الأولاد.. نعمة وهبة ربانية

سليمان العربيد






إن من أعظم نعم الله -تعالى- على الإنسان في هذه الحياة الدنيا نعمة الأولاد، فهم نعمة إلهية وهبة ربانية، يختص الله -تعالى- بها من يشاء من عباده، ويمنعها عمن يشاء، قال الله -تبارك وتعالى-: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير}، فهم زينة الحياة الدنيا وزهرتها، يسر الفؤاد لمشاهدتهم، وتقر العين برؤيتهم، وتبتهج النفس لمحادثتهم، قال الله -تبارك وتعالى-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

حال العرب في الجاهلية

ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا يميزون بين الأولاد، فيفضلون البنين على البنات، فكانوا لا يحبون البنات، ويترقبون البنين للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وحروبهم، أما البنت فكانوا يكرهونها، ويتشاءمون لقدومها خشية العار، بل يقدم بعضهم على قتلها ووأدها بسبب ذلك، كما قال -تعالى-: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ}، وقال أيضا: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}.

الإسلام والمرأة

ولما بعث الله نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - بهذا الدين القويم، حرم هذه الفعلة الشنعاء، وهي وأد البنات وكراهيتهن، وورد في الصحيحين البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ الله حرّم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال»، ففي رواية جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم - قال: «مَن كان له ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّةُ ألبتةَ، قيل يا رسولَ اللهِ: فإن كانتا اثنتينِ؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة» (رواه أحمد وصححه الألباني).

تأكيد حق البنات

وهذه النصوص الشرعية والأحاديث النبوية تأكيد من النبي - صلى الله عليه وسلم - على حق البنات على آبائهن أو من يقوم على رعايتهن؛ وذلك لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بالمصالح لأنفسهن، وليست القضية طعاما وشرابا ولباسا وتزويجا فقط، بل أدبا ورحمة وحسن تربية وتعويدا على الخلق الكريم، والأمر بالخير، والنهي عن الشر، فالبنات أمانة في أعناق أولياء أمورهن، فقد جاء عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

أخطاء يقع فيها الآباء

وإن من الخطأ ما يظنه بعضهم أن من الحرية أن يترك الرجل ابنته تذهب حيث تشاء، وتخرج متى تشاء، وتدخل إلى البيت حين تشاء، بزعم أنه يثق فيها، وفي أفعالها، وينسى أننا في زمن الفتن والماديات وكثرة المغريات والمتربصين، ومن الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها بعض الآباء، ويسببون بها مشكلات نفسية واجتماعية التأخر والتعنت في تزويج البنات.

ومما ينبغي على الآباء أن يكثروا من الدعاء لأبنائهم وبناتهم بالهداية والصلاح فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن دعوة الوالدين لأبنائهم مستجابة.