معنى الصبر لغة:
حبس النفس وكفُّها عن الجزع[1].
وفي الاصطلاح:
هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسهما عنه[2].
والصبر صفة أساسية للداعية؛ لأن طريق الدعوة ليس ممهَّدًا معبَّدًا، ولا مفروشًا بالورود والرياحين، بل هو في الغالب طريقٌ صعب ووعر، تملؤه الأشواكُ والعقبات؛ قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [لقمان: 17]، فلقد أعقب الأمر بالدعوة الأمرَ بالصبر، مما يدل على أن طريق الدعوة لا يمكن للمرء أن يقطعه إن لم يتذرَّع بالصبر[3].
يقول ابن كثير عند تفسير الآية: ﴿ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ [لقمان: 17]: "اعلم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذًى؛ فأمَرَه بالصبر"[4].
ولذلك أمر الله سبحانه نبيَّه بالصبر على ما يناله في طريق دعوته، فقال سبحانه: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 127]، قال ابن كثير: "تأكيد للأمر بالصبر، وإخبــار بأن ذلك إنما يُنال بمشيئة الله وإعانته، وحولِه وقوته"[5].
وقال سبـــحانه: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 97، 98] "أي وإنا لَنعلَمُ يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك انقباضٌ وضيق صدر، فلا يهيدنك[6] ذلك ولا يثنيك عن إبلاغ رسالتك"[7].
فالداعية مأمور بالصبر على ما يلاقيه في طريق دعوته؛ لأن "كل من قام بحقٍّ، أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر، فلا بد أن يؤذى، فما له دواءٌ إلا الصبر في الله، والاستعانة بالله، والرجوع إلى الله عز وجل"[8].
والدعاة كذلك مأمورون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، كما قال سبحانه: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، قال ابن كثير: "﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف ويَنهَوْنه عن المنكر"[9].
فالخلاصة أن صبر الداعية على أوامر الله وطاعته وعبادته يجعله من الأئمة الذين يَهدُون إلى الحق بأمر الله، ويَدْعون إلى الخير، كما قال سبحانه: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، قال ابن كثير: "أي لما كانوا صابرين على أوامر الله، وترك نواهيه وزواجره، وتصديق رسله، واتباعهم فيما جاؤوهم به، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله، ويَدْعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف ويَنهَوْنَ عن المنكر.... قال بعض العلماء: بالصبر واليقين، تُنال الإمامة في الدِّين"[10].
-------------
[1] مختار الصحاح، للرازي ص 345.
[2] المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني، تحقيق محمد سيد الكيلاني ص 273.
[3] انظر: صفات الداعية، لمحمد الصباغ ص 49، مرجع سابق.
[4] انظر تفسير القرآن العظيم 3/550.
[5] المرجع نفسه 2/732.
[6] أي لا يعدلك عن طريق الهدى والرشاد، المعجم الوسيط ص 979.
[7] انظر تفسير القرآن العظيم 2/691
[8] المرجع نفسه 1/533.
[9] المرجع نفسه 4/657.
[10] المرجع نفسه 3/571 - 573.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/146988/#ixzz6vJ7bKm4g