تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: من أين يبدأ الإصلاح

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي من أين يبدأ الإصلاح

    من أين يبدأ الإصلاح (1)



    محمود عبد الحميد
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
    يكثر الحديث في هذه الأيام عن واجبات المسلمين، والحقيقة أن واقع المسلمين الراهن هو أسوأ واقع والانهيار المستمر في حياتهم يهدد وجودهم نفسه، ولكن أين يمكن أن يقف الانهيار ويبدأ التحول؟
    جوابنا الحاسم....!
    في أنفسنا...
    يجب أن يقف في أنفسنا الانهيار وأن يبدأ في أنفسنا التحول.... فإذا تحولنا إلى مسلمين حقيقيين كما يريد الإسلام تحول بنا مجتمعنا، وتحول بنا المسلمون في كل مكان وتحول بنا العالم. أما إذا لم نتحول نحن التحول المطلوب فلا يمكن أن نحول مجتمعنا وأمتنا وعالمنا مهما تكلمنا وصحنا وكتبنا، بل أن كلامنا وكتابتنا لتستحيل إلى ضرب من العبث والنفاق والخداع.
    لقد كان عماد التحول العظيم الذي تم في الإسلام في تاريخ البشر أيام رسول الله ـصلى الله عليه وسلم-، أمرين:
    1- الرسالة.
    2- ومن حملوا الرسالة.
    أما الرسالة فهي باقية بيننا في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد تكفل الله لها بالحفظ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(ال حجر:9)، إنما تغير من حملوا الرسالة أو لم يعد لها من يأخذها بقوة ويحملها بإخلاص، ما وجد إلا القليل فتغيرت بنا الحال وصرنا إلى هذا الضعف والهوان والبلاء.
    إذاً لن يتغير وضعنا ولن يحدث التغير الجذري الحقيقي المنشود في حياتنا ولن نأخذ مكاننا في قيادة العالم؛ إلا أن نصعد بأنفسنا إلى مستوى من حملوا الرسالة أول مرة، إلى مستوى الصحابة الكرام إيماناً وصدقاً وعلماً ووعياً وجهاداً وتضحية؛ وإلا أن يكون لنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة وعندها يقع التحول.
    "
    يجب أن نجسم في حياتنا لا في كلامنا فقط الإسلام
    "
    يجب أن نجسم في حياتنا لا في كلامنا فقط الإسلام، وأن نرتفع إلى مستواه، لا أن نتحدث عنه في سمائه العالية في أرضنا المنخفضة وواقعنا المنحط، نتمرغ في الوصول، لا بد لنا أن نحقق في أنفسنا وفي مجتمعاتنا الصغيرة منذ الآن كل ما نريد أن نحققه في حياة المسلمين في المستقبل إن كنا صادقين، إن الفرد منا قد لا يملك أمر سواه، ولكنه يملك أمر نفسه فلماذا لا يبدأ بها؟ ولماذا لا يحقق فيها ما يدعو إلى تحقيقه في الناس؟!
    إن الجماعة منا قد لا تملك أمر سواها، ولكنها تملك أمر نفسها فلماذا لا تبدأ بها؟ يجب أن يزول من حياتنا هذا الانفصام وهذا التناقض الرهيب المزري الذي يرفضه الإسلام، ويعود الاقتران بين القول والعمل من جديد (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)(الب قرة:44)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُون مَا لاَ تَفْعَلُونَ)(الص ف:2)، وقال شعيب -عليه الصلاة والسلام-: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)(هود:88)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه) متفق عليه.
    "
    قلّ بيننا من يعيش الإسلام ويعيش للإسلام
    "
    أيها الأخوة لقد وجد بيننا من يجيد التحدث عن الإسلام، ولكن قلّ بيننا من يعيش الإسلام ويعيش للإسلام ومن هنا كان المظهر أكبر كثيراً من الحقيقة، وكانت خيبات الأمل في كثير من المسلمين وكان المتحدثين عن الإسلام أدوات للاستغلال والتضليل.
    يجب أيها الإخوة أن يعود الاقتران بين القول والعمل وأن نبدأ بأنفسنا وأن نكون كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر بخير إلا كان أول من يأتي به ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، فهذا هو الطريق. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)(ا لمائدة:54-56).
    وأما نقاط التحول فنتعرض لها المرة القادمة -إن شاء الله-.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أين يبدأ الإصلاح

