السؤال

توفيت أمّي فجأة منذ ثلاثة أشهر، أفكر في بعض الأحيان في أمّي، وأبدأ أشتاق إليها، وأشعر بألم فقدها، وفي بعض الأحيان يصبح الأمر محزنًا بعض الشيء، فهل هذه الأفكار من وسوسة الشيطان في أذني ليجعلني أشعر بالضيق عمدا؟ وفي أيّ حالة ينبغي أن أحاول صرف ذهني على الفور؟ أم إنّ هذه الأفكار ليست من وسوسة الشيطان، وبالتالي لا بأس عليّ أن أستمر في الحزن؟ أحد الأشياء التي كنت أفكر فيها هو كيف ستظهر أمي لي عندما نكون معا في الجنة، هل ستظهر كما كانت تفعل لي في الدنيا، أم بشكل مختلف؟ لأنّنا لن نكون جميعا في نفس العمر؟ من الواضح بالنسبة لي، أودّ أن تبدو كما هي هنا؟ تفكيري بدون أيّ بحث هو أنّ أعيننا سترى ما يجعلنا سعداء، لذا فإنّ الطريقة التي تظهر بها لي ستكون هي الطريقة التي تجعلني سعيدا، والطريقة التي تظهر بها لنفسها ستكون هي الطريقة التي تجعلها سعيدة، والطريقة التي تظهر بها لأبي ستكون الطريقة التي تجعله سعيدا، وما إلى ذلك.

الجواب

المحتوياتذات صلة


أسباب تعين على الصبر على المصائب
تكفل الله بسعادة أهل الجنة


الحمد لله.
أولاً:
أسباب تعين على الصبر على المصائب

الحزن على فقد الأحبة والأقارب، هو حزن فطر عليه الإنسان، لكن أرشد الله تعالى عباده إلى ما يخفف ألم هذا الحزن ويزيل ضرره، وهو ملازمة الصبر والرضا بقضاء الله تعالى، فلذا على المسلم أن يشغل قلبه بتحقيق الصبر والرضا، ومن ذلك ما قاله ابن القيم رحمه الله تعالى:
"والصبر على البلاء ينشأُ من أسباب عديدة:
أحدها: شهود جزائها وثوابها.
الثانى: شهود تكفيرها للسيئات ومحوها لها.
الثالث: شهود القدر السابق الجارى بها، وأنها مقدرة في أُم الكتاب قبل أن تخلق فلا بد منها، فجزعه لا يزيده إلا بلاء.
الرابع: شهوده حق الله عليه في تلك البلوى، وواجبه فيها الصبر بلا خلاف بين الأُمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين، فهو مأْمور بأداء حق الله وعبوديته عليه في تلك البلوى، فلا بد له منه وإلا تضاعفت عليه.
الخامس: شهود ترتبها عليه بذنبه، كما قال الله تعالى: (وَمَآ أصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيَكُمْ).
وهذا عام في كل مصيبة دقيقة وجليلة، فيشغله شهود هذا السبب بالاستغفار الذى هو أعظم الأسباب في دفع تلك المصيبة. قال على بن أبى طالب: "ما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع بلاءٌ إلا بتوبة".
السادس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها، وأن العبودية تقتضى رضاه بما رضى له به سيده ومولاه...
السابع: أن يعلم أن هذه المصيبة هي دواء نافع ساقه إليه الطبيب العليم بمصلحته الرحيم به، فليصبر على تجرّعه، ولا يتقيأْه بتسخطه وشكواه، فيذهب نفعه باطلا.
الثامن: أن يعلم أن في عُقبى هذا الدواءِ من الشفاءِ والعافية والصحة وزوال الأَلم ما لم يحصل بدونه، فإذا طالعت نفسه كراهة هذا الدواء ومرارته، فلينظر إلى عاقبته وحسن تأْثيره. قال الله تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُم، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
وقال الله تعالى: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)...
التاسع: أن يعلم أن المصيبة ما جاءَت لتهلكه وتقتله، وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه...
العاشر: أن يعلم أن الله يربي عبده على السراء والضراء، والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال. فإن العبد على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال...
فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر ." انتهى من "طريق الهجرتين" (2 / 600 - 604).
ويحسن الاطلاع على جواب السؤال رقم: (35869).
فاللائق بالمسلم أن يلتزم بما يحقق صبره، ويُعرض قدر المستطاع عما يهيج حزنه؛ ويتنبه إلى أن شدة الحزن على المصيبة لا ينفع العبد، بل يعيقه عن الاشتغال بالنافع من الأعمال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"وقد يقترن بالحزن ما يثاب صاحبه عليه ويحمد عليه، فيكون محمودا من تلك الجهة لا من جهة الحزن، كالحزين على مصيبة في دينه، وعلى مصائب المسلمين عموما؛ فهذا يثاب على ما في قلبه من حب الخير وبغض الشر وتوابع ذلك...
وأما إن أفضى إلى ضعف القلب، واشتغاله به عن فعل ما أمر الله ورسوله به كان مذموما عليه من تلك الجهة، وإن كان محمودا من جهة أخرى." انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/ 17).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه، أو منفيا.
فالنهي: كقوله تعالى : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا)، وقوله: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) في غير موضع، وقوله: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، والمنفي كقوله: (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
وسر ذلك: أن "الحزن" موقف غير مسير، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره، ويوقفه عن سلوكه، قال الله تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا).
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة: (أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث، لأن ذلك يحزنه).
فالحزن ليس بمطلوب، ولا مقصود، ولا فيه فائدة، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) فهو قرين الهم، والفرق بينهما: أن المكروه الذي يرد على القلب، إن كان لما يستقبل: أورثه الهم، وإن كان لما مضى: أورثه الحزن، وكلاهما مضعف للقلب عن السير، مفتر للعزم" انتهى من"مدارج السالكين" (2 / 1285 – 1286).
ثانيا:
تكفل الله بسعادة أهل الجنة

