الذِّكر في الحياة الزوجية
أم عبد الرحمن محمد يوسف

يقول تعالى: { وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 34]، يقول القرطبي في تفسيره، لفظ الذكر يحتمل ثلاثة معان:

أحدهما: أي اذكرن موضع النعمة إذا صيرَّكن الله في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة.

الثاني: اذكرن آيات الله واقدرن قدرها وفكرن فيها حتى تكون منكن على بالٍ لتتعظن بمواعظ الله تعالى، ومن كان هذا حاله ينبغي أن تحسن أفعاله.

الثالث: اذكرن بمعنى احفظن واقرأن وألزمنه الألسنة، فكأنه يقول واحفظن أوامر الله تعالى ونواهيه، وذلك هو الذي يتلى في بيوتكن من آيات الله، فأمر الله سبحانه وتعالى أن يخبرن بما ينزل من القرآن في بيوتهن وما يرين من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ويسمعن من أقواله حتى يبلغن ذلك إلى الناس فيعملوا ويقتدوا [تفسير القرطبي، (8/5265)].

ومن ثم فإن الذكر في بيت الزوجية علامة مميزة ينبغي ألا ينفك عنها، وكلما ازداد الزوجان ذكرًا وعبادة كلما ازداد رضا الرب سبحانه عن هذا البيت؛ فتزداد السعادة.

الذكر والسعادة:

تلك السعادة التي يبحث عنها كل زوجين في هذه الحياة، بل حتى قبل الزواج ترفع الفتاة يديها ويرفع الشاب يده يسأل ربه أن يرزقه السعادة ويملأ بيته الجديد بها.

إن هذه السعادة التي نبحث عنها لا تكون إلا بعبادة الله وذكره والحرص على رضاه، وما من بيت رأينا فيه الأزواج يعبدون الله حقًّا ويذكرونه حق الذكر، إلا ورأينا السعادة والبركة تحفه من جوانبه.

ولهذا قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: (إن البيت الذي يُتلى فيه القرآن يتسع بأهله ويكثر خيره وتحضره الملائكة وتخرج منه الشياطين، وأن البيت الذي لا يُتلى فيه كتاب الله عز وجل يضيق بأهله ويقل خيره وتخرج منه الملائكة وتحضره الشياطين).

دروس نبوية:

لذا كان ذكر الله سبحانه وتعالى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها وزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعن علي: أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم، فقال: (على مكانكما) فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدمه على بطني فقال: (ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبرا ثلاثًا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم) [رواه البخاري].

وبهذا يعلم النبي صلى الله عليه وسلم كل زوجين، الحرص على تزكية روح الإيمان في البيت، بل بين النبي صلى الله عليه وسلم أن البيت الذي يذكر فيه الله هو بيت الأحياء، أما البيت الذي لا يرفع فيه اسم الله ـ لاشك ـ هو بيت الأموات.

فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل: الحي والميت) [متفق عليه].

وقد نهانا صلى الله عليه وسلم أن نحول بأيدينا عش الزوجية إلى مقبرة صغيرة لا يذكر فيها اسم الرب سبحانه؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) [رواه مسلم].

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مواطن أذكار عديدة يستطيع المؤمن والمؤمنة من خلاها أن يعمرا بيتهما بذكر الله سبحانه وتعالى فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل الرجل بيته فذكر اسم الله تعالى حين يدخل وحين يطعم، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء هاهنا، وإن دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه قال: أدركتم المبيت والعشاء) [رواه مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له: حسبك قد هديت وكفيت ووقيت، فيتنحى له الشيطان فيقول له شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (3426)].

التعاون على الطاعة:

إن ذكر الله سبحانه وتعالى في بيوتنا يحتاج إلى تكاتف وتعاون بين الزوجين، حتى يغدو كل منهما عونًا للآخر على طاعة ربه ومولاه، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه يفعل مع أهل بيته في مشهد بديع يرفرف في سماء الذكر والطاعة بأجنحة الحب والتعاون على الخير، فقد كان رضي الله عنه يقسم الليل ثلاثًا، فيصلي هو الثلث الأول، ثم يوقظ زوجته، فتصلي الثلث الثاني، ثم توقظ الزوجة ابنتها الوحيدة لتقوم الثلث الثالث!

فلما توفيت الزوجة، قسم أنس الليل بينه وبين ابنته، فكان يصلي نصف الليل وتصلي هي النصف الآخر، ثم توفي أنس فحرصت ابنته على أن تصلي الليل كله.

ولعل الشاهد الأهم في هذه القصة هو حرص تلك الأسرة المؤمنة على ملء بيتها بذكر الله، وحرصها كذلك على التعاون في سبيل تحقيق ذلك.

وها هي سعدى تقول: دخلت يومًا على طلحة (تعني زوجها طلحة بن عبيد الله) فرأيت منه ثقلًا (تعني همًّا) فقلت له: ما لك لعلك رابك منا شيء (أي لعله صدرت منا إليك إساءة) فنعتبك؟ (أي فنعتذر منك).

قال: لا، ولنعم حليلة المرء المسلم أنتِ، ولكن اجتمع عندي مالٌ ولا أدري كيف أصنع به؟

قالت: وما يغمك منه؟ ادع قومك، فاقسمه بينهم!

فقال: يا غلام! علي بقومي.

قالت: فسألت الخازن كم قسم؟

قال: (أربعمائة ألف) [الترغيب والترهيب، (2/28)].

فما أروع هذه الصورة التي تنم عن روح المشاركة بين الزوجة وزوجها، تلك المشاركة التي توثق صلتنا بخالقنا، وتقوي إيماننا.