    من أين يبدأ الإصلاح (2)



    محمود عبد الحميد

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،


    فإننا في المقال الأول كنا نتحدث عن من أين يبدأ الإصلاح؟ وقلنا إن الإصلاح يبدأ من أنفسنا، وأن القارئ لتاريخ أهل الإسلام يعلم أن الإصلاح في أول هذه الأمة مضى على أمرين:
    الأمر الأول: الرسالة التي جاء بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
    الأمر الثاني: حملة هذه الرسالة الذين حملوها بصدق، وأدوها بأمانة.
    فلكي نعيد مجد أمتنا وعزة أجدادنا، ونفوز في الدارين -الدنيا والآخرة-، ونحقق مراد الله منا؛ لابد من تطبيق المنهج الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسار عليه حتى لقي ربه، وحمله من بعده رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلم يبدلوا، ولم يتوانوا، بل حملوا هذه الرسالة بصدق، وأدوها بأمانة، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحقيق هذا المنهج السوي المستقيم على ظهر هذه الأرض ليحققوا وعد الله -تعالى-:
    (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(التوبة:33)، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلا ًيذل به الكفر) رواه أحمد، وصححه الألباني.
    لكن هذا الأمر لن يكون حتى يعود الناس إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عهد الخلافة الراشدة كما قال مالك -رحمه الله-: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما لم يكن يومئذ دينًا فليس اليوم دينًا".
    وإنما صلح أول هذه الأمة بكتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، على أن مجد هذه الأمة لن يعود إلا مع خلافة راشدة على منهاج النبوة، وذلك فيما رواه الإمام أحمد -رحمه الله- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكًا عاضًا، فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا أن يرفعها، ثم يكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت) رواه أحمد وحسنه الألباني.
    أي أن آخر الأمر للمسلمين؛ بشرط أن يكون أمرهم على منهاج النبوة، ولن يكون هذا إلا إذا تحققت أسبابه التي ربط الله بها النصر والتمكين في الأرض، والنعيم في الآخرة، كما قال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور:55)، فهذا تمكين مرتب على شروط الإيمان والعمل الصالح وتحقيق التوحيد، ونبذ الشرك والوثنية.
    وقال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُ مْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين وَلَنُسْكِنَنَّ كُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)(إبراهيم:13)، فوعدهم الله -تعالى- بهلاك الظالمين، وتمكينهم في الأرض بشرط خوفهم من الله، ومن خاف من شيء اتقاه، فتحقيق التقوى والخوف يدفع إلى العمل الصالح المنجي من المخوفات التي جعلها الله في الآخرة.
    فعلى هذا نقول أن هناك أسباب لابد منها لتحقيق الإصلاح، نذكرها في حلقات قادمة -إن شاء الله تعالى-.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أين يبدأ الإصلاح

    من أين يبدأ الإصلاح (3)



    محمود عبد الحميد

    العلم



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    ذكرنا في الحلقتين الماضيتين الإصلاح ومنهجه، بإعادة الأمة إلى رسالتها، وبتأهيل حملة هذه الرسالة لحملها، ولكي يتم ذلك لابد من وسائل، أولها العلم، فالعلم يقوم به الدين، ويتحقق به منهج سيد المرسلين، ويرتفع به شأن الآخرين، كما ارتفع به شأن الأولين، فالعلم حياة القلوب من الجهل، ومصباح البصائر في الظلم، به تبلغ منازل الأبرار ودرجات الأخيار.

    قال الشافعي -رحمه الله-: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم".

    وقال الزهري: "ما عُبِد الله بمثل الفقه".

