"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (45)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى: (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ)
الجيد هو العنق.
والمسد هو الحبل المفتول.
قال الزمخشري: "الذي فتل من الحبال فتلاً شديداً، من ليف كان أو جلد، أو غيرهما. ورجل ممسود الخلق مجدوله".

وقيل: إن المراد بالمسد ليف من شجر باليمن يقال له مسد. (ذكره ابن جرير*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن عاشور*)

قال ابن عاشور: "شديد، والحبال التي تفتل منه تكون قوية وصلبة".

فعلى القول الثاني المراد حبل معين من ليف يسمى مسد.
وعلى القول الأول: المراد حبل ممسود أي: مفتول فتلاً شديداً, ويبدو أن هذا هو الأرجح, ولعل ذلك الليف الذي من شجر باليمن سمي بالمسد لأنه يمسد ويفتل والله أعلم.

والقول الأقرب في الآية والله أعلم أن هذا في الدنيا وليس يوم القيامة, والمراد التحقير لها والتعيير بأنها تحمل الحطب وتربطه في جيدها.
فلم يذكر الله تعالى أن هذا الحبل الذي في جيدها يكون في النار أو من النار أو غير ذلك, إنما قال: (في جيدها حبل من مسد).

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين في الآية.
اختلف المفسرون في المعنى المراد من قوله: (في جيدها حبل من مسد) على قولين:
القول الأول: أن ذلك يكون يوم القيامة.

وقد اختلف أصحاب هذا القول في كيفية ذلك.
فقيل: يكون في عنقها في النار حبل من نار.
وقيل: سلسة من حديد في النار.
(ذكر الاحتمالين ابن جرير*, والبغوي*, والقرطبي*, وابن كثير*)
(وذكر الماتريدي* الاحتمال الثاني فقط وهو أن المراد بالحبل السلسلة)
وقال ابن كثير: "قال مجاهد: أي: طوق من حديد، ألا ترى أن العرب يسمون البَكْرة مَسَدًا".

وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: أن حالها تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك، فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار، وفي جيدها حبل من ما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه. (ذكره الزمخشري*, والرازي*)

وقيل: يجعل لها حبل في عنقها تحمل فيه الحطب في جهنم لإسعار النار على زوجها (ذكره ابن كثير*, وابن عاشور)

قال ابن كثير*: "ولهذا قال: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} يعني: تحمل الحطب فتلقي على زوجها".

وقال ابن عاشور*: "وذلك إخبار بما تعامل به في الآخرة، أي يجعل لها حبل في عنقها تحمل فيه الحطب في جهنم لإسعار النار على زوجها جزاء مماثلاً لعملها في الدنيا الذي أغضب الله تعالى عليها".

وقال أيضاً: "قدم الخبر من قوله: {فِي جِيدِهَا} للاهتمام بوصف تلك الحالة الفضيعة التي عوضت فيها بحبل في جيدها عن العقد الذي كانت تحلي به جيدها في الدنيا فتربط بها إذا كانت هي وزوجها من أهل الثراء وسادة أهل البطحاء".

القول الثاني: أن هذا في الدنيا وليس يوم القيامة.
والمراد التحقير لها والتعيير بأنها تحمل الحطب وتربطه في جيدها. (ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, والرازي*)

ولعل هذا القول هو الأقرب, وهو القول بأنه في الدنيا وليس يوم القيامة, فلم يذكر الله تعالى أن هذا الحبل الذي في جيدها يكون في النار أو من النار أو غير ذلك, إنما قال: (في جيدها حبل من مسد) والله تعالى أعلم.

قال الزمخشري: "المعنى: في جيدها حبل مما مسد من الحبال، وأنها تحمل تلك الحزمة من الشوك وتربطها في جيدها كما يفعل الحطابون, تخسيساً لحالها وتحقيراً لها، وتصويراً لها بصورة بعض الحطابات من المواهن, لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها، وهما في بيت العز والشرف. وفي منصب الثروة والجدة".

قال الضحاك: حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به. (ذكره ابن جرير*, والقرطبي*)
والله تعالى أعلم.
للاطلاع على مقدمة سلسلة (النوال)
انظر هنا
https://majles.alukah.net/t188624/