع شيء من التصرف اليسير، وقد اسميته بـ [ تيسير المنان المنتقى من تفسير الإمام الطبري].
وكان من أبرز ما قمت به ما يلي:
حذف الروايات المسندة، والشواهد اللغوية، والقراءات وتوجيهها.
تقسيم الآية إلى مقاطع ليسهل فهمها:
حذف التكرار ما أمكن:
قد تفسير بعض الآيات التي فسرها في موضع سابق.
يوضع الكلام الزائد في الغالب، بين قويسين [] كتوضيح بعض المفردات
فصل الضمير المتصل عن عامله في بعض أحواله لتيسير فهمه على القارئ
التقديم والتأخير في بعض الأحوال لتوضيح المعنى.
حذف الخلافات، واعتماد ما رجحه الطبري في الغالب.
تقسيم السورة إلى وحدات ومقاطع بحسب الوحدة الموضوعية للآيات
لم يثبت شيء بشأن الحروف المقطعة أوائل السور ك(الم) و(كهيعص) ، و(يس) و(ن) والقول لدينا أنها إشارة إلى إعجاز القرآن; فقد وقع به تحدي المشركين, فعجزوا عن معارضته, وهو مركَّب من هذه الحروف التي تتكون منها لغة العرب
وقد حاولت قصارى جهدي الأخذ بأسباب التيسير، ليناسب الكتاب عموم المسلمين في كل مكان، وتيسير سبل الاستفادة من هذا الكتاب العظيم، فإن أحسنت من الله الكبير الوهاب، وإن أسأت فمن نفسسي المقصرة والشيطان، نسأل الله عز وجل أن يعفو عنا هو ولي ذلك والقادر عليه .
ولا يسعني إلا الشكر والتقدير لكل من ساهم في إخراج هذه العمل، وأخص بالذكر فضيلة الشيخ الفاضل المحقق/ أشرف على خلف وفقه الله.
أسأل الله - جل وعلا - أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، ويرزقنا منه الثواب الأوفى، وأن يعيننا على استكماله على الوجه الذي يرضيه عنا، إنه مولانا القادر على ذلك نعم المولى ونعم النصير، رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذرتي، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن سار على سنته إلى يوم الدين.
وكتبه أفقر العباد
جمال بن إبراهيم القرش
سورة الزمر
(1)- ( تَنزِيلُ الْكِتَابِ ) الَّذِي نزلناه عليك يا محمد ( مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ ) في انتقامه من أعدائه ( الْحَكِيمِ ) في تدبيره خلقه، لا من غيره، فلا تكوننّ في شكّ من ذَلِكَ.
(2)- ( إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ) يا محمد ( الْكِتَابَ ) القرآن، يأمر ( بِالْحَقِّ ) بالعدل ( فَاعْبُدِ اللَّهَ ) فاخشع لله يا محمد بالطاعة( مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ) وأخلص له الألوهة، وأفرده بالعبادة، ولا تجعل له في عبادتك إياه شريكا، كما فَعَلَتْ عَبَدة الأوثان.
(3)- ( أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) لله العبادة والطاعة وحده لا شريك له، خالصة لا شرك لأحد معه فيها، فلا ينبغي ذَلِكَ لأحد ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا ) عبدوا ( مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ) يَتَوَلَّوْنَهُ م، ويعبدونهم من دون الله يقولون ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) قربة ومنزلة، ويشفعوا لنا عنده في حاجاتنا ( إِنَّ الله يَحْكُمُ ) يفصل ( بَيْنَهُمْ ) بين هؤلاء الأحزاب الَّذِينَ اتخذوا في الدنيا من دون الله أولياء يوم القيامة ( فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) في الدنيا من عبادتهم ما كانوا يعبدون فيها، بأن يصليهم جميعا جهنم، إلا من أخلص الدين لله، فوحده، ولم يشرك به شيئا ( إِنَّ الله لاَ يَهْدِي ) إلى الحق ودينه الإسلام، والإقرار بوحدانيته، فيوفقه له ( مَنْ هُوَ كَاذِبٌ ) مفترٍ عَلَى الله، يتقول عليه الباطل، ويضيف إليه ما ليس من صفته، ويزعم أن له ولدا افتراء عليه ( كَفَّارٌ ) لنعمه، جَحُودًا لربوبيته.
(4)- ( لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ) لو شاء الله اتخاذ ولد، ولا ينبغي له ذَلِكَ ( لَاصْطَفَى ) لاختار ( مِمَّا يَخْلُقُ ) من خلقه ( مَا يَشَآءُ ) من الملائكة ( سُبْحَانَهُ ) تنزيها لله عن أن يكون له ولد، وعما أضاف إليه المشركون به من شركهم ( هُوَ الله ) الَّذِي يَعْبده كلّ شيء، ولو كان له ولد لم يكن له عبدا ( الْوَاحِدُ ) الَّذِي لا شريك له في ملكه وسلطانه ( الْقَهَّارُ ) لخلقه بقدرته، فكل شيء له متذلل، ومن سطوته خاشع.
(5)- ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ) يغشي هَذَا عَلَى هَذَا ، وهذا عَلَى هَذَا ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) لعباده، ليعلموا بذلك عدد السنين والحساب، ويعرفوا الليل من النهار لمصلحة معاشهم ( كُلٌّ ) الشمس والقمر ( يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) لكل واحد منهما منازل، لا تعدوه ولا تقصر دونه ، إلى قيام الساعة، وذلك إلى أن تكوّر الشمس، وتنكدر النجوم ( أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ ) في انتقامه ممن عاداه ( الْغَفَّارُ ) لذنوب عباده التائبين إليه منها.