    وعن سعيد بن المسيب قال: "ليست عبادة الله بالصوم والصلاة، ولكن بالفقه في دينه"، يعني ليست أعظمها وأفضلها الصوم والصلاة، بل الفقه، لأن الصوم والصلاة يحتاجان إلى فقه أيضاً.

    وقال الحسن البصري: "لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم"، أي أنهم بالتعليم يخرجون الناس من حد البهيمية إلى حد الإنسانية.

    وقال -صلى الله عليه وسلم-:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) متفق عليه.


    فالعلماء هم حماة الدين، وحراس العقيدة، وهم الذين يذبّون عن دين الله، وينبغي أن لا يخلو منهم زمان، وأن يكون في كل بلدة واحد منهم على الأقل، يرجع إليه الناس فيما ينزل بهم من الأمور التي تحتاج إلى أحكام، فالعلماء هم الذين يكيفون النوازل، ويضعون الحكم الشرعي المناسب لها، بناء على معرفتهم بمواطن القياس والعلل والحكم الموجودة في الشرع الحنيف والأشباه والنظائر.


    وعلى الأمة السعي الحثيث لإيجاد هذه الطائفة التي بها رقي الأمة، وسموها وعلوها، فالعلماء هم الأمن والأمان لسفينة الأمة، الذين يجنبونها الغرق في مهاوي الردى، فهم الذين يخلصون الدين مما علق به من شوائب البدع، ومحدثات الأمور، ويردون شبه الزنادقة والمجرمين.

    وحاجة الناس إليهم أكثر من حاجتهم إلى الماء والهواء لصحة الأبدان، لأن صحة الجنان لا تكون إلا بهم.

    ولحديثنا بقية بإذن الله -تعالى-.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أين يبدأ الإصلاح



    من أين يبدأ الإصلاح(4)

    التصفية والتربية









    كتبه/ محمود عبد الحميد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    ذكرنا في الحلقة السابقة السبب الأول من أسباب الإصلاح، وهو العلم. ونذكر في هذه الحلقة -بإذن الله- السببين الثاني والثالث، وهما التصفية والتربية.

    السبب الثاني: التصفية:

    ونعني بالتصفية تخليص الأحاديث النبوية مما علق بها من أحاديث ضعيفة وموضوعة، مما نسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يثبت عنه أنه قاله، أو فعله، أو أقره -صلى الله عليه وسلم-. وكذلك تصفية التفاسير من الإسرائيليات، والتأويلات الفاسدة، والاستدلالات الباطلة. وكذلك تصفية العبادات مما لحق بها من بدع ومحدثات لم ينزل الله بها من سلطان سواء كانت بدع مكفرة، أو مفسقة إضافية كانت أو أصلية.

    وكذلك تخليص العقائد مما علق بها من شركيات وخزعبلات، وذرائع مؤدية إلى الشرك.

    وكذلك تخليص قضايا الإيمان مما علق بها من أقوال المتكلمين والفلاسفة وأهل الإلحاد. وكذلك تصفية المعاملات من المعاملات الفاسدة التي وقعت فيها من جراء اختلاطها بالأمم الأخرى، واستحسان طريقة أهل الكفر في المعاملات، أو التشبه بهم.

    وكذلك تخليص الأخلاق مما علق بها من أخلاق فاسدة نشأت عن مجاورة غير المسلمين، ومشاركتهم في عاداتهم، والتشبه بهم وتقليدهم.

    ولا يكون هذا إلا ببيان المَعين الصافي الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي ينبغي أن ننهل منه، ولا يجوز لنا أن نقدم شيئاً بين يديه -صلى الله عليه وسلم-، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الحجرات:1).

    السبب الثالث: التربية:

    والتربية هي عملية بناء المسلم شيئاً فشيئاً حتى يصل إلى حد التمام، وهو الحد الذي يصل فيه إلى أن يكون متمسكًا بكتاب الله وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ويحاسب نفسه بنفسه، ويراقبها، ويتابع تربية نفسه.

