خير الناس أنفعهم للناس

د.أحمد الجسار






قال الإمام النووي -رحمه الله- في كتابه رياض الصالحين: (بابُ قضاء حوائج المسلمين)، وذكر فيه الوصيةَ العامةَ من ربنا -عز وجل-، وهي قولُه -تعالى-: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج 77)، ذلك أن نفعَ الناسِ وقضاءَ حاجاتِهم هي من أفضلِ القرباتِ إلى الله، فالله يحب المحسنين إلى خلقه، كما قال -تعالى-: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة 195).

النفع المتعدي إلى الآخرين

إن النفع المتعدي إلى الآخرين هو من أحب أعمال الناس إلى ربهم. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وخيرُهُمْ أنفعُهُمْ لِلنَّاسِ» (رواه الطبراني - صحيح الجامع 6662)، وكلما كان العملُ للآخر أنفع، كانت درجته عند الله أرفع، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه، فالجزاء من جنس العمل، فإذا أردت التيسير في دنياك وآخرتك، فيسر على الناس، وإذا أردت السَّترَ من الله فاستر عباد الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من يسّرَ على مُعْسِرٍ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ، ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه» (رواه مسلم).



فضلَ المشيِ في حاجة الناس

وانظر كيف بَيَّنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فضلَ المشيِ في حاجة الناس، قال -صلى الله عليه وسلم -: «ولَأَنْ أمْشِيَ مع أخِي المسلمِ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكِفَ في المسجدِ شهْرًا». (رواه الطبراني - صحيح الجامع 176)، ولذلك كان أنفعُ المسلمين لغيره أقربَهم منزلة عند الله، ونفعُه المتعدي أحبَّ الأعمال إلى الله -جل جلاله-: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفعُهُمْ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ، أو تَكشِفُ عنهُ كُربةً، أو تَقضِيَ عنهُ دَيْنًا، أو تَطرُدَ عنهُ جُوعًا» (رواه الطبراني - صحيح الجامع 176).

أعن غيرك بما أنعم الله عليك

فأعن غيرك بما أنعم الله عليك: بجهدك، بعلمك، بمالك، بشفاعتك، بأي شيء نافع، ولو أن تدخلَ السرورَ عليه بابتسامة. ولا تحقرن من المعروف شيئا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (رواه مسلم). ومهما كان المعروف قليلا فإنه ينفع صاحبه إذا كان خالصا لوجه الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» (متفق عليه). وقال - صلى الله عليه وسلم -: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» (متفق عليه). فانفع غيرَك، ولا تحقرن من المعروف شيئا، وابذل الخير للآخرين.

الأجر على قدر الحاجة

وكلما كان المحتاجُ أحوج، كان الجزاءُ أفضل بإذن الله، كأن يكون المحتاجُ مسكينًا، وضاقت به السبل، أو امرأةً فقدت معيلها فأعيتها الحيلة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الساعي على الأرملةِ والمسكينِ كالمجاهدِ في سبيلِ اللهِ، أو القائمِ الليلَ الصائمِ النهارَ» (متفق عليه). فكن في حاجة أخيك، يكن اللهُ في حاجتك.

ليكن لك من هذا الخير نصيبٌ

وإذا فُتح لك بابُ بذلِ المعروف فادخل، وليكن لك من هذا الخير نصيبٌ وإن قل؛ لأن ذلك لا يدوم، وأحسِن إذا كـان لديك إمكانٌ ومقـدرةٌ؛ فلن يدومَ على الإنسانِ الإمكانُ، فكلما كان بإمكانك، فلير الناسُ من إحسانك، قال النبي -[- وهو يحث على الإحسانِ إلى الآخرينِ، وبذلِ المنفعةِ والخيرِ، قال: «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ» (رواه مسلم). فكن سببا في قضاء حوائج المسلمين، فهو من أعظم الخير، ومن أعظم أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج 77). قال الشيخُ عبدُالرحمنِ السَّعديُّ -رحمه الله-: «فلا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق، والسعي في نفع عبيده، فمن وفق لذلك، فله القِدْحُ المُعَلَّى من السعادة والنجاح والفلاح».

أعظم الجزاء

وإن أعظم جزاءٍ لصاحب المعروف في الدنيا يراه في الآخرة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ» (رواه مسلم)، وقال عليه الصلاة والسلام: «ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتَها له، أثبت الله -تعالى- قدمَهُ يومَ تزل الأقدام» (رواه الطبراني - صحيح الجامع 176)، فكن من خير عباد الله، الذين نفعوا عبادَ الله، فكانوا أحبَّهم إلى الله. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناس» (رواه الطبراني - صحيح الترغيب والترهيب 2623).