(6)- ( خَلَقَكُمْ ) أيها الناس ( مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ) من آدم ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا ) ثم جعل من آدم ( زَوْجَهَا ) حواء، وذلك أن الله خلقها من ضِلَع من أضلاعه ( وَأَنزَلَ ) وجعل ( لَكُمْ مِّنَ الأنعام ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ) من الإبل زوجين، ومن البقر زوجين، ومن الضأن اثنين، ومن المعْز اثنين ( يَخْلُقُكُمْ ) يبتدئ خلقكم أيها الناس ( فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ ) وذلك أنه يحدث فيها نطفة، ثم يجعلها علقة، ثم مضغة، ثم عظاما، ثم يكسو العظام لحما، ثم يُنْشئه خلقا آخر ( فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ) بطن أمه، والرحم، والمَشِيمة ( ذَلِكُمُ ) هَذَا الَّذِي فعل هذه الأفعال أيها الناس هو ( اللَّهُ رَبُّكُمْ ) لا من لا يجلب لنفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرّا، ولا يسوق إليكم خيرا، ولا يدفع عنكم سوءا من أوثانكم وآلهتكم ( لَهُ الْمُلْكُ ) ملك الدنيا والآخرة وسلطانهما لا لغيره ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) لا ينبغي أن يكون معبود سواه، ولا تصلح العبادة إلا له ( فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) أيها الناس فتذهبون عن عبادة ربكم، الَّذِي هذه الصفة صفته، إلى عبادة من لا ضر عنده لكم ولا نفع.
(7)- ( إِن تَكْفُرُواْ ) أيها المشركون بالله ( فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ ) المؤمنين الَّذِينَ أخلصهم لعبادته وطاعته ( الْكُفْرَ )أن يكفروا ( وَإِن تَشْكُرُواْ ) تؤمنوا بربكم وتطيعوه ( يَرْضَهُ لَكُمْ ) يرض شكركم له، وذلك هو إيمانهم به وطاعتهم إياه ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ ) تأثم آثمة ( وِزْرَ أُخْرَى ) إثم آثمة أخرى غيرها، ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها، يعلم عز وجل عباده أن عَلَى كل نفس ما جنت، وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها ( ثُمَّ ) بعد اجتراحكم في الدنيا ما اجترحتم من صالح وسيئ، وإيمان وكفر أيها الناس ( إلى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ ) مصيركم من بعد وفاتكم ( فَيُنَبِّئُكُمْ ) فيخبركم ( بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) في الدنيا من خير وشر، فيجازيكم عَلَى كل ذَلِكَ جزاءكم، المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بما يستحقه( إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) لا يخفى عليه ما أضمرته صدوركم أيها الناس مما لا تدركه أعينكم، فكيف بما أدركته العيون ورأته الأبصار.
(8)- ( وَإِذَا مَسَّ الإنسان ضُرٌّ ) بلاء في جسده من مرض، أو عاهة، أو شدّة في معيشته، وجهد وضيق ( دَعَا رَبَّهُ ) استغاث بربه الَّذِي خلقه من شدة ذَلِكَ ورغب إليه في كشف ما نزل به ( مُنِيبًا إِلَيْهِ ) تائبا إليه مما كان من قبل ذَلِكَ عليه من الكفر به، وإشراك الآلهة والأوثان به في عبادته، راجعا إلى طاعته ( ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ ) منحه ربه ( نِعْمَةً ) عافية ( مِّنْهُ )فكشف عنه ضرّه، وأبدله بالسقم صحة، وبالشدة رخاء ( نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُواْ ) ترك دعاءه الَّذِي كان يدعو إلى الله ( إِلَيْهِ مِن قَبْلُ ) أن يكشف ما كان به من ضرّ ( وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا )أمثالا وأشباها، وأطاع الشيطان في عبادة الأوثان ( لِّيُضِلَّ ) ليزيل من أراد أن يوحد الله ويؤمن به ( عَن سَبِيلِهِ ) عن توحيده، والإقرار به، والدخول في الإسلام ( قُلْ ) يا محمد لفاعل ذَلِكَ ( تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ ) بالله-وذلك وعيد من الله وتَهَدُّدٌ- ( قَلِيلًا ) إلى أن تستوفي أجلك، فتأتيك منيتك ( إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ) من أهل النار الماكثين فيها.
(9)- أهذا الَّذِي جعل لله أندادا ليضلّ عن سبيله أفضل( أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ) أم من هو مطيع ( آنَآءَ اللَّيْلِ ) ساعات الليل ( سَاجِدًا ) أحيانا ( وَقَائِمًا ) أحيانا ( يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ) عذاب الآخرة ( وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ ) جنة ربه كأبي جهل وأصحابه ( قُلْ ) يا محمد لقومك ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ ) ما لهم في طاعتهم لربهم من الثواب، وما عليهم في معصيتهم إياه من التبعات ( وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) ذَلِكَ، فهم يخبطون في عشواء، لا يرجون بحسن أعمالهم خيرا، ولا يخافون بسيئها شرا؟ ما هذان بمتساويين( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ ) يعتبر حجج الله، فيتعظ، ويتفكر فيها ويتدبرها ( أُولُواْ الْأَلْبَابِ ) أهل العقول والحجى، لا أهل الجهل والنقص في العقول.
(10)- ( قُلْ ) يا محمد ( يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا ) بالله، وصدقوا رسوله ( اتَّقُوا رَبَّكُمْ ) بطاعته واجتناب معاصيه ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ) أطاعوا الله ( فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ) الجنة ( وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ) فسيحة، فهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ ) يعطي الله أهل الصبر عَلَى ما لقوا فيه في الدنيا ( أَجْرَهُمْ ) ثوابهم في الآخرة ( بِغَيْرِ حِسَابٍ ).

