بسم الله الرحمن الرحيم.
* التحميد في الركوع والسجود *
الحمد لله رب وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فهل ثبت زيادة : ((وبحمده))، في دعاء الركوع والسجود المشهور: ((سبحان ربي العظيم - الأعلى)) وهو حديث صحيح قد رواه الخمسة، أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن حذيفة ، وجاء في هذا المعنى أحاديث عن غيره من صحابة رسول الله .. فما حكم ذلك؟
وقفت على بعض الأسانيد لهذه الزيادة، ومنها:
- ما رواه أبو داود في سننه قال: (حدثنا أحمد بن يونس حدثنا الليث يعني ابن سعد عن أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب عن رجل من قومه عن عقبة بن عامر)، وعقَّبها بقوله: ((وهذه الزيادة نخاف ألا تكون محفوظة)).
- ورواه الدارقطني في سننه بإسنادين، الأول: في حديث حذيفة بإثبات هذه الزيادة، والأصل في حديث حذيفة أنه بدون هذه الزيادة، وهو صحيح بدونها، والكلام على صحة هذه الزيادة فيه.
قال رحمه الله: (حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز إملاء حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان حدثنا حفص بن غياث عن محمد بن أبى ليلى عن الشعبى عن صلة عن حذيفة...) فذكره. قال ابن حجر في تلخيص الحبير: ((ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى : ضعيف، وقد رواه النسائي من طريق المستورد بن الأحنف عن صلة عن حذيفة وليس فيه وبحمده)). وابن أبي ليلى هذا قال عنه ابن حبان في المجروحين: ((كان ردئ الحفظ كثير الوهم فاحش الخطأ، يروى الشيء على التوهم، ويحدث على الحسبان فكثر المناكير في روايته فاستحق الترك. تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين... وساق بإسناده إلى شعبة قال: ما رأيت أحدا أسوأ حفظاً من ابن أبى ليلى)).
- والثاني –عند الدارقطني- عن عبدالله بن مسعود : (حدثنا محمد بن جعفر بن رميس حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسى حدثنا أبو يحيى الحمانى عبد الحميد بن عبد الرحمن حدثنا السرى بن إسماعيل عن الشعبى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: ((من السنة أن يقول الرجل...))، قال ابن حجر في التلخيص: ((وفيه السري بن إسماعيل ، عن الشعبي عن مسروق عنه ، والسري ضعيف، وقد اختلف فيه على الشعبي ، فرواه الدارقطني أيضا من حديث محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي عن صلة عن حذيفة ...))، والسري هذا: قال عنه ابن حبان في المجروحين: ((السري بن إسماعيل ... يروى عن الشعبى ...، كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، قال يحيى القطان: استبان لى كذبه في مجلس واحد، وكان يحيى بن معين شديد الحمل عليه...))، قال ابن حجر في التقريب: ((وهو متروك الحديث)).
- قال ابن حجر أيضاً في التلخيص: ((ورواه الحاكم من حديث أبي جحيفة في تاريخ نيسابور وهي فيه ، وإسناده ضعيف)).
- قال ابن حجر في التلخيص أيضاً: ((ورواه الطبراني وأحمد من حديث أبي مالك الأشعري وهي فيه)) وقد رووها باختلاف يسير بلفظ: ((سبحان الله وبحمده))، رواها الإمام أحمد في مسنده عن أبي مالك الأشعري قال: (ثنا أبو النضر ثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاري عن شهر بن حوشب ثنا عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري جمع قومه -ليعلمهم الصلاة- ...ثم كبر فركع فقال: ((سبحان الله وبحمده ثلاث مرار)).
- ورواها الطبراني في الكبير قال: (حدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي ، حدثنا محمد بن مسكين اليمامي ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي مالك الأشعري ...)) فساقه.
قال الشوكاني: ((وفي حديث أبي مالك –عند أحمد والطبراني- : شهر بن حوشب))، وهو ضعيف. قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: ((صدوق كثير الإرسال والأوهام من الثالثة)). وقال عنه ابن حبان في المجروحين: (( كان ممن يروى عن الثقات المعضلات وعن الاثبات المقلوبات)) ونقل تضعيف ابن عون ويحيى بن سعيد القطان. وضعف الأرنؤوط إسناد أحمد لأجل شهر بن حوشب.
- فهل تعتضد هذه الأسانيد الضعيفة؟ وهل يعضد بعضها بعضاً؟ أم أن ضعفها من الضعف الذي لا ينجبر؟
- ورواها عبدالرزاق في مصنفه –باختلاف يسير في لفظها- قال: (عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال : كنت أنام في حجرة النبي ، فكنت أسمعه إذا قام من الليل يصلي ، يقول : الحمد لله رب العالمين ، الهوى. ثم يقول : سبحان الله العظيم وبحمده ، الهوى. قلت له : ما الهوي؟ قال: يدعو ساعة)) وعنه: أحمد والطبراني (في الكبير) بدون تفسير (الهويّ). وصحح الأرنؤوط في تحقيق المسند: ((إسناده صحيح على شرط مسلم، صحابيه من رجاله، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين)). ولكن ليس في تصريح أن هذا الذكر يقوله في ركوعه أو سجوده.
فهل يقوي هذا الصحيح الذي ليس فيه تصريح ضعف الذي فيه تصريح؟ لأن هذا التسبيح محله في الركوع والسجود؟
= وقد أنكر هذه الزيادة بعض من أهل العلم، كابن الصلاح، كما نقل ابن حجر إنكاره، قال ابن حجر: ((وفي هذا جميعه –أي: هذه الطرق ونحوها- رد لإنكار ابن الصلاح وغيره هذه الزيادة)). قال ابن قدامة في المغني: ((وروي عن أحمد ، أنه قال: أما أنا فلا أقول: وبحمده. وحكى ذلك ابن المنذر عن الشافعي وأصحاب الرأي)) ا.هـ. قال الشوكاني في نيل الأوطار معلقاً على كلام أحمد رحمه الله: ((ووجه ذلك: أن الرواية بدون هذه الزيادة أشهر وأكثر، وهذه الزيادة قال أبو داود: نخاف أن لا تكون محفوظة.
وقيل: هذه الزيادة من رواية ابن أبي ليلى.
فيحتمل أن أحمد تركها لضعف ابن أبي ليلى عنده)) ا.هـ
((وزيادة: (( وبحمده )) في السجود والركوع مع قوله: ((سبحان ربي العظيم -أو الأعلى- وبحمده)) غير محفوظة، أعلها أبو داود وغيره)).
= لكن ابن حجر رحمه الله في التلخيص حاول تقوية هذه الزيادة بقوله: ((قلت: وأصل هذه في الصحيح عن عائشة قالت: ((كان رسول الله يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك)) الحديث. ا.هـ فهل تعتضد هذه الرواية الضعيفة بتلك التي أخرجها الشيخان؟
وما رواه الشيخان: عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ آخر عندهما: ((كان يكثر أن يقول...))، وله ألفاظ أخر.
- أو هل لهذه الزيادة من إسناد صحيح صريح؟
الله أعلم بالصواب.