المحفز الرمضاني





الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه، وبعد:

في طريق المسلم إلى الله، تجري عليه في حياته متغيرات يضعف فيها عمَّا كان يقوى عليه من قبل، ويترك ما كان يحافظ عليه، فقد يجد نفسه قد ترك واجبات أو مستحبات، أو واقعاً في محرمات، فيرى أن ما كان عليه في سابق حياته هو خير له مما هو عليه الآن، وقد يصحب هذا وعي بالحال، وتحسُّر عليه، وأمل بالإصلاح.
فما السبيل الأمثل للتعامل مع هذه الفترة من الضعف التي لا يكاد يسلم منها أحد؟
يمكن أن نقدم عدة أمور في الاستدراك على حالة الفتور تلك، غير أن من أهم هذه الأمور مدافعة أحوال الضعف والفترة بالمحفزات؛ فكما أن هناك أحوالاً تفتر فيها النفس عن طاعة الله، فثمَّ محفزات تدفع النفوس إلى الطاعة، والازدياد من الخير، وبلوغ درجات لم تكن لتفعلها لولا هذا المحفز، فالإنسان حارث همام، لا يبقى على حالٍ واحدة؛ فكما يضعف تارة، فإنه يقوى تارة أخرى أيضاً.
ومن المهم أن ينتهز المسلم هذه المحفزات، فلا يبقى أسيرَ التفكير بما قصَّر، بل يبادر بالتفاعل الإيجابي مع هذه المحفزات لينهض من كبوته، ويصلح أمره، ويكثر من الطاعات، ويتْبع السيئة الحسنة.
وهذه المحفزات تختلف بحسب الأشخاص، وحسب أبواب الطاعة أيضاً: فطالب العلم له ما يحفزه، ومن يسعى في نفع الفقراء والمساكين له محفزاته، ومن يداوم على الصيام والقيام له أيضاً ما ينهض بهمته... وهكذا، فكل باب من أبواب الخير له محفزات، فينبغي أن يستغل كل مسلم ما يجد فيه نفسه فلا يفوِّت هذه المحفزات لينشط في الخير، ويعظم من أثره، ويوسع من نفعه.
بل ينبغي على المسلم ألَّا يقف عند انتهاز المحفزات، وعليه أن يختلقها، ويثيرها، ولا ينتظر وقوعها، حتى تكون نفسه مشتعلة حماساً في الدعوة والتعليم والخير والإصلاح دائماً.
غير أنه ثمة محفِّز صالح لجميع الناس، في جميع الأبواب، وفي جميع الأحوال، فهو عظيم التأثير في تحريك النفوس إلى الله، وفي تثبيطها عما يسخطه سبحانه، إنه شهر رمضان العظيم.
فرمضان شهر الخيرات والبركات، عظيم الأثر في نفوس الناس، تتهيأ له النفوس، وتتخذه بداية لإصلاح كثيرٍ من أمورها، فتجد محفِّز رمضان ظاهراً في أبواب الخير كلها: من شهود الجماعة، وقراءة القرآن، وقيام الليل، والدعاء، والصدقات، والاعتكاف، وزيارة الأرحام، والإصلاح بين الناس، وغيرها.
والتحفيز في رمضان يقويه جوانب عدة: فالمسلم يصوم شهره كاملاً، والصيام طاعة عظيمة كما قال تعالى في الحديث القدسي مبيِّناً فضل هذه العبادة: « «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»، وهذه العبادة تقوِّي في نفس المسلم التقوى ومراقبة الله تعالى، التي هي غاية الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. كما أن الصيام يخفف من دواعي الشهوة، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستطع الزواج بالصوم، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ فالصيام يخفف من تأثير الشيطان على العبد... وكل هذه المعاني مما يُعِيْن المسلمَ، وييسر له الطاعة، ويهون عليه ترك المعصية.
كما أن رمضان يقوم على عبادات جماعية تعيْن المسلمَ على التغيير نحو الأفضل؛ فالناس يصومون جميعاً، ويقومون الليل جميعاً، ويزيد حضورهم للجُمَع والجماعات، ويراهم يعتنون بالقرآن، وهذا مما يقوي التحفيز ويشعل الحماسة في نفس المسلم.
فمن الواجب على المسلم أن يستغلَ مثل هذا الشهر المبارك، ويجعلَ أيامه ولياليه محفزةً لنفسه الضعيفة، ومحركةً لروحه المثبطة، ومحييةً عزيمته الفاترة في أبواب الخير كلها، فرمضان محفِّز عظيم للبدء في أهداف جديدة، واستئناف مشاريعَ تعطلت، وتصحيح أخطاء تراكمت، وإصلاح مشكلات تأصلت.
منقول