(11)- ( قُلْ ) يا محمد لمشركي قومك ( إِنِّي أُمِرْتُ ) إن الله أمرني ( أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ) مفردا له الطاعة، دون كلّ ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد.
(12)- ( وَأُمِرْتُ ) وأمرني ربي ( لأَنْ أَكُونَ ) بفعل ذلك ( أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ) أوَّلَ مَن أسلم منكم، فخضعَ له بالتوحيد، وأخلصَ له العبادةَ، وبَرِئَ من كل ما دونه من الآلهة.
(13)- ( قُلْ ) يا محمد لهم ( إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) فيما أمرني به من عبادته، مخلصا له الطاعة، ومفرده بالربوبية ( عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) يوم القيامة، ذَلِكَ هو اليوم الَّذِي يعظم هوله.
(14)- ( قُلِ ) يا محمد لمشركي قومك ( اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي ) مفردا له طاعتي وعبادتي، لا أجعل له في ذَلِكَ شريكا، ولكني أفرده بالألوهة، وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة.
(15)- ( فَاعْبُدُوا ) أنتم أيها القوم ( مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ ) الأوثان والأصنام وغير ذَلِكَ مما تعبدون من سائر خلقه ( قُلْ ) يا محمد لهم ( إِنَّ الْخَاسِرِينَ ) الهالكين ( الَّذِينَ أَنْفُسَهُمْ أَنفُسَهُمْ ) الَّذِينَ غَبَنوا أنفسهم( وَأَهْلِيهِمْ ) وهلكت بعذاب الله أهلوهم مع أنفسهم، فلم يكن لهم إذ دخلوا النار فيها أهل، وقد كان لهم في الدنيا أهلون ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) هو الهلاك الَّذِي يبين لمن عاينه وعلمه أنه الخسران.
(16)- ( لَهُمْ ) لهؤلاء الخاسرين يوم القيامة في جهنم ( مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ ) وذلك كهيئة الظلل المبنية من النار ( وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ) من النار ما يعلوهم، حتى يصير ما يعلوهم منها من تحتهم ظللا ( ذَلِكَ ) هَذَا الَّذِي أخبرتكم أيها الناس به، مما للخاسرين يوم القيامة من العذاب ( يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ) تخويف من ربكم لكم، يخوفكم به لتحذروه فتجتنبوا معاصيه، وتُنيبوا من كفركم إلى الإيمان به ( يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) بأداء فرائضي عليكم، واجتناب معاصيّ، لتنجوا من عذابي وسخطي.
(17)- ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا ) اجتنبوا عبادة كلّ ما عبد من دون الله من شيء ( وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ ) وتابوا إلى الله ورجعوا إلى الإقرار بتوحيده، والعمل بطاعته، والبراءة مما سواه من الآلهة والأنداد ( لَهُمُ الْبُشْرَى ) في الدنيا بالجنة في الآخرة ( فَبَشِّرْ ) يا محمد ( عِبَادِ ).
(18)- ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ) من القائلين ( فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) فيتبعون أرشده وأهداه، وأدله عَلَى توحيد الله، والعمل بطاعته، ويتركون ما سوى ذَلِكَ القول الَّذِي لا يدل عَلَى رشاد، ولا يهدي إلى سداد ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ) وفَّقَهم اللهُ للرشاد وإصابة الصواب، لا الَّذِينَ يعرضون عن سماع الحقّ، ويعبدون ما لا يضرّ، ولا ينفع ( وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ ) أولو العقول والحجى.
(19)- ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ ) وجبت عليه ( كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) في سابق علم ربك يا محمد بكفره به ( أَفَأَنتَ تُنقِذُ ) يا محمد ( مَن فِي النَّارِ ) من حقت عليه كلمة العذاب.
(20)- ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ) بأداء فرائضه واجتناب محارمه ( لَهُمْ غُرَفٌ ) في الجنة ( مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ ) علاليّ بعضها فوق بعض ( تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ) من تحت أشجار جناتها ( الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ ) وعدْنا هذه الغرف في الجنة، هؤلاء المتقين ( لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ) والله لا يخلفهم وعده، ولكنه يوفي بوعده.
(21)- ( أَلَمْ تَرَ ) يا محمد ( أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ) وهو المطر ( مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ) فأجراه عيونا ( ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ) أنواعا مختلفة من بين حنطة وشعير وسمسم وأرز، ونحو ذَلِكَ من الأنواع المختلفة ( ثُمَّ يَهِيجُ ) ييبس ذَلِكَ الزرع من بعد خُضرته ( فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ) من بعد خُضرته ورطوبته قد يبس فصار أصفر ( ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ) ثم يجعل ذَلِكَ الزرع بعد ما صار يابسا فُتاتا متكسرا ( إِنَّ فِي ذَلِكَ ) إن في فعل الله ذَلِكَ ( لَذِكْرَى ) موعظة ( لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) لأهل العقول والحجى يتذكرون به، فيعلمون أن من فعل ذَلِكَ فلن يتعذر عليه إحداث ما شاء من الأشياء، وإنشاء ما أراد من الأجسام والأعراض، وإحياء من هلك من خلقه من بعد مماته وإعادته من بعد فنائه.