    وهذه التربية ينبغي أن تكون وفق المعايير الشرعية. وهي التربية الإيمانية، والتربية العبادية، والتربية على الأخلاق الحسنة. كما جاء في نصيحة لقمان لابنه في قوله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ . وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ . وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ . يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ . وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ . وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(لقمان:13-19).


    هذه الآيات اشتملت على التربية الإيمانية، والتربية بالعبادة، والتربية على حسن الخلق.

    ولحديثنا بقية -بإذن الله تعالى-.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: من أين يبدأ الإصلاح



    من أين يبدأ الإصلاح(5)

    العمل والدعوة إلى الله









    كتبه/ محمود عبد الحميد


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    ذكرنا فيما مضى من أسباب الإصلاح العلم والتصفية والتربية، ونذكر في هذه الحلقة -إن شاء الله- العمل الصالح والدعوة إلى الله.

    السبب الرابع: العمل الصالح:

    ونقصد بالعمل الصالح فعل المأمور وترك المحظور، وذلك بالتقرب بالفرائض، وإتباعها بالنوافل، فإن القربات يرتفع بها معدل الإيمان ويزيد، ويجد الإنسان أثر ذلك على قلبه وجوارحه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) متفق عليه.

    وقال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) رواه البخاري.

    وقال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97).

    والعمل الصالح مكمل لبناء العقيدة، إذ العبادة تغذي بروحها. كما أنها المنعكس الذي يعكس صورة العقيدة ويجسمها. ولكي يظل العبد يغرس العقيدة في النفس فلا بد أن يسقيها بماء العبادة بمختلف صورها وأشكالها. فبذلك تنمو العقيدة في الفؤاد، وتترعرع وتثبت أمام عواصف الحياة وزعازعها.

    ولعبادة الله -تعالى- في نفس المرء فعلاً عجيبًا، فهي تشعره بالاتصال بالله -تعالى-، وتهدئ من ثوراته النفسية، وتلجم انفعالاته الغضبية فتجعله سويًا مستقيمًا.

    السبب الخامس: الدعوة إلى الله -تعالى-:

    الدعوة إلى الله -تعالى- هي القطب الأعظم في الدين، والأمر الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، لو طوي بساطها، وأهمل علمها وعملها لفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد، وهلك العباد، فنعوذ الله من أن يندرس من هذا القطب عمله وعلمه، أو ينمحي بالكلية رسمه وحقيقته، وأن تستولي على القلوب مداهنة الخلق، و ينمحي عنها مراقبة الخالق، وأن يسترسل الناس في إتباع الهوى والشهوات استرسال البهائم، وأن يعز على بساط الأرض مؤمن صادق لا تأخذه في الله لومة لائم، فلا معاذ إلا به، ولا ملجأ إلا إليه.


    فالله -سبحانه وتعالى- علق الفلاح في الدنيا والآخرة على أمر الدعوة إليه، قال -تعالى- (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(آل عمران:104).

    ولقد كان المسلمون في عهده -صلى الله عليه وسلم- يعظمون هذا الواجب، ويقومون به خير قيام. وفي عصرنا هذا صار الأمر أشد، والخطر أعظم لانتشار الشرور والفساد، وكثرة دعاة الباطل، وقلة دعاة الخير. وبتحقيق هذا الواجب تصلح الأمة، ويكثر فيها الخير، وتظهر فيها الفضائل، وتختفي منها الرذائل، ويتعاون أفرادها على الخير، ويتناصحون، ويجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير، ويذرون كل شر.

    وبالغفلة عنه تكون الكوارث العظمية والشرور الكثيرة، وتفترق الأمة، وتقسوا القلوب، أو تموت، وتظهر الرذائل، وتختفي الفضائل، ويهضم الحق، ويظهر صوت الباطل، وهذا أمر واقع في كل مكان ليس فيه دعوة إلى الله، كما أنه يعجل العقوبة من الله -تعالى- إذا ترك هذا الأمر، لأن للمعصية شؤم بين أصحابها، قال الله -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(النحل:112).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •