مِلْح التربية.. كيف يضبطه المربي؟
موقع مفكرة الإسلام


أهلاً بكم أعزائي المربين...
كثير من المربين يختزل عملية تربية الأبناء في إنزال العقوبة بهم إذا أخطئوا.. !
وقد نسمع أحدهم يشتكي ولده وأنه لا يطيعه ويعانده كثيراً، على الرغم من أنه يستخدم معه جميع أنواع العقاب.. !
إنّ هذا التصور يظلم الطفل كثيراً، ويجعل المناخ العام لعملية التربية شديد الكآبة من ناحية الابن الذي يتوقع دائماً العقاب، وكذلك المربي الذي يشعر بأنه غير ناجح تربوياً ويظل دائماً غير راضٍ عن ولده.. !
ولكي نحل هذا الإشكال نتذكر قوْل الإمام الشافعي وهو يضع قاعدة دقيقة للموازنة بين العلم والأدب: "اجعل علمك ملحاً وأدبك دقيقاً"
عزيزي المربي..
هذه القاعدة هي التي سنقيس عليها نسبة "العقاب" في عملية "التربية الناجحة"
فالتربية كلمة كبيرة ومهمة عظيمة وربانية، ولا يمكن أبداً أن تختزل في العقاب بأنواعه، فقبل أن نفكر في العقاب علينا أولاً أن نوفر للطفل أركان التربية الناجحة، وأهمها:
القدوة الصالحة المنضبطة الثابتة على القيم، والمدربة للطفل على تطبيقها عملياً.
المنهج التربوي الصحيح المستقى من تعاليم الدين الحنيف.
معرفة حقوق الطفل وأداؤها إليه، ومعرفة حاجاته وإشباعها.
التركيز على إشعار الطفل بالقبول والحب والتقدير لذاته.
.. وهل يعني ذلك إلغاء العقاب من القاموس التربوي.. ؟
بالطبع: لا؛ لابد من العقاب ولكن قليلا نادراً، كنسبة الملح إلى الدقيق
فمنذ البواكير الأولى لنضج الفرد الإنساني نفسياً وعقلياً يشعر بحاجته الماسة لسلطة موجهة له؛ لعدم قدرته على إدراك كثير من التصرفات الصحيحة إزاء مشاكل الحياة؛ لذلك فهو يطلب العون والإرشاد ممن هم أكثر منهم خبرة، وما أُتِىَ الأولاد في أخلاقهم وسلوكهم إلا من غياب أو تدني هذا الدور الضابط لسلطة الوالدين في أسرهم؛ فلا شيء يغني عن قيامهما بهذا الدور في حزم وانضباط؛ فليس من المقبول أن تكون السلطة الضابطة ضائعة وغائبة باسم العطف والحنان والشفقة، وأنهم صغار، ولا يعني ذلك أيضاً أن يمارس الوالدان هذا الدور بشكل مبالغ فيه، فتتحول إلى سلطة غاشمة قاهرة بدعوى تربية الأولاد على الجدية؛ فكلاهما مخطئ، والصواب هو الوسط بينهما. "شريف عبد العزيز: بناء مستقبل الأمة، ص: 65"
ومن أهم ادوار ومعاني هذه السلطة هو توجيه سلوك الأبناء من خلال الثواب والعقاب، وهذا هو الأصل أن الوالدين هما من يمنح المحسن الثواب ويكافئه، وينزل بالمخطئ العقاب المناسب لخطئه.
ولقد فطر الله - تعالى -النفس البشرية لا يصلحها سوى شريعة الجزاء بالثواب والعقاب، والطفل خامة بشرية قابلة للتشكيل بالفطرة، والشخص الذي يتولى رعايته في سنوات الطفولة هو الذي يكوّن سمات وخصائص شخصيته، كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- في الحديث: (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجّسانه)) رواه البخاري ومسلم-
والطفل الصغير لديه القدرة على فعل الصواب وفعل الخطأ، ولكنه قد لا يعرف الفرق بينهما، فيأتي أسلوب الثواب والعقاب في مقدمة الأساليب التربوية الهامة والأساسية في عملية التربية، وغايته تعليم الطفل الصواب من الخطأ، فيتحفز تجاه الصواب ويثبت عليه، ويمتنع عن تكرار الخطأ و ينزجر عنه.
وحتى لو اضطر الوالدان لعقوبة الابن، فهناك ضوابط:
1ـ إذا كان الخطأ جماعي، فلا توقع العقاب على طفل واحد وتترك بقية المخطئين، فهذا يهز في نفوسهم معاني العدالة والمساواة.
- لا تقرر عقاباً على الطفل وهو بريء:
وهذا يتطلب منا الحذر ومراعاة التيقن من أن الخطأ قد صدر من الطفل وليس من الآخرين؛ فكثيرٌ من الأطفال يلجئون إلى الكذب الدفاعي أو الانتقامي، وقد يقدم الواحد منهم قصصاً مقنعة فتتحول العقوبة إلى غيره بسببه؛ لأنه أسنّ وأقوى حجة، وبعد أن يعاقب الطفل البريء يجلس يجتر مشاعر الظلم والقهر، ولهذا عواقب وخيمة على نفسه ومستقبله، وحينئذ فإن أبسط حق لهذا المظلوم أن نعتذر له ونطيّب خاطره، لنزيل عنه آثار الظلم، ونعلمه خلق الاعتراف بالخطأ.
- لا تعاقب الطفل على ما صدر منه على سبيل الخطأ أو النسيان أو الإكراه:
إنّ الله - تعالى -برحمته ولطفه بعباده قد تجاوز عنهم في الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، فقد ورد عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) - رواه ابن ماجة رقم: 2043-، وهذه المواقف كثيراً ما تقع للأبناء كأن ينسى أحدهم ما كلفناه به، أو أن تطيش يده عفواً فينسكب الطعام على الأرض، أو يسرع ليناول أمه إناءاً يعجز عن حمله فينسكب ما فيه، فالله - تعالى -عفا عن الكبار المكلفين في مثل هذه الحالات، فكيف بالأطفال الصغار الذين لم يبلغوا سن التكليف بعد؟
- لا تعاقب الطفل على خطأ سبب له ألماً:
لأن هذه الآلام في حدّ ذاتها كانت وسيلة تأديب بالنسبة له، فحسبه إذن ما ناله من ألم، ولا داعي لتوبيخه في هذه الحالة، فغن ذلك يزيده ألماً، خاصةً إذا خسر شيئاً شخصياً كتعطل لعبته مثلاً، أو إصابته بجرح أو لسعة من إناء ساخن، لكن لا مانع أن نشرح له أن سبب ذلك هو عدم التزامه بتعليماتنا أو عدم اكتراثه بتحذيراتنا، وأن عليه أن يتحمل نتيجة عمله، فإذا كانت آلامه كبيرة أجلنا ذلك الشرح ريثما يهدأ ويتحسن.
- لا تعاقب طفلك لكونه كثير الحركة:
إنّ كثرة الحركة والنشاط من خصائص مرحلة الطفولة، وهو دليل على سلامة الطفل ونموه بشكل طبيعي، فليس من العدل أن نعاقبه على ذلك، أو أن نقيد حركته، لكن لا مانع من إرشاده وضبط سلوكه.
- لا نعاقب الطفل إذا كان يعانى من مشكلات خارجة عن إرادته:
مثل الاضطرابات النفسية، كالخوف أو الغيرة، أو كانت قدراته العقلية دون المتوسط فأدت إلى انخفاض مستواه الدراسي، لأن العقاب في هذه الحالة يزيد المشكلة تعقيداً، وقد يفرز مشكلات نفسية أخرى!
- لا تعاقب الطفل إن اعترف بخطئه:
وإلا فإن الإصرار على معاقبته رغم اعترافه سيدفعه إلى عدم الاعتراف بأي خطأ في المستقبل.
- ليكن العقاب على قدر الخطأ:
فلا نوقع العقاب الصارم على الخطأ البسيط، كما لا يصح إهمال العقاب على خطأ جسيم.
- تجنب العقاب إذا صدر منه الخطأ لأول مرة:
لأن الطفل الصغير لا يستطيع أن يعرف الآثار التي تترتب على فعله، وذلك لقلة خبرته، فلا نعاقبه إلا بعد تكرار الخطأ وعلينا محاولة إصلاحه بأساليب الثواب، ثم بأساليب العقاب، مع إرشاده للصواب والسلوك البديل.
ولا يفوتنا عزيزي المربي أن نذكرك أيضاً بتجنب معاقبة الطفل إلا بعد أن نسدي له النُّصح والتوجيه بشأنه، وأن نتغاضى عن الهفوات الصغيرة، و أن يكون العقاب بعيدًا عن إخوته والنَّاس؛ لأنَّ فيه إهانة له.
ولنعتمد أسلوب التقليل من العقوبات البدَنيَّة قدر المستطاع، في مقابل العقوبات النفسية مثل العبوس أو الانقباض أو الخصام.
على أن يتبادل الأبُ مع الأم أدوارَ العقاب؛ حتى لا يتولَّد لدى الولد شعورٌ بعدم الارتياح لأحد الوالدين.
وأخيراً..
نتذكر أن الطفل يعيش دوماً تحت سلطة الكبار، لذا فهو يولي اهتماماَ كبيراً لقضية العدل في معاملة الكبار له، ولذلك فعندما تعاقبه عزيزي الأب- فعاقبه بدون إهانة، وعاقب واحتفظ له بالاحترام والمحبة، وعندئذ ستصله الرسالة الصحيحة من وراء العقاب العادل.. "لا يليق أن يصدر منك هذا الخطأ..!"
ـــــــــــــــ ـ ـــــــــــــــ ـ ـــــــــــــــ ـ ـــــــــــــــ ـ ـــــــــــــــ ـ ـــــــــــــــ ـ ـــــــــــــــ ـ ـــــــــــــــ ـ
المراجع:
- موسوعة التربية العملية:أ. هداية الله أحمد الشاش
- العشرة الطيبة مع الأولاد: أ. محمد حسين
- بناء مستقبل الأمة: شريف عبد العزيز