(22)- ( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ) فسح الله قلبه لمعرفته، والإقرار بوحدانيته، والإذعان لربوبيته، والخضوع لطاعته ( فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ) عَلَى بصيرة مما هو عليه ويقين، بتنوير الحق في قلبه، فهو لذلك لأمر الله متبع، وعما نهاه عنه منته فيما يرضيه ( فَوَيْلٌ ) شدة عذاب ويقال ويل واد في جهنم من قيح ودم ( لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ) جفت قلوبهم ونأت ( مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ) عن القرآن الَّذِي أنزله تعالى ( أُوْلَئِكَ ) هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر الله ( فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) لمن تأمله وتدبره بفهم أنه في ضلال عن الحق جائر.
(23)- ( الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ) القرآن ( مُّتَشَابِهًا ) يشبه بعضه بعضا، لا اختلاف فيه، ولا تضادّ ( مَّثَانِيَ ) تُثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج ( تَقْشَعِرُّ )من سَماعه إذا تلي عليهم ( جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ ) يخافون ( رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ ) إلى العمل بما في كتاب الله، والتصديق به ( ذَلِكَ ) هَذَا الَّذِي يصيب هؤلاء القوم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم ثم لينها ولين قلوبهم إلى ذكر الله ( هُدَى اللَّهِ ) توفيق الله إياهم وفَّقهم له ( يَهْدِي بِهِ ) بالقرآن ( مَن يَشَآءُ ) من عباده ( وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ ) ومن يخذله الله عن الإيمان بهذا القرآن والتصديق بما فيه، فيضله عنه ( فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) مُوَفِّق له، ومسدد يسدده في اتباعه.
(24)- ( أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ ) يَخِرّ عَلَى وجهه في النار ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) خير، أم من ينعم في الجنان؟ ( وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ) أنفسهم بإكسابهم إياها سخط الله ( ذُوقُواْ ) اليوم أيها القوم وبال ( مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ) من معاصي الله.
(25)- ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) من قبل هؤلاء المشركين من قُريش من الأمم الَّذِينَ مضوا في الدهور الخالية رسلهم ( فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ ) فجاءهم عذاب الله ( مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ) لا يعلمون بمجيئه منه.
(26)- ( فَأَذَاقَهُمُ اللهُ ) فعجل الله لهؤلاء الأمم الَّذِينَ كذبوا رسلهم ( الْخِزْيَ ) الهوان ( فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ولم يُنْظِرْهُم إذ عتوا عن أمر ربهم ( وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ ) إذا أدخلهم النار، فعذّبهم بها ( أَكْبَرُ ) من العذاب الَّذِي عذّبهم به في الدنيا ( لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ) هؤلاء المشركون من قريش ذَلِكَ.
(27)- ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ ) ولقد مثلنا لهؤلاء المشركين بالله ( فِي هَذَا القرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ ) من أمثال القرون للأمم الخالية، تخويفا منا لهم وتحذيرا ( لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) ليتذكروا فينزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله.
(28)- جعلناه ( قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) إذ كانوا عربا، ليفهموا ما فيه من المواعظ ( غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ) ذي لبس ( لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) حتى يتقوا ما حذرهم الله فيه من بأسه وسطوته، فينيبوا إلى عبادته وإفراد الألوهة له، ويتبرّءوا من الأنداد والآلهة.
(29)- ( ضَرَبَ ) مثل ( الله مَثَلًا ) للكافر بالله الَّذِي يعبد آلهة شَتَّى ( رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَآءُ ) هو بين جماعة مالكين ( مُتَشَاكِسُونَ ) مختلفين متنازعين، سيئة أخلاقهم، وكل واحد منهم يستخدمه بقدر نصيبه ومِلْكه فيه ( وَرَجُلًا سَلَمًا ) خُلُوصا ( لِّرَجُلٍ ) المؤمن الموحد الَّذِي أخلص عبادته لله، لا يعبد غيره ولا يدين لشيء سواه بالربوبية ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ) هل يستوي مثلُ هَذَا الَّذِي يخدم جماعة شركاء سيئة أخلاقهم مختلفة فيه لخدمته مع منازعته شركاءه فيه، والذي يخدمُ واحدا لا ينازعه فيه منازع إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه ( الْحَمْدُ ) الشكر الكامل، والحمدُ التامّ ( لِلَّهِ ) وحده دون كلّ معبود سواه ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ ) أكثر هؤلاء المشركين بالله ( لاَ يَعْلَمُونَ ) أنهما لا يستويان، فهم بجهلهم بذلك يعبدون آلهة شتى من دون الله.

(30)- ( إِنَّكَ ) يا محمد ( مَيِّتٌ ) عن قليل( وَإِنَّهُمْ ) وإن هؤلاء المكذّبين لك من قومك والمؤمنين منهم ( مَّيِّتُونَ ) سيموتون
(31)- ( ثُمَّ إِنَّكُمْ ) إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم، ويفصل بين جميعكم بالحقّ.

(32)- ( فَمَنْ ) من خلق الله ( أَظْلَمُ ) أعظم فرية ( مِمَّن كَذَبَ علَى اللهِ ) فادّعى أن له ولد وصاحبة، أو أنه حرَّم ما لم يحرمه من المطاعم ( وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ ) بكتاب الله ( إِذْ جَآءَهُ ) إذ أنزله عَلَى محمد، وابتعثه الله به رسولا وأنكر قول لا إله إلا الله ( أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى ) مأوى ومسكن ( لِّلْكَافِرِينَ ) لمن كفر بالله، وامتنع من تصديق محمد × ، واتباعه عَلَى ما يدعوه إليه مما أتاه به من عند الله من التوحيد، وحكم القرآن؟.
(33)- ( والذي جَآءَ بِالصِّدْقِ ) القرآن، وشهادة أن لا إله إلا الله ( وَصَدَّقَ بِهِ ) من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) اللهَ بتوحيده والبراءة من الأوثان والأنداد، وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، فخافوا عقابه.