ولقد ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من النماذج التي تبين لنا كيف يكون التعاون على الطاعة بين الزوجين، منها ما روته عائشة رضي الله عنها حين قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئًا) [متفق عليه].

فهذا نموذج من نماذج التعاون على الطاعة التي نحتاجها في بيوتنا حتى تطهر أرواحنا، وتسمو بها نفوسنا.

دراسة علمية: أثر القرآن على صلاح الذرية:

(إن حفظ القرآن الكريم، وتدبر معانيه أوسع الأبواب التي تُنمي ذكاء الطفل، وأهم أدوات تنمية الذكاء لدى الأطفال، ذلك أن القرآن الكريم دعوة للتفكر والعقل والتدبر، والابتكار والذكاء.

هذا ما توصلت إليه دراسة حديثة للدكتور إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي أستاذ علم النفس بجامعة حلوان.

الدراسة تؤكد أن حفظ القرآن الكريم، وإدراك معانيه، ومعرفتها معرفة كاملة، يوصل الصغير إلى مرحلة متقدمة من الذكاء، وبدرجات مرتفعة، وقد اتضح أن غالبية كبار علماء المسلمين وأدبائهم كانوا يحفظون القرآن الكريم منذ الصغر.

وتشير الدراسة إلى أن القران الكريم يدعونا إلى التأمل والتفكر بدءًا من خلق السماوات والأرض، وحتى خلق الإنسان، وما حولنا من أشياء، ليزداد إيماننا، ويمتزج العلم بالعمل).

وهذه دراسة أخرى عن تأثير القرآن الكريم على الأطفال، تقول صاحبة الدراسة: (هي دراسة فريدة ومثيرة وطريفة في خطواتها ونتائجها كانت نتائج هذه الدراسة كما يلي: كانت الرضاعة الطبيعية من أكثر عونًا للأم على بدأ توجيهها الإسلامي.. كان النوم تاليًا للرضاعة بالترتيب من حيث أهميته في عملية الاتصال بين الأم والحضين.. كان كلما علا صوت الطفل بالبكاء علا صوت الأم بتلاوة القرآن ومع قراءة الآيات يصمت الطفل فجأة وينصت متأملًا كأنه يسمع ثم يهدأ وينام نومًا عميقًا..

ثم بعد سنة ونصف بدأ الطفل في الكلام فعُلم بعض الأدعية البسيطة وكلمات مثل الله أكبر..الحمد لله.. لا إله إلا الله.. صلى الله عليه وآله وسلم..

تقول: كانت البنات أسرع استجابة وتكلمن مبكرًا وحفظن أجزاء من القرآن في عمر سنتين وسنتين ونصف (في هذا العمر لا يتكلم الطفل جيدًا ولكن مع هذا الترديد للقرآن أثناء الرضاعة كان الطفل يرضع القرآن، هكذا يكبر جسمه بالقرآن ينطلق فكره بالقرآن).. وكان الحضين يتابع أمه وهي تقرأ القرآن ويكف عن الرضاعة فترة ثم ينظر إلى أمه ويتابعها ثم يواصل رضاعته في سرور..

ومن هنا فالرضاعة موقف كلي متكامل حيث تعطي الأم جرعات الحب والحنان والإيمان إلى جانب اللبن، وتعلم الطفل من خلالها كل سلوك طيب.. وهو موقف ينمي الانتماء والارتباط والطمأنينة.

وهذه نتائج طيبة للغاية تؤكد أهمية دور الأم وارتباطها بالطفل وأهمية تدريبها وأهمية توجيهها لطفلها إسلاميًّا.

ثم أبرزت النتائج التدريب الذي حدث للسمع والبصر والفؤاد واللسان إسلاميًّا ومن ثم كان القرآن والسنة محور حياة الطفل والأم.

وجرت هذه التجربة على ثمانين طفل فحفظ 60 منهم القرآن عند بلوغ سن خمس سنين، وهذا يعرفك على أهمية دور الأم ودور المعتقد في إخراج الجيل المسلم) [لغة الطفل، رسمية علي خليل، ص (25)].

قضية للنقاش: الذرية:

يتزوج الزوج والزوجة ويداعب مخيلتهم اليوم الذي يرى في كل منهم ذرية طيبة من نسلة تملأ عليه الحياة وتكون قرة عين له، وهي في الحقيقة ـ أي الذرية ـ لا تكون قرة عين إلا إذا تعهدتها الأسرة بالرعاية الكاملة وتحملت مسئوليتها تجاهها، فالأسرة (هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الفارخ الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظله تتلقى مشاعر الحب والرحمة، وتطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هدية ونوره تتفتح للحياة، وتفسر الحياة، وتتعامل مع الحياة، والطفل الإنساني، هو أطول الأحياء طفولة، تمتد طفولته أكثر من أي طفل آخر للأحياء الأخرى.

ذلك أن مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتهيؤ وتدريب للدور المطلوب من كل حي باقي حياته.. ولمّا كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة، ودوره في الأرض هو أضخم دور؛ امتدت طفولته فترة أطول، ليحسن إعدادة وتدريبه للسمتقبل..

ومن ثم كانت حاجته لملازمة أبويه أشد من حاجة أي طفل من أي كائن حي آخر، وكانت الأسرة المستقرة الهادئة ألزم للنظام الإنساني، وألصق بفطرة الإنسان وتكوينه ودوره في هذه الحياة)
أم عبد الرحمن محمد يوسف

المصادر:
· لغة الطفل، رسمية علي خليل.