المسلم همه أن يدخل الجنة، فمجرد دخولها هو السعادة والنجاة.
قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/185.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
"وقوله: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ) أي: من جُنِّب النار ونجا منها، وأُدخل الجنة، فقد فاز كل الفوز.
... عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، اقرؤوا إن شئم: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ)... " انتهى من" تفسير ابن كثير" (2 / 178).
وليس همّ المسلم كيف يكون في الجنة؛ لأنه على يقين أن الله تكفل بسعادة أهل الجنة في الجنة، حيث جعلها دار السعادة لا يجد فيها المسلم إلا ما يشتهي.
كما في قول الله تعالى:(وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) فصلت/31.
وكقوله تعالى: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) ق/35.
وهي دار السلام لا حزن ولا حسرة فيها ولا ملل.
فاللائق بنا أن نجتهد في تحقيق سبيل دخول الجنة، والبحث عن الطرق التي ننفع بها من نحب ممن توفي وانقطع عمله.
أمّا البحث والتنقيب في دقائق مثل هذه المسائل – كيف ستكون هيئة الإنسان في الجنة ونحو ذلك - فهو أمر مجانب للصواب؛ لأن الجنة دار الحياة الكاملة، بخلاف الحياة الدنيا.
قال الله تعالى: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت/64.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه تعالى:
"وأما الدار الآخرة، فإنها دار (الْحَيَوَانُ) أي: الحياة الكاملة، التي من لوازمها، أن تكون أبدان أهلها في غاية القوة، وقواهم في غاية الشدة، لأنها أبدان وقوى خلقت للحياة، وأن يكون موجودا فيها كل ما تكمل به الحياة، وتتم به اللذات، من مفرحات القلوب، وشهوات الأبدان، من المآكل، والمشارب، والمناكح، وغير ذلك، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر." انتهى من"تفسير السعدي" (ص 635).
فلا يقيس المسلم ما يشتهيه في هذه الدنيا على ما سيشتهيه في الآخرة؛ للفرق الشاسع بين الحياتين والدارين.
فالتعمق في البحث في دقائق مثل هذه الأمور الغيبية لا ينفع بل قد يضرّ.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى:
"ومما يدخل في النهي عن التعمق والبحث عنه: أمور الغيب الخبريّة التي أمر بالإيمان بها، ولم يبين كيفيتها، وبعضها قد لا يكون له شاهد في هذا العالم المحسوس، فالبحث عن كيفية ذلك هو مما لا يعني، وهو مما ينهى عنه، وقد يوجب الحيرة والشك، ويرتقي إلى التكذيب." انتهى من"جامع العلوم والحكم" (2 / 172 – 173).
وينظر للفائدة الأجوبة التالية :
تشعر بحالة من الحزن والاكتئاب وتسأل عن الحل
هل هناك أي دعاء لإزالة الحزن؟
والله أعلم.


https://islamqa.info/ar/answers/3568...AA%D9%87%D8%A7