(34)- ( لَهُم ) عند ربهم يوم القيامة ( مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ) ما تشتهيه أنفسهم، وتلذّه أعينهم ( ذَلِكَ ) هَذَا الَّذِي لهم عند ربهم ( جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ) من أحسن في الدنيا فأطاع الله فيها، وائتمر لأمره، وانتهى عما نهاه فيها عنه.
(35)- ( لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُواْ ) في الدنيا من الأعمال، فيما بينهم وبين ربهم، بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها ( وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ )ويثيبهم ثوابهم ( بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) في الدنيا مما يُرضِي اللهَ عنهم دونَ أسوئها.
(36)- ( أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ ) محمدا ( وَيُخَوِّفُونَك َ ) هؤلاء المشركون يا محمد ( بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) من الأوثان والآلهة أن تصيبك بسوء، ببراءتك منها، وعيبك لها، والله كافيك ذَلِكَ ( وَمَن يُضْلِلِ اللهُ ) يخذله فيضلَّه عن طريق الحق وسبيل الرشد ( فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ، ومُوفِّق للإيمان بالله، وتصديق رسوله، والعمل بطاعته.
(37)- ( وَمَن يَهْدِ اللهُ ) يوفِّقه للإيمان به، والعمل بكتابه ( فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ ) مزيغ يزيغه عن الحق الَّذِي هو عليه إلى الارتداد إلى الكفر ( أَلَيْسَ اللهُ ) يا محمد ( بِعَزِيزٍ ) في انتقامه من كفرة خلقه ( ذِي انْتِقَامٍ )من أعدائه الجاحدين وحدانيته.

(38)- ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ) سألت يا محمد هؤلاء المشركين العادلين بالله الأوثان والأصنام ( مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) الَّذِي خلقها ( قُلْ ) فإذا قَالُوا ذَلِكَ، فقل ( أَفَرَأَيْتُم ) أيها القوم ( مَّا تَدْعُونَ ) هَذَا الَّذِي تعبدون ( مِن دُونِ اللهِ ) من الأصنام والآلهة ( إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ ) بشدة في معيشتي ( هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ ) ما يصيبني به ربي من الضر؟ ( أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ ) سعة في معيشتي، وكثرة مالي، ورخاء وعافية في بدني ( هَلْ هُنَّ ) اللات والعزى ومناة ( مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ )ما أراد أن يصيبني به من تلك الرحمة ( قُلْ حَسْبِيَ اللهُ ) مما سواه من الأشياء كلها، إياه أعبد، وإليه أفزع في أموري، فإنه الكافي، وبيده الضر والنفع، لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع ( عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُو نَ ) عَلَى الله يتوكل من هو متوكل، وبه فليثق لا بغيره.
(39)- ( قُلْ ) يا محمد لمشركي قومك، الَّذِينَ اتخذوا الأوثان والأصنام آلهة يعبدونها من دون الله ( يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ ) عَلَى تمكنكم من العمل الَّذِي تعملون ومنازلكم ( إِنِّي عَامِلٌ ) كَذَلِكَ عَلَى تؤدة عَلَى عمل من سلف من أنبياء الله قبلي ( فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) إذا جاءكم بأس الله، من المحقّ منا من المبطل، والرشيد من الغويّ.
(40)- ( مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ) يذله ويهينه ( وَيَحِلُّ ) وينزل ( عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) دائم لا يفارقه.
(41)- ( إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ) يا محمد ( الْكِتَابَ ) تبيانا ( لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ ) بتبيان الحق والباطل للناس ( فَمَنِ اهْتَدَى ) فمن عمل بما في الكتاب الَّذِي أنزلناه إليه واتبعه ( فَلِنَفْسِهِ ) فإنما عمل بذلك لنفسه، وإياها بغى الخير لا غيرها، لأنه أكسبها رضا الله والفوزَ بالجنة، والنجاةَ من النار ( وَمَن ضَلَّ ) جَارَ عن الكتاب الَّذِي أنزلناه إليك، والبيان الَّذِي بيَّناه لك، فضل عن قصد المحجة، وزال عن سواء السبيل ( فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) يجور عَلَى نفسه، وإليها يسوق العطب والهلاك، لأنه يكسبها سخط الله، وأليم عقابه، والخزي الدائم ( وَمَآ أَنتَ ) يا محمد ( عَلَيْهِم ) عَلَى من أرسلتك إليه من الناس ( بِوَكِيلٍ ) برقيب ترقب أعمالهم، وتحفظ عليهم أفعالهم، إنما أنت رسول ، وإنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب.
(42)- ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ ) فيقبضها ( حِينَ مِوْتِهَا ) عند فناء أجلها، وانقضاء مدة حياتها ( والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ) ويتوفى أيضا التي لم تمت كما التي ماتت عند مماتها ( فَيُمْسِكُ التي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ) يمسك الله أرواح الأموات عنده وحبسها ( وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى ) ويرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها ( إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إلى انقضاء مدة حياتها ( إِنَّ فِي ذَلِكَ ) إن في قبض الله نفس النائم والميت، وإرسالِهِ –بَعْدُ- نَفْسَ هَذَا ترجع إلى جسمها، وحبسه لغيرها عن جسمها ( لآيَاتٍ ) لعبرة وعظة ( لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) لمن تفكر وتدبر، وبيانا له أن الله يحيي من يشاء من خلقه إذا شاء، ويميت من شاء إذا شاء.
(43)- ( أَمِ اتَّخَذُوا ) هؤلاء المشركون بالله ( مِنْ دُونِ اللَّهِ ) آلهتهم التي يعبدونها ( شُفَعَآءَ ) تشفع لهم عند الله في حاجاتهم ( قُلْ ) يا محمد لهم ( أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئًا ) أتتخذون هذه الآلهة شفعاء كما تزعمون ولو كانوا لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا ( وَلاَ يَعْقِلُونَ ) شيئا.
(44)- ( قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ) لا يشفع عنده إلا من أذن له ( لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) سلطانها ومُلكها ( ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) إلى الله مصيركم، وهو معاقبكم عَلَى إشراككم به، إن متم عَلَى شرككم.


(45)- ( وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ ) أفرد الله جل ثناؤه بالذكر، فدعي وحده، وقيل لا إله إلا الله ( اشْمَأَزَّتْ ) نفرت من توحيد الله ( قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة ) بالمعاد والبعث بعد الممات ( وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ) الآلهة التي يدعونها من دون الله مع الله ( إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) بذلك ويفرحون.
(46)- ( قُلِ ) يا محمد ( اللَّهُمَّ فَاطِرَ ) الله خالق ( السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ ) لا تراه الأبصار، ولا تحسه العيون ( وَالشَّهَادَةِ ) الَّذِي تشهده أبصار خلقه، وتراه أعينهم ( أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ) فتفصل بينهم بالحق يوم تجمعهم لفصل القضاء بينهم ( فِي مَا كَانُواْ فِيهِ ) في الدنيا ( يَخْتَلِفُونَ ) من القول فيك، وفي عظمتك وسلطانك، وغير ذَلِكَ من اختلافهم بينهم.
(47)- ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ) لهؤلاء المشركين بالله يوم القيامة، وهم الَّذِينَ ظلموا أنفسهم ( مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) في الدنيا من أموالها وزينتها ( وَمِثْلَهُ مَعَهُ ) مضاعفا ( لاَفْتَدَوْاْ بِهِ ) لفدوا بذلك كله أنفسهم عوضا منها، لينجو ( مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ ) الَّذِي هو معذّبهم به ( يَوْمَ القيامة وَبَدَا لَهُمْ ) وظهر لهم يومئذ ( مِّنَ اللهِ ) من أمر الله وعذابه، الَّذِي كان أعدّه لهم ( مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ ) أنه أعدّه لهم.

(48)- ( وَبَدَا لَهُمْ ) وظهر لهؤلاء المشركين يوم القيامة ( سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ ) من الأعمال في الدنيا، إذ أعطوا كتبهم بشمائلهم ( وَحَاقَ بِهِم ) ووجب عليهم حينئذ، فلزمهم عذاب الله الَّذِي كان نبي الله × في الدنيا يعدهم عَلَى كفرهم بربهم ( مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) يسخرون.
(49)- ( فَإِذَا مَسَّ ) أصاب ( الإنسان ضُرٌّ ) بؤس وشدّة ( دَعَانَا ) مستغيثا بنا من جهة ما أصابه من الضرّ ( ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ ) أبدلناه ( نِعْمَةً مِّنَّا ) رخاء وسعة، وبالسقم صحة وعافية، وأعطيناه فرجا مما كان فيه من الضرّ ( قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ ) أعطيت الَّذِي أعطيت من الرخاء والسعة في المعيشة، والصحة في البدن والعافية ( عَلَى عِلْمٍ ) من الله بأني له أهل لشرفي ورضاه بعملي ( بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ) بلاء ابتليناهم به، واختبارا اختبرناهم به ( ولكن أَكْثَرَهُمْ ) لجهلهم، وسوء رأيهم ( لاَ يَعْلَمُونَ ) لأي سبب أعطوا ذَلِكَ.
(50)- ( قَدْ قَالَهَا ) هذه المقالة، يعني قولهم لنعمة الله التي خولهم وهم مشركون: أوتيناه عَلَى علم عندنا ( الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) من قبل مشركي قريش من الأمم الخالية لرسلها، تكذيبا منهم لهم، واستهزاء بهم ( فَمَآ أغنى عَنْهُمْ ) حين أتاهم بأس الله عَلَى تكذيبهم رسل الله واستهزائهم بهم ( مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) من الأعمال، وذلك عبادتهم الأوثان، لم تنفعهم خدمتهم إياها، ولم تشفع آلهتهم لهم عند الله حينئذ، ولكنها أسلمتهم وتبرأت منهم.
(51)- ( فَأَصَابَهُمْ ) فأصاب الَّذِينَ قَالُوا هذه المقالة من الأمم الخالية ( سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ ) من الأعمال، فعوجلوا بالخزي في دار الدنيا ( وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ ) كفروا بالله ( مِنْ هؤلاء سَيُصِيبُهُمْ ) أيضا وبال ( سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ ) كما أصاب الَّذِينَ من قبلهم بقيلهموها ( وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) وما يفوتون ربهم ولا يسبقونه هربا في الأرض من عذابه إذا نزل بهم، ولكنه يصيبهم.
(52)- ( أَوَلَمْ يَعْلَمُوا ) هؤلاء الَّذِينَ كشفنا عنهم ضرهم ( أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ ) فيوسعه عليه ( وَيَقْدِرُ ) فيضيقه عَلَى من يشاء من عباده ( إِنَّ فِي ذَلِكَ ) إن في بسط الله الرزق لمن يشاء، وتقتيره عَلَى من أراد ( لآيَاتٍ ) دلالات وعلامات ( لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يصدقون بالحقّ، فيقرّون به إذا تبينوه وعلموا حقيقته أن الَّذِي يفعل ذَلِكَ هو الله دون كل ما سواه.
(53)- ( قُلْ يَا عِبَادِيَ ) من أهل الإيمان والشرك ( الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) بالكفر والشرك والزنا والقتل ( لاَ تَقْنَطُواْ ) لا تيأسوا ( مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ) يستر عَلَى الذنوب كلها بعفوه عن أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها ( إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) بهم، أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها .
(54)- ( وَأَنِيبُوا ) وأقبلوا أيها الناس بالتوبة، وارجعوا ( إِلَى رَبِّكُمْ ) بالطاعة له، واستجيبوا له إلى ما دعاكم إليه من توحيده، وإفراد الألوهة له، وإخلاص العبادة له ( وَأَسْلِمُواْ لَهُ ) واخضعوا له بالطاعة والإقرار بالدين الحنيفي ( مِنْ قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ) من عنده عَلَى كفركم به ( ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ ) لا ينصركم ناصر، فينقذكم من عذابه النازل بكم.
(55)- ( وَاتَّبِعُوا ) أيها الناس ( أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ) ما أمركم به ربكم في تنزيله، واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه، وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا ( مِّن قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً ) فجأة ( وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) لا تعلمون به حتى يغشاكم فجأة.

(56)- ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ ) لئلا تقول ( يَا حَسْرَتَى ) يا ندما ( عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللهِ ) عَلَى ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به، وقصرت في الدنيا في طاعة الله ( وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين ) المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.

(57)- ( أَوْ تَقُولَ ) نفس أخرى ( لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي ) للحق، فوفقني للرشاد ( لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) ممن اتقاه بطاعته واتباع رضاه.
(58)- ( أَوْ تَقُولَ ) لئلا تقول أخرى ( حِينَ تَرَى الْعَذَابَ ) فتعاينه ( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً ) رجعة إلى الدنيا ( فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الَّذِينَ أحسنوا في طاعة ربهم، والعمل بما أمرتهم به الرسل.
(59)- ( بَلَى ) ما القول كما تقولون ( قَدْ جَآءَتْكَ ) أيها المتمني عَلَى الله الرد إلى الدنيا لتكون فيها من المحسنين ( آيَاتِي )حججي من بين رسول أرسلته إليك، وكتاب أنزلته يتلى عليك ما فيه من الوعد والوعيد والتذكير ( فَكَذَّبْتَ بِهَا ) بآياتي ( وَاسْتَكْبَرْتَ ) عن قبولها واتباعها ( وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) ممن يعمل عمل الكافرين، ويستن بسنتهم، ويتبع منهاجهم.
(60)- ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى ) يا محمد هؤلاء ( الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللهِ ) من قومك فزعموا أن له ولدا، وأن له شريكا، وعبدوا آلهة من دونه ( وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّر ِينَ ) مأوى ومسكن لمن تكبر عَلَى الله، فامتنع من توحيده، والانتهاء إلى طاعته فيما أمره ونهاه عنه.
(61)- ( وَيُنَجِّي اللهُ ) من جهنم وعذابها ( الَّذِينَ اتَّقَوْا ) بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا ( بِمَفَازَتِهِمْ ) بفوزهم، بفضائلهم وأعمالهم ( لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ ) لا يمس المتقين من أذى جهنم شيء ( وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) عَلَى ما فاتهم من آراب الدنيا، إذ صاروا إلى كرامة الله ونعيم الجنان.
(62)- ( اللهُ ) الَّذِي له الألوهة من كل خلقه الَّذِي لا تصلح العبادة إلا له ( خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) لا ما لا يقدر عَلَى خلق شيء ( وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) قيم بالحفظ والكلاءة.
(63)- ( لَّهُ مَقَالِيدُ ) مفاتيح خزائن ( السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) يفتح منها عَلَى من يشاء، ويمسكها عمن أحب من خلقه ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ) بحجج الله فكذبوا بها وأنكروها ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) المغبونون حظوظهم من خير السموات التي بيده مفاتيحها، لأنهم حرموا ذَلِكَ كله في الآخرة بخلودهم في النار، وفي الدنيا بخذلانهم عن الإيمان بالله عزّ وجلّ.

(64)- ( قُلْ ) يا محمد لمشركي قومك، الداعيك إلى عبادة الأوثان ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي ) أن ( أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ ) بالله، ولا تصلح العبادة لشيء سواه؟!.
(65)- ( وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ ) يا محمد ( وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ) من الرسل ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ ) بالله شيئا يا محمد ( لَيَحْبَطَنَّ ) ليبطلنّ ( عَمَلُكَ ) ولا تنال به ثوابا، ولا تدرك جزاء إلا جزاء من أشرك بالله ( وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الهالكين بالإشراك بالله إن أشركت به شيئا.
(66)- ( بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ) دون كلّ ما سواه من الآلهة والأوثان ( وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ) لله عَلَى نعمته عليك بما أنعم من الهداية لعبادته، والبراءة من عبادة الأصنام والأوثان.
(67)- ( وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) وما عظَّم الله حقّ عظمته، هؤلاء المشركون بالله، الَّذِينَ يدعونك إلى عبادة الأوثان ( وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ ) في قبضته كلها ( يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ ) كلها ( مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ) تنزيها وتبرئة لله، وعلوا وارتفاعا ( عَمَّا يُشْرِكُونَ ) به هؤلاء المشركون من قومك يا محمد القائلون لك: اعبد الأوثان من دون الله، واسجد لآلهتنا.

(68)- ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ) ونفخ إسرافيل في القرن ( فَصَعِقَ ) مات -وذلك في النفخة الأولى- مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) عنى بالاستثناء في الفزع: الشهداء، وفي الصعق: جبريل، وملك الموت، وحملة العرش.
( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ ) ثم نفخ في الصور نفخة ( أُخْرَى ) وهى نفخة البعث، وذُكر أن بين النفختين أربعين سنة ( فَإِذَا هُمْ ) فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع خلق الله الَّذِينَ كانوا أمواتا قبل ذَلِكَ ( قِيَامٌ ) من قبورهم وأماكنهم من الأرض أحياء كهيئتهم قبل مماتهم ( يَنظُرُونَ ) أمر الله فيهم.

(69)- ( وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ ) فأضاءت ( بِنُورِ رَبِّهَا ) وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ ) كتاب أعمالهم لمحاسبتهم ومجازاتهم ( وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ ) ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم، وردت عليهم في الدنيا، حين أتتهم رسالة الله ( وَالشُّهَدَاءِ ) أمة محمد × ، ويستشهدهم ربهم عَلَى الرسل، فيما ذكرت من تبليغها رسالة الله التي أرسلهم بها ربهم إلى أممها، إذ جحدت أممهم أن يكونوا أبلغوهم رسالة الله ( وَقُضِيَ بَيْنَهُم ) بين النبيين وأممها ( بِالْحَقِّ ) أن لا يحمل عَلَى أحد ذنب غيره، ولا يعاقب نفسا إلا بما كسبت ( وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ).
(70)- ( وَوُفِّيَتْ ) ووفى الله حينئذ ( كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ ) جزاء عملها من خير وشرّ ( وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ) في الدنيا من طاعة أو معصية، ولا يعزب عنه علم شيء من ذَلِكَ، وهو مجازيهم عليه يوم القيامة، فمثيب المحسن بإحسانه، والمسيء بما أساء.
(71)- ( وَسِيقَ ) وحشر ( الَّذِينَ كَفَرُوا ) بالله ( إِلَى جَهَنَّمَ ) ناره التي أعدّها لهم يوم القيامة ( زُمَرًا ) جماعات، جماعة جماعة، وحزبا حزبا ( حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) السبعة ( وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ ) قُوَّامها ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ) كتاب الله المنزل عَلَى رسله وحججه التي بعث بها رسله إلى أممهم ( وَيُنذِرُونَكُم ْ لِقَآءَ ) ما تلقون في ( يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ ) قال الَّذِينَ كفروا مجيبين لخزنة جهنم ( بَلَى ) قد أتتنا الرسل منا، فأنذرتنا لقاءنا هَذَا اليوم ( وَلَكِنْ حَقَّتْ ) وجبت ( كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به.

(72)- ( قِيلَ ) فتقول خزنة جهنم للذين كفروا حينئذ ( ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ) السبعة عَلَى قدر منازلكم فيها ( فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِي نَ ) مسكن المتكبرين عَلَى الله في الدنيا، أن يوحدوه ويفردوا له الألوهة، جهنم يوم القيامة.
(73)- ( وَسِيقَ ) وحُشر ( الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ ) بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، وأخلصوا له فيها الألوهة، وأفردوا له العبادة، فلم يشركوا في عبادتهم إياه شيئا ( إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ) جماعات، فكان سوق هؤلاء إلى منازلهم من الجنة وفدا ( حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ) أمنة من الله لكم أن ينالكم بعدُ مكروه أو أذى ( طِبْتُمْ ) طابت أعمالكم في الدنيا، فطاب اليوم مثواكم ( فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ).
(74)- ( وَقَالُواْ ) الَّذِينَ سيقوا زمرا ودخلوها ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) الشكر خالص لله ( الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ) الشكر خالص لله الَّذِي صدقنا وعده ( وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ) وجعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو كانوا أطاعوا الله في الدنيا، فدخلوها، ميراثا لنا عنهم ( نَتَبَوَّأُ ) نتخذ ( مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) نحب ونشتهي ( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) ثواب المطيعين لله، العاملين له في الدنيا الجنة لمن أعطاه الله إياها في الآخرة.

(75)- ( وَتَرَى ) يا محمد ( الملائكة حَآفِّينَ ) محدقين ( مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) عرش الرحمن ( يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) يصلون حول عرش الله شكرا له ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) بين النبيين الَّذِينَ جيء بهم، والشهداء وأممها ( بِالْحَقِّ ) بالعدل ( وَقِيلَ ) لهم بعد الفراغ من الحساب قولوا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين ) وختمت خاتمة القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ خلقهم الَّذِي له الألوهية، وملك جميع ما في السموات والأرض من الخلق من ملك وجن وإنس، وغير ذَلِكَ من أصناف الخلق.
(1) مقدمة في التفسير : ص : (68) .


[COLOR=var(--primary-text)][COLOR=var(--primary-text)]جمال القرش[COLOR=var(--primary-text)]٦٥ سورة الزمر ج١

76 سورة الزمر ج2

https://www.youtube.com/watch?v=yKWdUVSTPl0




[/COLOR]
قوائم تشغيل
https://www.youtube.com/playlist?list=PL-0eOdaDLkIg71hoUY79C4NljFwtF1dU 0

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=10226 323166325325&id=1226774898